القاهرة | من البديل؟ هو السؤال الذي تطرحه جماعة «الإخوان» المسلمين حالياً للداعين إلى إسقاط الرئيس محمد مرسي في 30 حزيران الجاري؛ هو بالضبط التساؤل نفسه الذي كان يصدره الرئيس المخلوع حسني مبارك، والذي قال جملته الشهيره قبل أن يرحل عن منصبه «أنا أو الفوضى». وللغرابة هي الجملة نفسها التي يصدرها أعضاء جماعة الإخوان حالياً، والتي تسعى إلى نشر قواعدها في كل شارع وقرية ومدينة ومحافظة مصرية.
لكن يبدو أنّ القوى السياسية تعلّمت درس 11 شباط عندما تخلى مبارك عن منصبه وكلّف القوات المسلّحة بإدارة شؤون البلاد، فعاشت مصر مرحلة انتقالية وصفها سياسيون كثر بأنّها أسوأ مرحلة في تاريخ المحروسة.
يوم أول من أمس، دشنت الحركات السياسية، مبادرة «بعد الرحيل»، فاستضافت خلال مؤتمر عُقد على مدار يومين، خبراء ومتخصصين في كل المجالات، وضعوا أوراقاً في ملفات الاقتصاد والأمن القومي والتعامل مع سيناء، ومستقبل نهر النيل، بعد الإعلان الإثيوبي عن بناء سدّ «النهضة»، لإدارة المرحلة الانتقالية لما بعد مرسي. كذلك وضعوا تصورات للشكل الدستوري والتشريعي لتلك المرحلة.
وشارك في الجلسة الافتتاحية رئيس حزب الدستور محمد البرادعي، ومؤسس التيار الشعبي حمدين صباحي، وعدد كبير من قادة المعارضة. وطالب البرادعي في كلمته مرسي بتقديم استقالته «من أجل مصر، تمهيداً لبدء مرحلة جديدة». وقال إنّ النظام الذي أقامته جماعة الإخوان المسلمين شق مصر، وأعادها إلى العصور الوسطى، فيما أعلن صباحي أن الشعب المصري لن يعود إلى بيته في ٣٠ حزيران قبل رحيل مرسي. وشدد على أن «خروجنا هو ضدّ الإخوان وليس ضد الإسلام». وقال إنّ الجميع سيخضع في تظاهرات «30 يونيو» لقيادة حركة «تمرّد» صاحبة الفضل في الدعوة إلى إسقاط مرسي ونظامه.
منظّموا المؤتمر أرادوا إيصال رسالة واضحة الى الشعب المصري، مفادها أن «هناك بديلاً حقيقياً لنظام الإخوان الحالي» إذا سقط. الأهم حسب قادة أحزاب مصرية، تحدثوا إلى «الأخبار»، أن يكون لدى القوى السياسية بديل تطرحه لإدارة المرحلة الانتقالية الجديدة التي قد تحدث بخلو منصب رئيس الجمهورية.
وقال المتحدث باسم «التيار الشعبي»، حسام مؤنس، إنّه لا بد من الاتفاق أولاً على ضرورة توافق القوى السياسية والشعبية على سيناريو واحد لإدارة المرحلة الانتقالية في حال سقوط مرسي، أياً يكن شكل هذا السيناريو، فيما قال عضو الهيئة العليا في حزب «المصريين الأحرار» والقيادي في جبهة الإنقاذ الوطني محمود العلايلي، إن الأهم الآن ليس التصور نفسه، بل أن يكون هناك إصرار من كل القوى السياسية على أن يتفقوا على تصور معين.
وأوضح أمين العمل الجماهيري في حزب «الدستور» وأحد واضعي مبادرة «بعد الرحيل»، أحمد عيد، أن أغلب القوى السياسية اتفقت على تولي رئيس المحكمة الدستورية، بصفته، مهمات رئيس الجمهورية خلال مرحلة انتقالية، شرط أن يكون منصبه «شرفياً بروتوكولياً»، وأن تمنح كامل الصلاحيات لحكومة تؤلَّف من التكنوقراط وتترأسها شخصية وطنية تحظى باحترام القوى السياسية، وتحظى بقبول شعبي. وتكون مهمة الحكومة العمل على إنقاذ ملفي الأمن والاقتصاد خلال المرحلة الانتقالية، وأن يجري تشكيل لجنة جديدة لكتابة دستور جديد للبلاد، وإعداد قانون للانتخابات الرئاسية والانتخابات البرلمانية.
