في العادة كان الإعلاميون الإسرائيليون هم من يسرّب الخبر للصحافة الأجنبية، ثم يبنون على هذا التسريب ليغوصوا فيه بحثاً وتمحيصاً. لكن اللافت هذه المرة في خبر تعرض صواريخ الجيش السوري في اللاذقية لهجوم اسرائيلي من البحر في 5 تموز الحالي، أن التسريب جاء من الدوائر الرسمية الأميركية، وقد لقي إدانة في تل أبيب، على اعتبار أنه يستهدف إحراج الرئيس بشار الأسد، ودفعه الى مواجهة عسكرية مع إسرائيل في محاولة للتعجيل في إسقاط نظامه.
وكانت شبكة «CNN» التلفزيونية قد نقلت السبت عن ثلاثة مسؤولين أميركيين «أنّ الانفجار الضخم والغامض الذي وقع في الخامس من تموز الجاري بالقرب من مدينة اللاذقية الساحلية جاء نتيجة غارة جوية إسرائيلية». وأضاف المسؤولون، الذين رفضوا الكشف عن أسمائهم، «إنّ الهدف كان مرابض لصواريخ متطورة روسية الصنع من نوع «ياخونت» المضادة للسفن.
ونشرت صحيفة «نيويورك تايمز» خبراً مشابهاً نقلاً عن «مسؤولين أميركيين رسميين»، مشيرة إلى أنه «خرج إلى النور بعد نفي المتمردين السوريين مسؤوليتهم عن انفجارات كبيرة حدثت في اللاذقية» ذلك اليوم، مضيفةً إنّ ما ضرب هو مستودعات لهذه الصواريخ.
أما صحيفة «صنداي تايمز» فقالت من جهتها «قامت غواصة إسرائيلية من طراز «دولفين» بإطلاق صاروخ واحد من عرض البحر على مخزن صواريخ «ياخونت» أرض ــ بحر الروسية الصنع، والتي وصلت إلى ميناء اللاذقية السوري قبل عدة أشهر». وأضافت «هذه هي المرة الأولى التي يقوم فيها سلاح البحرية الإسرائيلي بتنفيذ عمليات عسكرية في سوريا منذ بداية الحرب الداخلية»، مشيرة إلى أن «إسرائيل نفذت هذه العملية بعد التشاور مع الولايات المتحدة».
وبثت القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي أمس صوراً قالت إنها اشترتها من قمر اصطناعي غربي لموقع الهجوم قبل الغارة وبعده. وتظهر الصور القديمة هنغاراً، لم يكن موجوداً في الصور التي التقطت بعدها.
أما في إسرائيل، فقد رفضت السلطات السياسية والعسكرية والأمنية التعليق على الأنباء. بينما تولت الصحافة عرض ما نشر في الخارج. ورأت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أنّ الولايات المتحدة «أخرجت إسرائيل من الخزانة عبر قول مسؤولين أميركيين إنها هي التي شنت هجوم اللاذقية». والسؤال الآن، بحسب الصحيفة، هو إذا كان الرئيس السوري «سيضبط نفسه أم يوقف سياسة عدم الرد التي ينتهجها».
وتنقل الصحيفة عن رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق، غيورا آيلند، قوله إن «سياسة تفعيل القوة التي تنتهجها إسرائيل في سوريا سليمة تماماً». ويضيف إن «إسرائيل يمكنها أن تهاجم أهدافاً كثيرة في سوريا، إلا أنها تختار، وفقاً لمنشورات أجنبية، أن تهاجم أهدافاً نوعية مثل صواريخ «فاتح 110» و«أس إي 17» و«ياخونت». ويعتقد آيلند أنّ مصلحة الأسد مشابهة للمصلحة الإسرائيلية بالإبقاء على الضبابية وعدم إثارة الكلام حول هذه الهجمات.
