اللاذقية | لا يزال البحر بالنسبة إلى أهالي اللاذقية فرصة للتأمل. ومن يرغب في ممارسة السباحة والاسترخاء على شاطئ المدينة الساحلية يمكنه الحصول على عرض أسعار مغرٍ لدى أحد المنتجعات السياحية، التي تعاني من قلة الزوار. ما من داعٍ لبحث أسباب انعدام السياحة في البلاد. الأزمة واضحة.
المدينة التي لطالما اعتمدت على السيّاح الأجانب بسبب قيمتها التاريخية العظيمة، أصبحت فارغةً إلا من أهلها وجيرانهم من النازحين. لم يعد عشّاق المدينة من سوريي المدن الأخرى كسابق عهدهم. معظمهم خسر منزله وحياته السابقة، ولاقى أمامه فرصة الأمن والأمان ضمن اللاذقية، على اعتبار أن حاضنها الشعبي يكفل عدم الانجرار إلى تجربة الاقتتال التي جرت في محافظات أخرى.
ورغم أنّ الريف ملتهب ببارود الاشتباكات، وما يترتب على ذلك من خسارة أهل المدينة للمتنفّس الذي لطالما قصدوه أيام العطل، يبدو أنّ كل دروب السياحة مغلقة ضمن أراضي المدينة... السياحية.
الوضع داخل معظم المنتجعات غير مستغرب. لن تجد سوى العشرات ممن دفعوا مبلغاً يقل عن ألف ليرة، لممارسة رياضة السباحة والتخفيف عن أنفسهم من ضغوط الأخبار السيئة التي يتابعها معظمهم طوال الوقت. العروض المغرية التي يقدّمها العديد من المنتجعات ليست مجديةً، إذ إن الموظف السوري الذي زاد دخله، إثر زيادة الرواتب الأخيرة بمقدار 40%، يعاني من زيادة الأسعار أكثر من أربعة أضعاف بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي. وعليه، لن يفكّر ابن اللاذقية البسيط بالاستجمام إن كان مدخوله لن يغطي نفقات عائلته من الطعام والشراب. تقول عُلا، طالبة جامعية، لـ«الأخبار»: «لم تعد عائلتي من الطبقة الوسطى. لم نعد نطمع بأي رحلات سياحية أو ترفيهية. أصبحنا نحاول التوفير قدر المستطاع لنؤمن النفقات الأساسية اللازمة لإكمال الحياة». هذه حال كثير من عائلات المدينة.
لتجّار المدينة معاناتهم أيضاً، إذ إنّ الأزمة لا تمرّ على المنتجعات والمستثمرين سياحياً فحسب، إنما يؤكد رياض، صاحب مخزن تجاري في الشاطئ الأزرق، أن الارتفاع الكبير في الأسعار منع الناس من القدوم إلى الشاطئ. ويذكر الرجل، الذي اعتمد سابقاً على بعض البضائع المهرّبة، أن توقّف التهريب بسبب الأحداث الأمنية الصعبة، وارتفاع الدولار أدى إلى امتناع الناس عن شراء الكماليات، والانصراف كلّ إلى همومه وتأمين لقمة العيش فحسب.
المدينة المعروفة بتنوّع طبيعتها، وكثافة غاباتها التي لعبت دوراً سياحياً هاماً في السابق، أصبحت تعاني من فقر الغطاء الأخضر الذي يتجلّى بالحرائق في غابات الفرنلق شمال اللاذقية، والتي كانت من أهمّ الغابات في المنطقة باحتوائها على أشجار تجاوزت أعمارها عشرات السنين. الاشتباكات في المناطق المحيطة بالغابات بين الجيش السوري ومسلحي المعارضة أدت إلى القضاء على المنطقة الجبلية من حياة السوريين.
مطاعم وسط المدينة، بدورها، شهدت تراجعاً مخيفاً في نسبة الزبائن، حيث أدى الشرخ الاجتماعي الذي كانت المدينة الساحلية أولى ضحاياه منذ آذار 2011، إلى مقاطعات اقتصادية بين أهل الريف والمدينة، وبين الضواحي ووسط المدينة أيضاً. أهل الريف والضواحي امتنعوا طوال أشهر عن ارتياد نوادي بعض الأحياء ومطاعمها وسط اللاذقية، واكتفوا بالتعامل مع مطاعم أحياء الزراعة والأوقاف والرمل الشمالي، بل وصل الأمر إلى الاستعاضة عن أسواق المدينة بإنشاء أسواق أخرى في أطراف المدينة بهدف جذب أهل الريف إليها. الأمر تغيّر، مؤخراً، وعادت الحركة شيئاً فشيئاً إلى أسواق المدينة ومطاعمها، إلا أنها بقيت دون الحاجة المطلوبة بالنسبة إلى التجار. تقول لمى، 25 عاماً: «لم نعد نشعر بالأمان عند ارتياد السوق بعد غروب الشمس. الحوادث الأمنية التي وقعت هُناك، من قبل، تثير مخاوفنا».
وأمام الحرب التي تعيشها البلاد، يتساءل السوريون حول دور وزارة السياحة على أرض تبقى السياحة آخر ما يهمّ سكانها، لينضمّ أصحاب المنشآت السياحية إلى قائمة المتضررين من الأزمة، وليصل اليأس لدى بعضهم إلى حد تغيير مجال عمله، وتحويل المنشأة إلى أغراض أخرى أو إغلاقها.