هيلبرون: ها قد مضت 5 سنوات على تسلم إدارة (الرئيس باؤاك) أوباما السلطة، وأنت تقول إن الغرب يمارس «بروباغندا واسعة». هل يُجذب أوباما إلى سوريا لأنه أضعف من أن يقاوم الوضع الراهن؟ ما الذي حصل للرئيس أوباما الذي جلبنا إلى هنا؟
بريجنسكي: لا يمكنني الاستفاضة في التحليل النفسي أو المراجعات التاريخية. من الواضح أنه يواجه مشكلةً صعبةً ويوجد جانب غامض لكلّ ذلك. ما عليكم إلا النظر إلى التوقيت. في نهاية 2011 زادت التحركات في سوريا وغذتها دولتان أوتوقراطيتان معروفتان في الشرق الأوسط: قطر والسعودية.

أعلن فجأة انّه على (الرئيس بشار) الأسد التنحي، بدون أي استعدادات حقيقية لتحقيق ذلك. وفي ربيع 2012، حلّت سنة الانتخابات، وتشير صحيفة «نيويورك تايمز» في مقال نشر في 24 آذار من ذلك العام إلى أن وكالة الاستخبارات المركزية (سي أي إي) بقيادة الجنرال بيترايوس بدأت تبذل جهوداً كبيرةً لمساعدة القطريين والسعوديين وربطهم بطريقة ما مع الأتراك. هل كان ذلك موقفاً استراتجياً؟

لماذا قررنا فجأة أنه يجب زعزعة استقرار سوريا وإطاحة حكومتها؟ هل تم شرح ذلك للأميركيين؟ في نهاية عام 2012، على الأخص بعد الانتخابات، بات تيار الصراع يجري بعكس الثوار. وبات من الواضح أن ليس كلّ أولئك الثوار «ديمقراطيين». وبدأت مراجعة كلّ السياسة. أعتقد أنه يتعين توضيح هذه الأمور لنكوّن فهماً أكثر اطلاعاً حول ما كانت تهدف إليه السياسة الأميركية بالتحديد.

هيلبرون: هل نشهد بالفعل سلسلةً متأخرةً من ردّات الفعل؟ كان حلم المحافظين الجدد حين دخلوا العراق، خلق نوع من تأثير الدومينو في الشرق الأوسط، حيث نطيح نظاماً وراء آخر. هل ما يجري هو في الواقع تحقيق مروّع لذلك الطموح؟

بريجنسكي: صحيح، قد يكون هذا الوضع هنا. يأملون أن تعوّض سوريا نوعاً ما عما حصل في العراق. ولكن يجب أن نتذكر أنه في هذه الحالة بالذات، الوضع الإقليمي بمجمله منفلت أكثر ممّا كان حين غزوا العراق، وربما وجهات نظرهم متأثرة أيضاً بالفكرة التي يتحدث عنها بعض اليمينيين في إسرائيل، والتي تقول إن طموحات إسرائيل الاستراتيجية تُخدم بشكل أفضل في حال كان استقرار الدول المجاورة متزعزعاً. ولكنني أعتقد أن هذه الصيغة ستشكل كارثة على المدى البعيد لإسرائيل لأن نتائجها، إذا حصلت، ستكون القضاء على النفوذ الأميركي في المنطقة، ما سيترك إسرائيل وحدها. ولا أعتقد أن ذلك جيد لإسرائيل. وبما أنني أنظر إلى المشاكل من وجهة نظر تتعلق بالمصالح الوطنية الأميركية، لا أجد أن الأمر جيد جداً بالنسبة لنا أيضاً.

هيلبرون: تحدثت في مقابلة، أعتقد أنها كانت مع قناة «أم أس أن بي سي» عن احتمالات إقامة مؤتمر دولي. هل تعتقد أن هذه المقاربة لا تزال قابلةً للحياة، هل يجب على أميركا أن تدفع بإلحاح أكبر لحثّ الصين وروسيا ودول أخرى للتوصل إلى نوع من النهاية السلمية لهذه الحرب الأهلية؟

بريجنسكي: أعتقد أننا إذا قاربنا المسألة مع الروس وحدهم ــ وأرى أنه يجب فعل ذلك لأنهم متورطون جزئياً ــ أو بالاعتماد بشكل أساسي على القوى الاستعمارية القديمة في المنطقة: فرنسا وبريطانيا، المكروهتين فعلاً هناك، فإن احتمالات النجاح ليست عالية بقدر ما إذا تواصلنا بشكل ما مع الصين والهند واليابان التي لها مصلحة في أن يكون الشرق الاوسط مستقراً. ويتصل ذلك نوعاً ما بالنقطة السابقة التي أثرتها. قد تساعد تلك الدول معاً على التوصل إلى تسوية حيث لا يكون أي طرف رابحاً، بشكل علني على الأقل، ولكن قد تضم شيئاً كنت أقترحه بعبارات أخرى منذ أكثر من عام، أي بالأساس إجراء انتخابات تحظى بنوع من الرعاية الدولية في سوريا، حيث يمكن لأي شخص أن يترشح، ما يحفظ ماء الوجه للأسد ولكن مع التوصل إلى تدبير بحيث ينهي الرئيس ولايته العام المقبل بدون أن يترشح مجدداً.

