حلب | الغضب العارم يسود حلب منذ أسبوع مع الحصار الخانق الذي فرضته الجماعات المسلحة على وصول الشاحنات التجارية المحملة بالخضر والفواكة والأغذية عبر طريق دمشق، إضافة إلى منع المواطنين السوريين من إدخال أية مواد غذائية أو أدوية أو وقود من الأحياء التي ينتشر فيها المسلحون إلى الأحياء الغربية التي تصنف «آمنة» تحت سيطرة الحكومة السورية. ولم يوفر غضب الحلبيين المحافظ والقيادة الأمنية، حيث ارتفعت الأصوات مطالبة بتغييرها الأمر الذي يبدو أنه تم دون إعلان. وبينما تشير المعطيات إلى قرب انفراج الأزمة، استمرت المعارك وعمليات القصف «النوعية» للجيش السوري التي سقط فيها عشرات المسلحين داخل وخارج المدينة، وكان أبرها استهداف مستشفى العيون الحكومي الذي يضم مئات المسلحين، ومن بينهم نسبة كبيرة من غير السوريين عرباً وأجانب.وقال مصدر في محافظة حلب لـ«الأخبار» إنّ شاحنات الخضر التي وصلت إلى المدينة عبر طريق عسكري يتم توزيعها على الفور في مناطق حلب الجديدة، والعزيزية، والسليمانية، والحمدانية.
كما بدأ المخبز الحكومي في حيّ الحمدانية ببيع الخبز للمواطنين على مدار الأربع وعشرين ساعة، وبالسعر الرسمي لربطة الخبز (15 ليرة)، فيما اصطفت طوابير من مئات المواطنين للحصول عليه، وذلك بعد وصول أول قافلة طحين ووقود صباح أول من أمس.
السوريون والسوريات تفننوا في التحايل على تشدد المسلحين في منع عبور الغذاء في المعبر الفاصل بين الحلبين، فأحدهم لم يجد أفضل من جهاز التلفزيون ليخبأ فيه ربطة خبز وكيلوغرامات عدة من الخيار، لكنه وقع في قبضة المسلحين الذي تفاخروا بكشفه وبثوا تسجيلاً لعملية ضبط «الشبيح المهرب».
فيما كانت النسوة يزنرن بطونهن بأكياس اللحم (الكباب) وكأنهن حوامل، لتهريبها من قسوة المسلحين الذين يعمدون إلى إتلافها.
أم أنس، التي وصلت إلى حيّ المشارقة وقفت في مدخل بناء وأخرجت ثلاثة كيلوغرامات من اللحم الكباب من تحت «المانطو» الذي ترتديه، وقالت «كل يوم أعبر مرة واحدة وأشتري 3 كيلو كباب وأبيعها بفارق 500 ليرة، لأطعم أولادي مجدرة وعدس بحامض».
وأمام الضغط الشعبي في معبر كراج الحجز، تمّ سحب «لواء شهداء احسم» (قرية في إدلب) وإشراف مقاتلين سوريين وأجانب على المعبر، حيث سمح المقاتلون الأصوليون بإخراج كيلو غرام واحد من كل مادة ما عدا البطاطا، حيث شهدت المنطقة أكثر من تظاهرة احتجاجية فرقت بإطلاق الرصاص من البنادق والرشاشات.
وشهدت منطقة المعبر مقتل وجرح العشرات أثناء تفريق المحتجين، فما إن سمح المسلحون بمرور المواطنين مع كمية محدودة من الغذاء والمواد حتى بدأ قناصة «مجهولون» باستهداف العابرين.
عشرات الأبرياء سقطوا بين قتيل وجريح في الأيام الأخيرة في معبر كراج الحجز خلال محاولتهم تمرير بضعة كيلوغرامات من الخضر والأغذية، التي بلغ الفارق في أسعارها بين «الحلبيْن» عشرة أضعاف.
