القامشلي | في وقت تشهد فيه الحدود العراقية ــ السورية، جانباً من لعبة كسر الإرادات بين حكومة إقليم كردستان العراق والقوة الكردية الصاعدة في سوريا، المُمَثَّلة بحزب الاتحاد الديموقراطي (PYD)، تزداد الضغوط الاقتصادية على أكراد سوريا في ظل استمرار أربيل في إغلاق المعبر الحدودي مع سوريا، ما تسبب في قطع احد شرايين الحياة عن السوريين، المُنهكين أساساً، جراء الأزمة التي تعانيها بلادهم.
ويمثل إغلاق معبر «سيمالكا» الحدودي، غير الرسمي، المتنفس الوحيد للأكراد السوريين، حيث الأبواب التركية مغلقة بإحكام، فيما تقلصت حركة النقل والتجارة بين الحسكة ودمشق لدواعي أمنية. هذا الواقع ساهم في شحّ المواد الغذائية الضرورية، وفقدان بعضها في محافظة الحسكة، ما أسفر عن ارتفاع كبير في الأسعار. كما أثر قرار إغلاق المعبر في آلاف العاطلين من العمل (حيث اتاح الوضع الاقتصادي الصاعد في الإقليم عشرات الآلاف من فرص العمل للاجئين السوريين).
لكن، يبدو أن الأهم بالنسبة إلى الإقليم هو مواصلة الضغط على (PYD) عبر إيقاف احد مصادر تمويله. ويحاول الإقليم، وتحديداً الحزب الديموقراطي الكردستاني بزعامة الرئيس مسعود البرزاني، من خلال ورقة الضغط هذه، إرغام الاتحاد الديموقراطي السوري على قبول شروط البرزاني، وتنفيذ بنود اتفاقية «أربيل»، القاضية بتقاسم السلطة مناصفة بين المجلسين السوريين (غربي كردستان والوطني الكردي)، اللذين يمثلان «الهيئة الكردية العليا»، وهو، على ما يبدو، شرط مرفوض من جانب (PYD).
وتتحدث مصادر كردية عن أنّ البرزاني أمر بإغلاق المعبر بعد قيام الاتحاد الديموقراطي باحتجاز 75 عضوا من حزب «البارتي» السوري المقرب منه في أيار الفائت. ويفيد بيانٌ أخيرٌ لوزارة الداخلية في حكومة الإقليم بأن أربيل لن تسمح باستغلال المعبر «لمصلحة طرف معين (المقصود PYD) لتقوية مركزه». وأن «سياسة فرض الهيمنة بالقوة على الأطراف الأخرى (المجلس الوطني الكردي) عمل غير سليم»، وأن حكومة الإقليم لن تكون جزءاً من هذه السياسة، من خلال السماح باستغلال معبر الحدود لتنفيذ هذه المآرب».
ويتضح من تصريح أخير لرئيس «الاتحاد الديموقراطي»، صالح مسلم، أن موضوع تقاسم السلطة مع أحزاب المجلس الكردي، مرفوض من جانب حزبه، الذي يقول إنه «ناضل بمفرده»، وقدم ضحايا. ويقول مسلم، في حوار مع قناة «روناهي» المقربة من حزبه، بضرورة إخراج ملف المعبر الإنساني من التعامل السياسي، مؤكداً أن الابتزاز المتمثل بإغلاق المعبر من جانب قوى معينة في الاقليم «لفرض شروط سياسية لن يفيد». ومضى بالقول: «لن نرضخ لهذا الابتزاز».
وعلى عكس ما سلف، ترجح مصادر في الإقليم، أن الطرفين الكرديين، المختلفين ظاهراً، يعطيان الإشارة على عكس الاتجاه. وأن هناك رغبة مشتركة في وقف نزيف الهجرة من المناطق الكردية في سوريا. ويستضيف اقليم كردستان نحو150 ألف لاجئ سوري. وبحسب الأرقام الرسمية، فقد سجل دخول نحو 100 لاجئ يومياً في عامي 2011 و 2012؛ ليرتفع الرقم إلى نحو700 لاجئ يومياً عام 2013.
وسبق أن أعلنت إدارة المعبر، في 17 حزيران الماضي، عن د خول 700 لاجئ إلى الإقليم بعد فتح المعبر ليوم واحد. ويبعد المعبر نحو20 كلم عن مدينة دهوك، و60 كلم عن مخيم «دوميز» للاجئين. ويسمح الإقليم بعبور اللاجئين للعودة إلى سوريا (لكن دون رجعة). كما يسمح بإدخال بعض الحالات «لأسباب إنسانية استثنائية». ويتهم الطرف الكردي السوري الساسة في أربيل بإغلاق المعبر أمام المساعدات الانسانية، فيما يفترش مئات الفارين من سوريا، الأراضي الحدودية على أمل إعادة فتح المعبر.
وأبدت منظمات حقوقية وإنسانية قلقها من استمرار إغلاق المعبر. وتنقل منظمة «هيومن رايتس ووتش» عن عمال الإغاثة في المنطقة أن مئات الأشخاص عالقون في سوريا في مواجهة المعبر مباشرة، منذ منتصف حزيران، يتعرضون هناك لخطر «العنف والمرض ونقص الغذاء».
وتنقل المنظمة عن مسؤولي حكومة الإقليم، أن الحكومة تشعر بأن ليس جميع السوريين الفارين إلى الإقليم من اللاجئين لأن الوضع في المنطقة الكردية بسوريا «ليس بذلك السوء». كما يوضح المسؤولون إن اربيل محبطة من غياب الدعم من بغداد والمجتمع الدولي لمخيّم «دوميز»، حيث تسود ظروف «فظيعة». وتكاد تجمع التقارير الحقوقية، على أن الأوضاع في «دوميز» تختلف نسبياً عن واقع المخيمات في الأردن ولبنان وتركيا. لكن هذا لا يعني خلوه من المعاناة وسوء الخدمات.
ويقطن المخيّم نحو60 ألف شخص. وتطالب مؤسسات إنسانية السلطات في أربيل أن تفي بتعهدها ببناء مخيم جديد للاجئين قرب دهوك، لتخفيف الاكتظاظ في «دوميز»، البالغ مساحته حوالي 250 دونماً. وأعلنت حكومة الإقليم، في وقت سابق، عن تخصيص 10 ملايين دولار لإقامة مخيمين جديدين بعد تزايد أعداد اللاجئين.