هيلبرون: ما مدى انزلاق هذا المنحدر؟ من الواضح أن أوباما لم يكن متحمساً تجاه تزويد المعارضة بالسلاح، وترك الإعلان عن ذلك إلى (نائب مستشار الأمن القومي) بن ردوس. ما مدى انزلاق هذا المنحدر؟ هل تعتقد أننا نتجه نحو تدخل أميركي أوسع؟

بريجنسكي: أخشى أننا نتجه نحو تدخل أميركي غير فعّال، ما يعتبر أسوأ. توجد ظروف لا يكون فيها التدخل الخيار الأنسب بدون أن يكون الأسوأ أيضاً. ولكن ما تتحدث عنه هو تعزيز مساعداتنا للقوات المناهضة للأسد الأقل فاعلية. لذا في أفضل الأحوال، يضرّ الأمر بصدقيتنا وفي أسوئها، يسرّع انتصار جماعات تكنّ لنا العداء أكثر بكثير ممّا فعل الأسد يوماً. ما زلت لا أفهم لماذا، وأشير إلى سؤالي الأول، لماذا كان القرار بين 2011 و2012، والتي صادفت أنها سنة انتخابات، بأن على الأسد الرحيل؟

هيلبرون: إجابتك عن إسرائيل كانت مذهلةً. في رأيك، إن واجهت المنطقة اضطرابات أكبر مع تراجع النفوذ الأميركي، ستجد إسرائيل فرصةً لتعزيز مكاسبها، أو حتى اتخاذ مواقف أكثر جذرية في حال حصول انهيار في الأردن؟

بريجنسكي: فهمت قصدك. أعتقد أنه على المدى القصير سيخلق «قلعة إسرائيلية» أكبر لأن أحداً لن يقف في طريقها. ولكن ذلك سيكون أولاً حمّام دم (بطرق تختلف مع اختلاف الاشخاص) يكبّد إسرائيل خسائر مهمة أيضاً. لكن اليمينيين سيشعرون بأن ذلك ضروري للبقاء.
وعلى المدى البعيد، سيظهر أنه لا يمكن التحكم بمنطقة عدائية كهذه حتى إن كان لدى إسرائيل السلاح النووي. فسيلحق ذلك بإسرائيل ما ألحقته بنا الحروب التي خضناها ولكن على مستوى أكبر. ستستنزفها وتتعبها وترهقها وتحبط معنوياتها وتدفع بأفضل ممّن لديها إلى الهجرة، ما يؤدي إلى كارثة لا يمكن التنبؤ بها في هذه المرحلة لأننا لا نعرف من سيكون لديه ماذا في حينها. كما أن إيران في الجوار وربما تمتلك قدرات نووية. وإن قلنا إن إسرائيل ستضربها، ماذا عن باكستان وغيرها؟ إن التحكم بمنطقة كاملة من قبل دولة مهما كانت قوية ولديها حوافز، ولكن لا تضم إلا 6 ملايين نسمة هو مجرد حلم لا أكثر.

هيلبرون: سؤالي الأخير إن كنت تستطيع الحديث في هذا الموضوع. أنت الآن نوعاً ما على ضفة معارضة. يبدو أن الصوت المسيطر بين المفكرين وفي وسائل الإعلام هو الصقر الليبرالي/ المحافظ الجديد من خلال دعوة أخلاقية إلى التحرك باتجاه سوريا قائمة على العواطف. لمَ تعتقد أنه حتى ما بعد كارثة حرب العراق، لا يزال الجدال حول السياسة الخارجية مائلاً في هذا الاتجاه بأميركا؟

بريجنسكي: أعتقد أنك تعرف الجواب عن هذا السؤال أكثر منّي، ولكن من وجهة نظري: إن هذه الدولة طيبة ولديها حوافز جيدة. تقودها نيات طيبة ولكنها دولة لديها فهم بسيط جداً للشؤون العالمية ولا تزال تثق بشكل كبير بقدرة أميركا على السيطرة، وإن كان ذلك بالقوة في حال الضرورة. أعتقد أنه في وضع معقّد، الحلول البسيطة التي يقدمها أشخاص ديماغوجيون أو أذكياء بما يكفي لتقديم نصيحتهم على أجزاء متفرقة، هو أمر قد يقنع الناس. لنفترض أن بعض الأسلحة الإضافية من هذا النوع أو ذاك ستحقق ما يريدونه، أي النصر لقضية صائبة، بدون فهم أن التعقيدات المخبأة ستغرقنا أكثر فأكثر، سنتورط في حرب إقليمية واسعة، ما يعني أن المنطقة ستكنّ لنا عداءً أكبر ممّا يفعل العرب الآن، ما سيشكل كارثةً بالنسبة إلينا.
ولكن هذه ليست وجهة النظر التي يقدر أن يفهما الأميركي الذي لا يقرأ كثيراً عن الشؤون العالمية. هذه دولة لديها مشاعر طيبة ولكن القليل من المعرفة عن شؤون العالم.


(ترجمة هنادي مزبودي )
عن «ذا ناشونال إنترست»