اسطنبول | يُحيي الشعب التركي غداً ذكرى الانتفاضة التي بدأت في ساحة تقسيم نهاية الشهر الماضي، في الوقت الذي تتجه فيه الأنظار الى ساحة التحرير، وباقي الساحات الرئيسية في مصر، حيث سيخرج شعبها للتعبير عن استنكارهم لسياسات الرئيس محمد مرسي، حالهم حال الشعب التركي الذي لم يعد يتحمل استبداد رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان، خصوصاً بعدما قتل الأمن خمسة متظاهرين وأصاب 8000 آخرين بجراح، واعتقل حوالي 2000 حتى الآن. علماً أن البعض من هؤلاء الشباب والمثقفين الذين خرجوا الى الشوارع، كانوا قد أيّدوا أردوغان وحزبه في بدايات تسلّمه للسلطة على اعتباره حركة ديموقراطية.
تحول هؤلاء الآن الى ألدّ أعداء أردوغان، بعدما تبين لهم أن الأمور لم ولن تكون كما رأوها أو قيل لهم من قبل أصدقائهم في العواصم الغربية. وهذا حال شباب الثورة في مصر، الذين اعتقدوا أنّ الديموقراطية في نهاية المطاف هي الذهاب الى صناديق الاقتراع، حتى لو أدت الى تسليم السلطة للإخوان بنسبة 30 و 40 في المئة، كما جرى في تركيا في انتخابات 2002، حين حصل أردوغان على 36 في المئة من أصوات الناخبين، ولكن 66 في المئة من مقاعد البرلمان كانت كافية بالنسبة له لتحقيق أهدافه السياسية في إحكام السيطرة على مرافق ومؤسسات الدولة التركية، خصوصاً بعدما زادت أصواته لاحقاً بسبب نجاحاته الاقتصادية، التي جاءت نتيجة الدعم المالي الأميركي والأوروبي والعالمي له ولحزبه، الذي أراد الغرب له أن يكون نموذجاً إسلامياً ديموقراطياً يستخدم لاحقاً في الربيع العربي.
كما لم يتردد أردوغان في خصخصة ما قيمته 200 مليار دولار من مرافق القطاع العام ليساعده ذلك في تحقيق بعض النجاحات الاقتصادية التي ساهمت في زيادة شعبيته الانتخابية، ما دام المواطن غير مبال بحقائق الاقتصاد التركي، حيث إن 65 في المئة من القطاع المصرفي والبورصة استثمارات مالية أجنبية، حالها حال عدد كبير من القطاعات الأخرى بعدما زاد عدد الشركات الأجنبية المستثمرة في تركيا على 20 ألف شركة.
وساعد كل ذلك أردوغان، وبدعم أميركي مباشر معلن وسري، في التخلص من أهم أعدائه، وهم الجنرالات، بعدما سيطر على البرلمان والقصر الجمهوري والمجلس الأعلى للتعليم العالي والمجلس الأعلى للإعلام وباقي مؤسـسات الدولة الأخرى. ولم يكتف بذلك، بل نجح من خلال الترهيب والإقناع، في السيطرة على عدد كبير من وسائل الإعلام التي كانت ضدّه، وتحول أصحابها الى أصدقاء له بفضل المشاريع والعقود التي حصلوا عليها من الدولة، وهو ما كان كافياً بالنسبة لهم لتحويل إذاعاتهم وتلفزيوناتهم وصحفهم الى أبواق للحكومة، التي لم يعد يتصدى لها الا عدد قليل وضعيف من وسائل الإعلام والإعلاميين المهددين دائماً بشكل مباشر وغير مباشر.
ويبدو أن الرئيس محمد مرسي يحاول الاستفادة من هذه الوسائل والطرق في حربه ضدّ وسائل الإعلام بعدما سيطر هو أيضاً على البعض منها، حاله بذلك حال أردوغان، الذي تربطه به روابط عقائدية إخوانية، بالإضافة الى الروابط التاريخية؛ فالسلطان سليم الذي فتح القاهرة في بداية 1517 بعد معركة الردانية، كان قد قاتل آنذاك المماليك وهم من أصل تركي. كما أن مؤسس مصر الجديدة هو محمد علي باشا ذو الأصل العثماني. ويعني ذلك أن عقلية مرسي لن تختلف عن عقلية أردوغان وقادة «العدالة والتنمية» في التعامل مع المعطيات والتطورات السياسية، حيث تتحدث وسائل الإعلام التركية باستمرار عن استضافة تركيا للمئات والآلاف من الكوادر الليبية والتونسية والفلسطينية والمصرية لتدريبها في جميع المجالات العسكرية والأمنية والاستخباراتية والاقتصادية والمالية والدبلوماسية والإعلامية، كي يعودوا الى بلادهم ويطبقوا التكتيكات والاستراتيجيات التي تعلموها في تركيا. والهدف منها هو السيطرة على الدولة وجميع مرافقها بأسرع ما يمكن، وقبل أن ينتبه الآخرون الى خطورة الإخوان في هذه الدول، وخصوصاً مصر على اعتبارها قلعة الإخوان.