وقال مصدر معارض إنّ «الهيئة الشرعية لم تكن مقتنعة بفتح المعبر للمواد الغذائية، ما ولد خلافاً بين الطرفين جعل عناصر اللواء المنسحبين يطلقون النار في الهواء ومن رشاشات الدوشكا ويقنصون العابرين انتقاماً ورداً على رفع يدهم موقتاً عن المعبر الذي يدر عليهم الملايين يومياً، هذه ليست ثورتنا ونحن وقفنا ضدهم».
وكانت اللجنة التنظيمية المشرفة على المعبر قد قالت مطلع الشهر الحالي، إنّها وبمناسبة شهر رمضان المبارك ستعلق قبض «رسم المعبر» المفروض على السلع الغذائية وغيرها التي تمرّ خلال المعبر، لكنها قرّرت بنفس الوقت منع إخراج الخبز والخضر والألبان واللحوم والأدوية والوقود، وثبتت لافتة ضخمة على المعبر لتعداد المواد الممنوع إخراجها ما أثار سخرية وغضب الحلبيين أكثر.
وقال هاني الفيصل، وهو مواطن اضطر لسلوك المعبر نتيجة قطع طريق دمشق، «المسلحون ومعظمهم غير سوريين افتعلوا المواجهات مع حاجز المشارقة للجيش السوري من أجل تفريغ قرارهم الكاريكاتوري من محتواه، المسلح الذي يراقب حركة الكيلوغرامات من الخيار والبندورة يقوم بوزن الأكياس بيده وما يعتقد أنه زائد عن الكيلو يقوم برميه».
وقال المواطن ماهر شكيب إنّ جنونهم «وصل مرحلة رهيبة فبينما تزداد قسوتهم وإمعانهم في إذلالنا، تزداد هستيريا من يدافع عنهم في وسائل الإعلام ويؤكد أن هؤلاء هم عناصر تابعون للمخابرات السورية ويفعلون ذلك بقصد الإساءة إلى الثورة، مللنا من هذا الخطاب الممجوج».
ميدانياً، قتل وأصيب عشرات المسلحين في محيط مطار منغ بعد أن استهدف سلاج الجو بصاروخين شاحنتي سلاح في عين دقنة ومنغ ما أسفر عن مقتل وإصابة العشرات، فيما قالت «التنسيقيات» إن عدداً من مقاتلي الكتائب قتلوا بصاروخ سكود.
وفي حلب المدينة، قتل وأصيب العشرات إثر قصف استهدف مبنى مستشفى العيون الحكومي، الذي يعتبر أهم مقرات المسلحين التابعين للهيئة الشرعية وجبهة النصرة وفق مصدر معارض، الذي أكد أنها المرة الأولى التي يتم استهداف هذا المقر الذي يعج بمقاتلين من جنسيات غير سورية، ولا يحق لأي من كتائب «الجيش الحر» الاقتراب من المكان.
وتجدّدت الاشتباكات في أحياء الشيخ مقصود وصلاح الدين والمدينة القديمة، كما شهدت محاور القتال غرباً وجنوباً وفي محيط السجن المركزي اشتباكات وقصف جوي ومدفعي، دون تغيير على خطوط السيطرة.
من جهته، حذّر أحمد عفش، متزعم «لواء أحرار سوريا» من «محاولات بعض الجهات شراء الأسلحة الثقيلة والنوعية التي بحوزة الكتائب والألوية على أرض سوريا الحبيبة، وذلك بأموال طائلة خصصت من قبل النظام وجهات أخرى تريد إضعاف القوى الثورية العسكرية». وأشار إلى أنّ لواءه «حرم من الذخيرة والدعم نتيجة رفضه مثل هذه العروض التي تمس الشرف العسكري الثوري والإخلاص لثورتنا المجيدة».
وتتردد أنباء في صفوف المجموعات المسلحة حول نيّة الجانب التركي إغلاق الحدود أمام تهريب السلاح إلى الداخل السوري، بالأخص بعد توجّه الكونغرس الأميركي الأخير عدم تزويد المعارضة السورية بالسلاح ما جعل أسعارها ترتفع.