أعدّ باحثون في هيئة الأمن القومي في إسرائيل لائحة جزئية بأملاك اليهود المصريين للمطالبة بتعويضات عنها، تشمل العقار الذي شيدت عليها السفارة الروسية، بما في ذلك منزل السفير الروسي، القصر الذي تقطنه جيهان السادات، مباني كل من السفارات الباكستانية والكورية الجنوبية والسويسرية والألمانية والكندية والهولندية والجزائرية والبحرينية والمكسيكية، وكذلك الأميركية سابقاً، مبنى «المكتبة الكبرى» في القاهرة، مبنى «ليبرتي هاوس» المملوك للسفارة الأميركية ويُستخدم لعقد المؤتمرات والمناسبات العامة، مبنى متحف محمد خليل للفنون، فضلاً عن عشرات المحال والمؤسسات التجارية التي لا تزال قائمة حتى اليوم.
المشروع «السري والضخم» الذي تعكف عليه الهيئة الإسرائيلية التابعة لمكتب رئيس الوزراء توصّل حتى الآن إلى استكمال نحو 5000 ملف تتعلق بعوائل يهودية فقدت ممتلكاتها في مصر ما بين عامي 1948 و 1968 إثر اندلاع الصراع العربي الإسرائيلي. والمشروع الذي أطلقه المستشار السابق للأمن القومي، عوزي أراد، عام 2011 يهدف بحسب أحد المطلعين عليه إلى تحقيق توازن إزاء المطالب الفلسطينية سواء في ما يتعلق بحق العودة أو بالتعويض على اللاجئين.
ووفقاً لتحقيق نشرته أمس «يديعوت أحرونوت»، فإن المشروع ينقسم إلى جزأين، وقد أُنجز الجزء الأول منه العام الماضي مع صياغة «ورقة موقف شاملة» تشرح موجبات المشروع ومسوغاته القانونية. ويَرِد في هذه الورقة أن «المسؤولية عن خلق مشكلة اللاجئين (اليهود) ملقاة على عاتق الدول العربية التي لم تسمح لليهود بإخراج ممتلكاتهم واضطرتهم إلى مغادرة أماكن سكناهم مجردين من كل شيء ومخلفين وراءهم ممتلكاتهم الشخصية والجماعية. وبذلك سببت الدول العربية الخراب لجماعات عريقة عمرها 2500 عام».
أما الجزء الثاني، المتمثل بجمع المعطيات ذات الصلة بأملاك الجاليات اليهودية في الدول العربية، فلا يزال العمل فيه قائماً على قدم وساق بمشاركة مستشارين خارجيين ومكتب محاسبة. وعلى ذمة هذه المعطيات فإن الجالية اليهودية في مصر، التي كانت تُعدّ الأغنى بين الجاليات اليهودية في الدول العربية، بلغ عدد أفرادها في ثلاثينيات القرن الماضي نحو 120 ألفاً، وكانت تمتلك جزءاً كبيراً من المشاريع الاقتصادية الكبرى في البلاد في المجالين الصناعي والتجاري. وفي السنوات التي تلت إعلان قيام دولة إسرائيل صادرت السلطات المصرية 500 شركة مملوكة لأفراد من الجالية، وجمدت عمل 800 شركة أخرى تمهيداً لوضع اليد عليها لاحقاً. وتبلغ القيمة المقدرة لتعويض هذه الممتلكات نحو ثمانية مليار دولار، من دون احتساب الأصول العقارية المتمثلة بالأبنية والأراضي التي كانت مملوكة لليهود، والتي تقدر قيمتها أيضاً بمليارات الدولارات.
ووفقاً لتحقيق «يديعوت»، فإن قضية التعويضات لليهود المصريين شكلت أحد الموضوعات التي جرى تناولها في مباحثات «كامب دافيد»، حتى إن اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل تحدثت في البند الثامن عن تشكيل لجنة مشتركة «لتسوية النزاعات المتبادلة» في إشارة إليها. إلا أن الجانبين صرفا النظر عن تنفيذ هذا البند كل لدوافعه الخاصة. فالإسرائيليون كانوا يخشون من إثارة موضوع التعويض عن النفط الذي استخرجته تل أبيب من سيناء إبان فترة احتلالها لها ما بين عامي 1967 و 1982، فيما خشي المصريون من مطالبة إسرائيل بتعويضات لليهود الذين هاجروا من مصر. وفي هذا الإطار، يكشف يعقوب مرون، رئيس «دائرة الممتلكات اليهودية في الدول العربية» في وزارة العدل الإسرائيلية مطلع الثمانينيات أنه سافر إلى القاهرة بعيد توقيع «كامب دافيد» بتوجيه من جهات عليا و«همس» في أذن المصريين بأرقام مبالغ التعويضات التي ستطالب بها إسرائيل رداً على أية دعوى مصرية بشأن نفط سيناء، الأمر الذي دفع القاهرة إلى «النزول عن تلك الشجرة».
ووفقاً لعوزي أراد، فإن «الهدف الأساسي (للمشروع) هو إيجاد تعادل كامل» مع قضية اللاجئين الفلسطينيين بحيث «يُدفع دولار لليهود مقابل كل دولار يدفع للفلسطينيين على أساس تماثلي ومتزامن». ليس ذلك فحسب، إذ يضاف إلى هذا «التعادل» مطلب إسرائيلي آخر هو اقتطاع المبالغ التي أنفقتها إسرائيل في استيعاب «اللاجئين» اليهود من الأموال التي تحولها إسرائيل للسلطة الفلسطينية. وإن لم يكن ذلك كافياً، فإن التوجه الإسرائيلي هو المناقشة في تعريف «من هو اللاجئ». فإذا كان تعريفه يسري على أبنائه وأحفاده، كما تتعامل الأمم المتحدة مع الفلسطينيين، فإن ذلك سيشكل مدخلاً للمطالبة بأن تتعامل كذلك مع أبناء وأحفاد اللاجئين اليهود الذي يشكلون اليوم نحو 40 في المئة من السكان اليهود في إسرائيل.
ويشير أراد إلى أن الأرقام التي خلصت إليها تحقيقات هيئة الأمن القومي بشأن اللاجئين اليهود من البلدان العربية تتحدث عن نحو 800 ألف، وهو رقم يفوق عدد اللاجئين الفلسطيين الذي لا يتجاوز 700 ألف.