سيناء | أثار مقتل النقيب محمد أبو شقرة، الضابط في قوة مكافحة الإرهاب الدولي، في مدينة العريش قبل أسبوعين، زوبعة من الاتهامات والتحليلات التي لم تهدأ؛ فبيان وزارة الداخلية قد أعلن فور مقتله أنه كان في ملاحقة لعناصر خطرة، في حين أكدت مصادر «الأخبار» في مديرية أمن شمال سيناء، أن أبا شقرة كان قد انتُدب حديثاً إلى محافظة شمال سيناء بعد حادثة خطف الجنود في شهر أيار الماضي، وأن زملاءه من الضباط لم يكونوا يعرفون بوجوده، حيث كان في مهمة سرية. ورغم الهالة التي أحاطت بمصرعه، إلا أن المصادر ترجح مقتله لأسباب جنائية لا سياسية. وكما كان متوقعاً، استثمرت وزارة الداخلية الحادثة في غسل سمعتها، وأقامت جنازة رسمية مهيبة للضابط، ملوّحة بتضحية «أبناء الوزارة» في سبيل الواجب الوطني والحفاظ على أمن المواطنين.
وهو خطاب العلاقات العامة المعروف، الذي ترافقه الآن أصوات تتوجه باللائمة إلى الرئيس الإخواني محمد مرسي، متهمةً إياه إما بالتقصير أو بالمسؤولية عما يراه المعارضون إطلاق سراح لأعضاء الجماعات المتشددة بالعفو الرئاسي.
علماً أنّ مصدراً رفيعاً بمديرية أمن شمال سيناء أكد لـ«الأخبار»، أنّ ساعات طوالاً قد مرّت عليهم دون حسم لصيغة التقرير المبدئي الذي أرسلوه لوزير الداخلية عشية مقتله؛ فلم يكونوا قد استقروا هل قُتل زميلهم بصفته الأمنية من قبل متربصين به، أم قتلته عصابة سطو مسلح استولت على سيارة الدفع الرباعي التي كان يستقلها؟
ومما يرجح السيناريو الجنائي أن أبا شقرة لم يخدم من قبل في سيناء، وأنه لم يسبق أن عمل في أجهزة تحقيق بل كانت مهماته عملياتية، فيستبعد أن يعرفه أيٌ من أعضاء الجماعات المسلّحة في سيناء.
غير أن كل الاحتمالات واردة، بحسب نشطاء سيناويين محليين. وحتى لو كان الظاهر من الحادث الشّبهة الجنائية، فإنّ بعض الآراء تراه مجرد إخراج جنائي لعملية تصفية، اذ إن الصراع الداخلي بين الأجهزة الأمنية المصرية في سيناء قد وصل لدرجة من الكوميديا السوداء قبل الثورة، حيث كان ينتقم ضباط أمن الدولة من رافضي التعاون معهم من البدو المتعاونين مع المخابرات العسكرية بتلفيق قضايا مخدرات. لذلك لا يستبعد أن يكون الإيقاع بضابط الشرطة قد تم من قبل من يعرف بوجوده وبوصف السيارة التي كان يركبها، وأنه إمعاناً في التمويه تم الاستيلاء على السيارة لتبدو وكأنها عملية سطو مسلّح جنائية لا سياسية.
وجاء تداول شريط مصور للضابط يظهر فيه كمرافق أمني لنائب المرشد العام لجماعة «الإخوان المسلمين» خيرت الشاطر، ليجعل القضية أكثر غموضاً.
الشريط سجلته كاميرات «الإخوان» في إحدى قرى محافظة الدقهلية في الدلتا، مسقط رأس خيرت الشاطر، في شهر أيار العام 2009.
الجريمة أشعلت أيضاً فضاء التواصل الإلكتروني، حيث دار جدل من زاوية أخرى، ما بين رافض ومؤيد لإطلاق لقب «شهيد» على قتلى الشرطة، وما بين داعٍ إلى فصل إجرام وزارة الداخلية في حق الشعب المصري عموماً وأهل سيناء خصوصاً، عن التضامن مع أحد الضباط الذين لم تتلوث سمعتهم بالتعذيب أو انتهاكات حقوق الإنسان، وبين أصحاب القول بعدم التفرقة بين المستويين المؤسسي والشخصي كونها هيئة نظامية يشترك كل أفرادها في تحمل تبعات سياساتها طالما ارتضوا الاستمرار في العمل بها.
وفي هذا السياق، يعلق كريم عنّارة، الباحث الحقوقي، على الالتباس بين عقاب الشرطة العشوائي للأفراد بسبب خطأ شخص آخر منتم للجماعة ذاتها، أو حتى إيقاع العقاب الجماعي بسبب خطأ فردي من عضو جماعة معينة، وبين التعميم في استهداف رجال الشرطة بالقتل أو التصفية الانتقامية.
وبحسب عنّارة، فإن استباحة أعضاء الجماعات المسلحة النظامية أو الميليشيات على حد سواء مقبول في الصراعات المسلحة وهو ما يختلف عن إنزال العقوبة الجماعية على مجموعة مدنية لها قواسم مشتركة بسبب خطأ أحد أفرادها أو حتى أحد رموزها وقادته. ورغم أن طرفي الصراع في سيناء، في ظاهره، هما الدولة ومجموعات توصم بأنها خارجة على القانون، إلا أن تعميم هذه الصفة أمر يحتاج إلى تدقيق ومراجعة.
بدوره، يشير شيخ مجاهدي سيناء في حرب التحرير (1967 – 1973) وأحد مشايخ قبيلة السواركة، حسن خلف، الى أن انتهاكات الشرطة التي طالت البسطاء من البدو قبل الثورة في منطقة الشيخ زويد ورفح وصلت لدرجة تلفيق قضايا مقاومة السلطات لرجال حاولوا منع القوات المقتحمة منازلهم من هتك حرمات غرف نوم نسائهم، مما أثار الاحتقان والرغبة في الثأر بالأخص لدى من اعتدي على نسائه في بيوتهن أو في مقار الاعتقال.
وهنا يؤكد كريم عنارة على المفارقة بين افتراض أن الشرطة ذات شرعية لتطبيق القوانين على الخارجين عنه وبين كونها لا تلتزم ذاتياً حتى بالقوانين التي تحكم الحروب والنزاعات المسلحة، وأن ممارساتها التي شملت احتجاز أقارب المطلوبين كرهائن، وتعذيب النساء والأطفال، وتوسيع دائرة الاشتباه لتضم آلاف المعتقلين، هي التي تستوجب المعالجة وتطبيق العدالة الانتقالية لتفادي تكرار حوادث استهداف ضباط الشرطة.
وقد أتى مقتل ضابط مكافحة الإرهاب الدولي مع تنامي الاتهامات الإعلامية الموجهة لحركة «حماس»، بأنها مسؤولة عن اختطاف ثلاثة من ضباط الشرطة وفرد برتبة أمين شرطة منذ أيام الثورة الأولى واحتجازهم في قطاع غزة.
وهو الاتهام الذي وجهته علانية زوجة أحدهم في لقاءات تلفزيونية ظهرت فيها قبل أسابيع، ووقعت مشادة بينها وبين موسى أبو مرزوق، القيادي في الحركة، على الهواء. في حين أن الرواية السائدة في سيناء هي الثأر الشخصي من الضباط على يد جنائيين استهدفوهم بالاختطاف والقتل، وقد فشلت جهود «قصاصي الأثر» المتعاونين مع السلطات في تتبع أثر الضباط مما يرجح مقتلهم ودفنهم داخل
سيناء.