تونس | تزامن إعلان الجيش المصري عزل الرئيس محمد مرسي في مصر مع ولادة حركة تمرد في تونس على غرار «تمرّد» المصرية التي قادت احتجاجات ٣٠ حزيران وتوجت بتدخل الجيش الذي أزاح الإخوان المسلمين من الحكم. لكن الابرز في المشهد التونسي كان نجاح قوى المعارضة ولأول مرة منذ اغتيال الزعيم اليساري شكري بلعيد، في تنظيم لقاء واسع جمع غالبية مكوناتها من أحزاب وجمعيات ومنظمات مهنية. وقد تم الاتفاق على ضرورة إنهاء المرحلة الانتقالية في أقرب وقت على الّا يتجاوز ذلك ٢٣ تشرين الأول المقبل.وأجمع ممثلو الأحزاب والجمعيات والمنظمات المعارضة على أن حركة النهضة تتحمل المسؤولية الأولى عن عرقلة المسار الانتقالي.
لكن الخلاف برز بين من يدعو إلى حل المجلس الوطني التأسيسي باعتبار أنه أصبح هو المشكلة وتكليف لجنة خبراء لصياغة الدستور، وبين من يدعو إلى الضغط على المجلس حتى يحل نفسه بإعلانه انتهاء المرحلة الانتقالية وتنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية، لأن الوضع العام في البلاد لم يعد يتحمّل الاحتقان الذي ينذر بالسيناريو المصري الذي حذرت منه قوى المعارضة.
واتفقت المعارضة على توحيد التحرك الميداني، وهو ما يعني ضمنياً مساندة حركة تمرّد التونسية التي أعلنت أنها ستعمل على إسقاط حكم الترويكا الحاكمة منذ عام ونصف عام.
ولم تمض ساعات على إعلان حركة تمرد عن نفسها في مؤتمر صحافي الأسبوع الماضي، حتى انتشر صداها في أغلب المدن والقرى التونسية، خصوصاً في المدن الداخلية التي انطلق منها الحراك الشعبي الذي أطاح الرئيس زين العابدين بن علي، مثل القصرين وقفصة وسيدي بوزيد، وكذلك العاصمة والساحل والشمال الغربي.
وبحسب تصريح رسمي، قالت حركة تمرد إن عدد الموقّعين على بيانها وصل إلى حوالى ٣٠٠ ألف شخص نهاية الأسبوع، في حين تعمل على الوصول إلى مليوني توقيع حتى تتمكن من رفع دعوى قضائية لدى المحكمة الإدارية لحل المجلس الوطني التأسيسي (أعلى سلطة في البلاد)، وبالتالي حل كل السلط المنبثقة عنه، وهي الحكومة ورئاسة الجمهورية وبالتالي العودة إلى الصفر.
والهدف الأساسي للحركة هو حل المجلس الوطني التأسيسي الذي «فشل في المهمة التي انتُخِب من أجلها وهي كتابة دستور ديموقراطي يستجيب لطموحات الشعب الذي ثار من أجل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية»، حسبما جاء في بيان حركة تمرد. لكن مشروع الدستور الذي انطلقت مناقشته قبل أسبوع لم يكن على مستوى هذه الآمال، حسب بيان الحركة.
ويضاف إلى ذلك عجز الحكومة في تحقيق التنمية والضغط على الأسعار، وتفشي الجريمة والانفلات الأمني وانتشار السلاح، وقمع الحريات والتساهل مع المتشددين دينياً، وعدم تحديد موعد محدد للانتخابات وتعمد التمديد في المرحلة الانتقالية لمزيد التمكن من السيطرة على الإدارة بما يسمح لحركة النهضة بالتحكم في الانتخابات حتى تكون على قياسها.
لذلك دعت الحركة إلى حل المجلس الوطني التأسيسي وتشكيل لجنة خبراء من أستاذة القانون الدستوري لصياغة الدستور.
وقد لاقى ظهور حركة تمرد ترحيباً كبيراً من ناشطي الفايسبوك، كما رحبت به بعض الأحزاب ضمنياً من خلال تبني مطالب الحركة.
وفي الوقت الذي يواصل فيه شباب «تمرد» توزيع استمارات التوقيعات، اعتبر بعض الوزراء وقياديون في حركة النهضة وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية، أن المقارنة بين تونس ومصر لا مبرر لها، «فالجيش التونسي ليس معنياً بالسياسة» على حد قولهم. كما ان الحكومة ليست حكومة النهضة والمجلس الوطني التأسيسي سلطة أصلية اختارها الشعب.
وتعمد بعض الوزراء حتى التهكم على هذه الحركة الشبابية؛ مثل تصريحات وزيرة المرأة سهام بادي (حزب المؤتمر). أما رئيس الحكومة علي العريض، فأعلن من المملكة العربية السعودية أن أي محاولة «للتمرد» على سلطة الدولة ستواجه بصرامة، مطمئِناً الشعب التونسي على سلامة المسار الانتقالي الذي سينتهي قريباً بتنظيم انتخابات في السنة الجارية.
ورغم الفوارق الكبيرة بين الحالة التونسية والمصرية، لا سيما في مستوى المؤسسة العسكرية التي كانت دائماً ومنذ ثورة يوليو ١٩٥٢ في مصر في قلب المشهد السياسي، فإن الجيش التونسي لم يُعرف عنه أي اهتمام بالسياسة وبالتالي فمن المستبعد جداً ان يتكرر السيناريو المصري، حتى وان نجحت حركة تمرد في تعبئة الشارع ضد الحكومة وسلطة «النهضة».
وفي الحقيقة ليس هذا فقط ما يمكن ان يعرقل مشروع «تمرّد»، بل ان «المزاج» التونسي في فصل الصيف غير قادر ولا مستعد للتمرد ما دام هناك بحر وأعراس ومهرجانات في كل المدن والقرى.
أما السلفيون فلم يعد لهم أي تحرك في الشارع منذ أحداث حي التضامن، والتوقيت غير ملائم في ظل شهر رمضان ما يُسرّع هذا الضغط في اجراء الانتخابات. هكذا يرى بعض المحللين، لكن كل شيء ممكن، فلا أحد كان يتصور قبل لحظات فقط من فرار الرئيس المخلوع، أن النظام سيسقط بتلك الطريقة التي أذهلت العالم وتسرّبت عدواها إلى مصر واليمن وليبيا وسوريا.
وفي تطور لافت، أفرجت المحكمة المغربية عن الامين العام لللحزب الحاكم سابقا، (التجمع الدستوري الديموقراطي) محمد الغرياني، بعد عامين من سجنه من دون اتخاذ اي حكم بحقه.