عادت البهجة إلى ميدان التحرير مع الليلة الأولى للاعتصام الداعي إلى إسقاط النظام. في الساعات الأولى من فجر أمس، كانت التجمعات تملأ الميدان؛ «الجو بيحلو بالليل» يقول رجل اصحطب عائلته إلى الميدان.
الخيام التي انتشرت في الميدان خلقت تجمعات أمامها في دوائر لتروي حكاياتها عن الظروف الصعبة التي تعيشها البلاد خلال عام من حكم الرئيس محمد مرسي؛ دائرة تجمع أسرتين تتحدثان عن ارتفاع الأسعار، وأخرى تتحدث عن علاقة الإخوان بأميركا، وثالثة يدور فيها خلاف حول من يخلف مرسي في الحكم؛ رأي يرى أن الجيش هو الجهة الوحيدة التي تمتلك القدرة على إدارة البلاد، ورأي آخر يرى أنه لا بد من أن يخرج الجيش من المعادلة السياسية.
النقاش كان ساخناً بين الجميع، بينما صوت الشيخ إمام يصدح بأغانيه الثورية، ويترك الجميع النقاش فجأة ويردّون على الشيخ عندما يسأل «مين اللي يقدر ساعة يحبس مصر؟»، بالهتاف «ولا حد»؛ هي نفس أجواء ثورة «25 يناير» الأولى. العشرات تجمعوا في حلقات يغنون ويمرحون كأنّهم في احتفال وليسوا في اعتصام. يقول مدحت لـ«الأخبار»: «العدد اللي نزل ده يؤكد أن الثورة مستمرة ومصر لن يحكمها فاشل أو ديكتاتور مرة أخرى».
الآلاف ظلوا يتوافدون إلى الميدان في وقت غادره آلاف آخرين. وفي ساعة متأخرة من الليل نظمت المئات من النساء الموجودات في الميدان مسيرة طافت جميع أرجاء الميدان للمطالبة برحيل مرسي، ورفعن أعلام مصر، وردّدن «الشعب يريد إسقاط النظام».
وكان مصطفى الجندي، عضو مجلس الشعب السابق، حاضر في الليلة الأولى. وقال إن نساء مصر خرجن ليعبّرن عن غضبهن ككل المصريين، مؤكّداً «لن نرحل حتى رحيل الإخوان، ولا شرعية لهم وسيرحلون». طائرة مروحية ظلت تطوف في سماء ميدان التحرير لرصد أجواء التظاهر حتى الصباح، بينما كان شباب الميدان يطلقون الشماريخ والألعاب النارية.
ومن المشاهد المبهجة في الليلة الأولى في الميدان، كانت تظاهرة شارك فيها المئات من «صعايدة مصر»، وبزيّهم الشعبي، «الجلباب والعمة»، طافوا ميدان التحرير وهم يهتفون بلهجتهم الصعيدية التي تقلب القاف إلى الجيم، «الشعب يريد إسقاط النظام»، و«يسقط يسقط حكم المرشد». ورفعوا لافتة كبيرة كتبوا عليها «أهل الصعيد... ارحل يا بتاع العشيرة مصر عليك كبيرة».
مع قرب انبثاق الفجر، لجأ المئات إلى الخيام المنتشرة في جميع أرجاء الميدان، بعدما شاركوا في تنظيفه، لأخذ قسط بسيط من النوم، قبل أن يعاودوا فعاليتهم عند الصباح.
عند السادسة صباحاً، أغلق المئات من المعتصمين مجمع التحرير الإداري، ومنعوا دخول الموظفين والمواطنين إليه، وعلّقوا لافتة كبيرة تفيد بأن المجمع مغلق بأمر من الثوار حتى إسقاط النظام. اللافت كان تعاطف عدد من الموظفين مع قرار الثوار، معلنين تضامنهم مع المتظاهرين. وشكل المعتصمون دروعاً بشرية أمام المجمع رافعين أعلام مصر، ومردّدين العديد من الهتافات المناهضة لجماعة الإخوان المسلمين، فيما انضم عدد من الموظفين إلى المعتصمين مردّدين «اصحَ يا مرسي وصح النوم النهاردة آخر يوم»، و«حا شي المرشد بيمشيه».
وعند الساعة العاشرة صباحاً، قام عدد من المعتصمين في ميدان التحرير بغلق جميع مداخل الميدان ومخارجه، ووضعوا الأسلاك الشائكة عند مداخله.