وهو يرى أنّ الأسد يستطيع أن يرد بشكل محدود في أي لحظة، «هناك مئات الصواريخ في سوريا موجهة ضد إسرائيل. بعضها يمكن أن يصل إلى الجولان، والبعض الآخر إلى وسط البلاد. يمكن الأسد إصدار الأوامر بإطلاق صاروخين أرض ــ أرض مع رؤوس تقليدية إلى شمال البلاد، وحتى لو انتهى ذلك من دون أضرار، فإن إسرائيل ستواجه مشكلة كيفية الرد». ويرى آيلند أن «الأسد يعمل بطريقة منطقية وعقلانية، لا انفعالية. ومصلحته في عدم الحديث عن الهجوم، وإلا لكان أعلن حصوله».
من جهته، اعتبر المعلق الأمني في صحيفة «معاريف»، عمير ربابورت، أنّ الادعاءات الأميركية بأنّ «إسرائيل تقف خلف سلسلة التفجيرات التي وقعت في اللاذقية من شأنها أن تضع الرئيس السوري أمام معضلة: فمن جهة، كان الأسد قد هدد قبل نحو شهرين بأنّه لن يتجلد حيال هجوم إسرائيلي. ومن جهة أخرى، فإن فتح جبهة مباشرة مع إسرائيل هو آخر ما يحتاج إليه الآن».
وختم بالقول إنه «في واقع متوفر بهذا القدر، فإن كل حدث من شأنه أن يشعل ناراً كبرى وحتى انفجار سيارة مفخخة في ضاحية حزب الله في بيروت، مثلما حصل الأسبوع الماضي، من شأنه أن يعزوه حزب الله لإسرائيل فيردّ باتجاه الشمال. في هذه الأثناء، كل يوم يمر في هذا الصيف من دون اشتعال الجبهة الشمالية ليس أمراً مفهوماً من تلقاء نفسه».
بدوره، ولم يقرّ وزير الدفاع موشيه يعالون، بمسؤولية اسرائيل عن الهجوم، لكنه أوضح أنّ صاروخ ياخونت يثير قلق إسرائيل على وجه خاص لأنه قادر على إصابة منشآت إسرائيلية في البحر أو حتى على الساحل بشكل دقيق، وهو يعرّض للخطر محطة الطاقة في الخضيرة وعوامات التنقيب عن الغاز في البحر، كما موانئ حيفا وأسدود.
من جهته رأى محلل الشؤون العسكرية في موقع «والاه» الإخباري، أمير بوخبوط، أنّ هذه التسريبات أثارت خشية في إسرائيل من أن تؤدي إلى إحراج الأسد، وتدفع به إلى بحث سبل الرد بعدما كان قد هدّد إسرائيل علناً، مضيفاً أنّهم «يقولون في إسرائيل إنّ الأسد «مردوع» جداً حيال إسرائيل، ويدرك أن هجوماً إسرائيلياً عليه قد يورطه بشكل كبير ويمكن أن يسرّع في نهاية نظامه، ولذلك فإنه قد يبحث عن طرق رد أخرى مثل زعزعة الاستقرار في الجولان».
وقد يكون الدافع وراء تسريب الأميركيين هو محاولة تضييق خطوات إسرائيل من أجل منعها من الاستمرار في الهجمات أو توظيف قوة الجيش الإسرائيلي في محاولات تخويف إيران في إطار عرض إسرائيل كدولة لا يمكن السيطرة عليها بهدف دفع الرئيس الإيراني الجديد، حسن روحاني، إلى المفاوضات.

رواية المعارضة

وكان المتحدث باسم المجلس العسكري الأعلى «للجيش السوري الحر»، قاسم سعد الدين، تحدث في 10 تموز عن الهجوم الذي «استهدف ثكناً تابعة للبحرية السورية في منطقة السفيرة بالقرب من ميناء اللاذقية»، مضيفاً أن «شبكة استخبارات المعارضة كانت قد اكتشفت تخزين صواريخ ياخونت التي حصلت عليها سوريا حديثاً هناك». وشدد على أن «الجيش الحر لم يستهدف هذه الصواريخ»، قائلاًَ إن «قوة الانفجارات الهائلة تتجاوز قوة النيران لدى الجيش الحر، لكنها تتناسب مع قوة النيران الخاصة بجيش حديث مثل الجيش الإسرائيلي».