وهذا السيناريو الذي يطرحه أحمد عيد هو تقريباً نفسه الذي وضعته اللجنة التنسيقية لتظاهرات 30 يونيو، وطالبت جميع القوى السياسية بالتوافق عليه.
«ما بعد الرحيل» له جانب قانوني أيضاً؛ فما يرفعه أغلب المتظاهرين هو مطالبة الرئيس بالدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكرة. ووفقاً لقانونيين، فإن هذا يمنح الحق للرئيس في أن يختار من يخلفه كما فعل مبارك عبر نقل صلاحياته إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة. وفي هذا السياق، يقول نائب رئيس مجلس الدولة، المستشار محمود زكي، لـ«الأخبار»، إنّ هناك أكثر من سيناريو في حالة خلوّ منصب رئيس الجمهورية؛ الأول إذا كان التخلي قانونياً ووفقاً للدستور الحالي في مادته 153، يتولى رئيس مجلس النواب المنصب، ولأنه غير قائم الآن تنقل المهمات إلى رئيس مجلس الشورى، يتولاها حالياً أحمد فهمي، أحد قادة جماعة الإخوان المسلمين.
ورغم أن المحكمة الدستورية قضت ببطلان الشورى، تركت أثراً بأن يتم العمل به حتى انتخاب مجلس نواب جديد، وهذا الأثر ممتد لو خلا منصب الرئيس، وعليه تنقل السلطة إلى رئيس مجلس الشورى. أما السيناريو الثاني، فيكون في حال حكم مجلس الدولة في القضايا المعروضة أمامه ببطلان تشكيل الجمعية التأسيسية وبطلان الاستفتاء على الدستور، وهذا الحكم يعني بطلان المادة التي تحدد المواد من يتولى منصب الرئيس في حالة خلو المنصب، بحسب زكي.
وأضاف الخبير القانوني «هذا عن الوضع القانوني، لكن على أرض الواقع هناك احتمالان آخران؛ الأول أن يستجيب الرئيس لمطالب المعارضة ويعلن انتخابات رئاسية مبكرة، وفي هذه المرحلة إما أن ينقل سلطاته إلى رئيس مجلس الشورى أو إلى مجلس انتقالي، وفي الحالة الأخيرة يعني إعلان الرئيس إسقاط الدستور الحالي. أما الاحتمال الثاني، أن يجبر الرئيس على ترك منصبه، «وفي هذه الحالة من استطاع إجباره على الرحيل هو من يحدد من يدير تلك المرحلة الانتقالية حتى إجراء انتخابات رئاسية جديدة».
رأي دستوري آخر يسوقه أستاذ القانون الدستوري في جامعة الأزهر داود الباز، الذي يرى في حديث إلى «الأخبار» أنه في حالة خلو منصب رئيس الجمهورية باستقاله الرئيس تنقل السلطات إلى رئيس الوزراء على اعتباره نائباً لرئيس الجمهورية، وخاصة أن المحكمة الدستورية العليا حكمت بأن تشكيل مجلس الشورى الحالي غير دستوري، لافتاً إلى أن تولي رئيس المحكمة الدستورية مهمات رئيس الجمهورية هي مسألة بروتوكولية وليست دستورية، مشدداً على أن هذا الطرح يكون في حالة تخلي الرئيس عن منصبه بإرادته، أما في حالة ترك منصبه تحت ضغط شعبي، فيمكن تشكيل مجلس رئاسي أو يكون رئيس المحكمة الدستورية أو أي شخص يختاره الثوار رئيساً، وعندها يكون الدستور ساقطاً مع رئيس الجمهورية، وبالتالي لا يعتمد عليه.