غزّة | شتّتتهم ظروف ماضيهم وحاضرهم الحالكة من نكبات متلاحقة، فتناثر وجودهم وامتد أنينهم بقدر امتداد العالم، الى أن ضرب قرار «التمرّد» عقولهم جراء واقعهم الأكثر مرارةً من العلقم. المتمرّدون هم القائمون على حملة «يا فلسطيني تمرّد»، الذين لا تربط بينهم منطقة جغرافية محددة. موزّعون على الشتات وفلسطين المحتلة بكل أجزائها، حيث تشرّبوا كل أسباب التمرّد، فأصرّوا على أن يصنعوا التغيير، بعدما شعروا بمدى «استخفاف حكومتي الضفة وغزة بكرامة الشعب الفلسطيني»، على حد تعبيرهم.
هؤلاء المتمرّدون يطلقون اليوم حملتهم على موقع التواصل الاجتماعي، ويعلنون عن برنامج لجمع توقيعات من الفلسطينيين المنتشرين في أرجاء المعمورة في وقت لاحق، تهدف الى نزع الشرعية عن السلطة الفلسطينية، قبل أن تنتقل على أرض الواقع، عبر تنظيم فعاليات «متمرّدة»، كي تزرع بذور ثورة الفلسطينيين أينما حلّوا.
تقول إحدى المتمردات، صفاء سرور، لـ«الأخبار»: «إن كلتا الحكومتين في الضفة الغربية وقطاع غزة مارستا بحق الشعب الفلسطيني ممارساتٍ أشبه بممارسات الأنظمة العربية القمعية، ما دفعنا إلى أخذ زمام المبادرة وإطلاق انتفاضتنا للتمرد على كل المعوقات السياسية الحائلة دون مواجهة الاحتلال حتى دحره».
إن الحدود والحواجز الجغرافية الفاصلة بين فلسطينيي الداخل والشتات أعاقت تجمّع المتمردين في بقعة معينة للاتفاق على آليات التمرّد ونقل شرارته من العالم الافتراضي إلى الشارع، فلم يجدوا حلاً أمامهم سوى مواقع التواصل الاجتماعي لتنفيذ ورشة عمل حملتهم، حيث أسسوا غرفة سرّية على «الفيسبوك» أشبه بغرفة عمليات ميدانية تعمل على مدار الساعة، ليتبادلوا من خلالها الأحاديث والأطروحات والاقتراحات لإنجاح «التمرّد».
ينوي هؤلاء الشباب فرض الإرادة الشعبية على كل فرد أو فصيل يدّعي تمثيل الشعب الفلسطيني، لإيمانهم بأن لا حل لهذه القضية إلا بالتمرد على الواقع المرتهن للتخاذل الفصائلي. يقول فاروق عرار، أحد الشباب المتمردين، لـ«الأخبار»: «لسنا معنيين بحصر التمرد داخل حدود فلسطين المحتلة؛ فالتمرد سيطال كل فلسطيني مهما أبعدته المسافات والظروف القسرية عن وطنه، ولن يكون حالة موسمية يهدأ تارة وتشتعل جذوته تارة أخرى».
تطمح الحملة، بحسب عرار، إلى إسقاط الانقسام وإعادة الوعي للفلسطيني بحقه التاريخي وواجبه النضالي لكنس الاحتلال من أرضه، وإسقاط ما تدّعيه السلطة الفلسطينية، المتّبعة نهج أوسلو، من شرعية، من خلال جمع الكم الأكبر من الأصوات الفلسطينية الرافضة لنهجها، كما تسعى إلى توسيع دائرة التحرك الميداني بعيداً عن الفعل الحزبي والتنظيري المكتفي بالوقفات الاحتجاجية أمام السفارات والهيئات.
تحرر هذه الحملة نفسها من حيز السرية، اليوم، كي تدخل الى كل بيت فلسطيني وتزيد رقعة التمرد والثورة، عبر فتح الصفحة الرسمية للحملة على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، ونشر البيان الأول لانطلاقتها وشعارها وأهدافها.
ويرى عرار أن الحملة الإلكترونية ستخاطب الفئة المثقفة نوعاً ما، بينما ستحقق مرحلة النزول الفعلي إلى الميدان حلم مخاطبة وتحريك الشارع الفلسطيني، من خلال استمارة التمرد، التي سيتم طرحها في التجمعات الفلسطينية كافةً في الداخل والشتات، للبدء بتنفيذ محاكمات عادلة لكل من تورّط في خيانة الشعب الفلسطيني، على أن يتم اعتبار أوراق الاستمارة أدلةً على نزع الشرعية من السلطة الفلسطينية.
وتطرح استمارة التمرّد عدداً من البنود غير الممثِّلة للشعب الفلسطيني، وأهمها توطين اللاجئين وانتهاك الثوابت الوطنية والتطبيع مع الاحتلال وتكريس الانقسام وزرع الأحقاد الفلسطينية. وبعد أن يحقق الحشد الإلكتروني ما يصبو إليه، سينفجر بركان الغضب على الأرض بتنظيم الفعاليات والاعتصامات بذات التوقيت والشعارات واللافتات في كل بقعة يوجد فيها الفلسطيني.
وأوضح المتمردون لـ«الأخبار» خصوصية كل منطقة داخل حدود فلسطين أو خارجها في مسيراتها واعتصاماتها المتوقع إشعالها أولاً في الأردن وأراضي 48 المحتلة، للمطالبة بإعادة ترميم منظمة التحرير الفلسطينية، بما يتوافق مع الثوابت التاريخية.
ويرجع إلى الذهن عند الخوض بتفاصيل حملة «يا فلسطيني تمرّد»، الأمل المتجذر بنفوس المصريين بإسقاط حكم الرئيس محمد مرسي في الثلاثين من الشهر الجاري، تحت عنوان «تمرد». مع ذلك، يوضح المتمردون لـ«الأخبار» أن تشابه عنواني الحملتين المصرية والفلسطينية لم يكن متعمّداً، ولم يكن بهدف استنساخ التجربة المصرية وإسقاطها على الوضع الفلسطيني الراهن، وإن تطابقت آليات ووسائل التمرد في الحالتين.
ويبدي عرار ورفاقه المتمردون تفاؤلهم الشديد من نجاح «يا فلسطيني تمرّد» بكسرها حاجزي الصمت والخوف، وإرغام القيادة السياسية على الرضوخ لمطالبهم، دون حصر أنفسهم بسقف زمني أو حدود جغرافية معينة، فما يميز حملتهم أنها ستخترق كل الحدود وتناهض جميع القيود، بمشاركة شخصيات نخبوية
ولا تزال عينا فلسطين المحتلة تشخصان نحو هؤلاء المتمردين، مترقِبتَين قرع طبول التمرد اليوم، ليصنع الشعب مصيره بيده بعيداً عن قياداته التي حطّمت كثيراً من أحلامه.