ويبقى الرهان على عسكر مصر المعروفين بارتباطاتهم مع واشنطن، كما هي حال الجيش التركي، الذي قضى عليه أردوغان كي يتسنى لهم التفرغ للمعارضة السياسية، وهي ضعيفة بسبب خلافاتها الداخلية شأنها بذلك أيضاً شأن المعارضة المصرية، التي، وان نجحت في تحالفاتها غداً، ستشكل خطراً جدياً على الإخواني مرسي، ما قد يضطر واشنطن الى إعادة النظر في تحالفاتها معه بسبب الوضع الأقليمي، خاصة في سوريا وبعد التغييرات التي جرت في قطر وتلك المحتملة في السعودية، لا سيما بعدما شعر الغرب بخطورة التيار الإسلامي المتطرف، الذي استمد قوته من وصول الإسلاميين الإخوانيين الى السلطة في مصر وليبيا وتونس، وقبل ذلك تركيا، اللاعب الرئيسي في الملف السوري والواقع الإقليمي عموماً.
وهذا ما يفسر الرهان التركي المهم جداً على مستقبل الإخوان في مصر، لأن أردوغان يعرف جيداً أن سقوط مرسي ومعه التيار الإخواني الأم في مصر، يعني أن حسابات «العدالة والتنمية» الداخلية والخارجية ستسقط بدورها. وسيمنع ذلك أردوغان من تحويل تركيا الى دولة إسلامية استسلامية، كما سيمنعه من تحقيق حلمه الأكبر في أن يكون سلطاناً وخليفة للمسلمين بالتنسيق والتعاون مع المملوكي محمد مرسي، وإلا لما سمى الجسر الثالث على البوسفور بجسر السلطان سليم الذي حارب الصفويين الفرس في العام 1514، وقتل عشرات الآلاف من العلويين الأتراك ثم توجه الى سوريا ومنها الى مصر وتعني باللغة التركية الذرة.
وهذا ما يزيد من أهمية تظاهرات الأحد في مصر، لأنها لن تحدد مصير ومستقبل هذا البلد، بل المنطقة عموماً، خاصة أردوغان الذي لن يستطيع حينها أن يفعل ما فعله في الشعب التركي خلال تظاهرات تقسيم. وهنا على الشعب المصري أن يستخلص من تقسيم الدروس الوافية والكافية وقبل فوات الأوان. وبات واضحاً الآن أن مصير تركيا اصبح مرتبطاً بمصير شباب مصر ومثقفيها، وما عليهم الا دراسة التجربة التركية بشكل واقعي، ولكن بعقلية مصرية وعربية، وليس كما يحاول الغرب ومعهم أتباعهم في الجزيرة والعربية أن يصورها لهم بألوان زاهية وهي في الحقيقة بين الأسود والرمادي.



تواريخ للذكرى

في 30 حزيران قبل عام، فاز محمد مرسي بالانتخابات الرئاسية بإجمالي 51 في المئة من الأصوات، ليصبح أول رئيس مدني وإسلامي في تاريخ البلاد.
- 5 آب، قتل مسلحون 16 جندياً مصرياً على نقطة حدودية بين مصر وفلسطين المحتلة قبل عبور حدود الدولة العبرية.
- 12 آب، ألغى مرسي اعلاناً دستوريًا يمنح سلطات واسعة للمجلس العسكري، وأحال المشير حسين طنطاوي، وزير الدفاع السابق، الذي حكم البلاد بعد سقوط حسني مبارك في شباط 2011، على التقاعد.
-22 تشرين الأول، أصدر إعلاناً دستورياً يمنحه سلطات واسعة.
- 30 تشرين الثاني: الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور تقر مشروع الدستور بعد تصويت قاطعه ممثلو التيار المدني والكنيسة.
- 8 كانون الأول: ألغى مرسي الإعلان الدستوري، الذي يمنحه سلطات واسعة، لكنه أعلن عن استفتاء على الدستور، الذي صوت عليه الناخبون بنسبة 64 في المئة.
- 24 كانون الثاني من العام الحالي، اندلعت موجة جديدة من العنف بين المتظاهرين والشرطة، وقتل نحو 64 شخصاً معظمهم في بورسعيد.
2 حزيران الحالي، قضت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية مجلس الشورى. وقبل اسبوع، توافد عشرات الآلاف من الاسلاميين الى الشارع تأييداً لمرسي قبل تظاهرات مرتقبة للمعارضة. وبعدها بيومين يحذر وزير الدفاع الفريق من أن الجيش سيتدخل إذا حدث اقتتال داخلي.