رأى المعلّق العسكري في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أليكس فيشمان، «أن شيئاً ما «يتشوش» في علاقات الثقة بين إسرائيل والولايات المتحدة. فليس من المنطقي ولا من المغتفر أن تكون في منظومة علاقات حميمة كهذه _ كما نعرفها على الأقل _ بين جهازي أمن أسرار أحدهما مشاعاً على لسان الآخر. فتلك الجهات في وزارة الدفاع الأميركية التي تبيع وسائل الإعلام الأميركية الأسرار الإسرائيلية بثمن بخس، تعلم أنها تضر بمصالح إسرائيلية واضحة في المنطقة وتُعرض حياة مواطني إسرائيل للخطر، لا أقل من ذلك».
وأضاف إنّه «حينما يحدث ذلك مرة واحدة، فقد يكون زلة لسان شخص ما، وحينما يحدث مرتين يصبح خطة عمل»، مشيراً إلى أن الأسد «لم يشأ في الهجوم الإسرائيلي السابق _ كما لا يشاء اليوم في الحقيقة _ مواجهة عسكرية مكشوفة مع إسرائيل. وكان مستعداً آنذاك _ كما هو مستعد اليوم حقاً _ للاختباء وراء التصريحات المعلنة لأن المتمردين نفذوا الهجوم. إن الإشاعة الأميركية للنبأ في أيار جعلته تحت ضغط عظيم من الجنرالات حوله الذين طلبوا رداً. وقد التزم الأسد بسلسلة تصريحات معلنة وهجومية أنه لن يوجد بعد ذلك ضبط سوري للنفس إذا مُست سيادة سوريا».
وتابع المعلق الإسرائيلي «في هذه المرة، بعد الهجوم على القاعدة العسكرية شمالي اللاذقية، نجح الأميركيون في ضبط أنفسهم أسبوعاً، وأشاروا، أمس (السبت) مرة أخرى إلى إسرائيل أنها المسؤولة عن الهجوم على مخازن السلاح، التي كانت تحتوي كما يبدو على صواريخ أرض _ بحر من طراز «ياخونت». والأسد الآن في معضلة، فحينما يُصرّ الأميركيون على أن إسرائيل هي الفاعلة، فماذا يفترض أن يفعل: يضبط نفسه ويُظهر الضعف... هل تراهن إسرائيل على هذا الشيء؟
ورأى فيشمان أنّ الشيء العجيب هو أنه «أصيبت منظومات سلاح روسية، والروس غير متأثرين، فالصفقة هي التي تعنيهم. وفي اللحظة التي نقلوا فيها السلاح وحصلوا على المال، أصبحت إسرائيل قادرة على أن تفعل ما شاءت. فقواعد اللعبة مع الروس واضحة. وفي مقابل ذلك، تبدو الإدارة الأميركية التي هي شريكتنا الاستراتيجية في مظهر غير الموثوق بها». وأضاف «قد يكون التسريب الأميركي ذا صلة بنجاح تجربة الإطلاق التي نفذتها إسرائيل لمحرك صاروخ باليستي بعيد المدى؟ في النبأين اللذين نشرا لعبة رسائل خفية وحرب نفسية. إن التجربة هي جزء من سلسلة تجارب تُجرى على الصاروخ والمحرك منذ زمن. حينما تريد إسرائيل أن تخفي عن الأنظار تجارب على صاروخ تعرف كيف تفعل ذلك. وكانت مهتمة، قبل يومين، بأن تنشر نجاح التجربة. والرسالة واضحة وهي أنه لا ينبغي أن يكون عند أحد وهم بأن التقليص من ميزانية الدفاع يضر بقدرات دولة إسرائيل الاستراتيجية. وختم بالقول إنّه «إذا افترضنا أنّ من سرب المعلومات إلى وسائل الإعلام الأميركية كانت مصادر في البنتاغون، كما حصل في المرة الماضية، فإن هدفهم من وراء ذلك توريط إسرائيل في قتال ضد الجيش السوري، وبذلك تسريع نهاية نظام الأسد من أن تضطر الولايات المتحدة إلى التدخل مباشرة».



(الأخبار)