على بساطته المعتادة لم يقبل أبو غادي، سائق سيارة الأجرة العامل على خط بيروت ــ دمشق، تقاضي أجرته من ركابه بالليرة السورية، «يمكن بس نوصل لبيروت، يكون الدولار صار بـ300 ليرة، والليرة السورية صارت بالأراضي، بتعطوني الأجرة يا بالدولار أو بالليرة اللبنانية»، يقول. تلخّص عبارة أبو غادي المرحلة المتردية وغير المسبوقة، التي يعيشها الاقتصاد السوري، كردة فعل طبيعية على ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي مقابل الليرة السورية. مجمل التعاملات التجارية وحتى سعر المواد الغذائية والاستهلاكية البسيطة ارتفعت بشكل جنوني. سعر صرف الليرة الذي بقي يتأرجح أمام سعر صرف الدولار لمدة طويلة، وصل إلى أرقام غير مسبوقة، بعد أن تجاوز عتبة الـ200 ليرة في الأيام الماضية.
سرعان ما انتقلت تداعيات أزمة الدولار إلى الأوساط اللبنانية، وإن كانت محدودة التأثير على بعض المناطق، لكن نحو مليون ونصف مليون لاجئ سوري موزعين على مختلف المدن والمحافظات اللبنانية، لا تزال تعاملاتهم المالية تأتيهم من داخل الأراضي السوري، عبر أقرباء أو معارف يعبرون الحدود، حاملين معهم مبالغ مالية، أو عبر شركات تحويل الأموال التي نشطت تعاملاتها بشكل كبير جداً، مع ازدياد عدد الحوالات المالية من سوريا إلى آلاف العائلات اللاجئة. صدمة كبيرة لازمت اللاجئين السوريين على أبواب شركات الصيرفة وتحويل الأموال في بيروت، بعدما أدركوا حجم تدهور عملتهم السريع، وهم «يعيشون» على مبالغ مالية متواضعة. يحاول نزار (45 عاماً) البحث عن أفضل سعر ممكن لدى محال الصيرفة في بيروت، لتحويل بضعة آلاف من الليرات السورية التي وصلته مؤخراً من عائلته التي لا تزال تقيم في دمشق. «فقدت الليرة سورية ثلث قيمتها مقابل الدولار في زمن قياسي لم يتجاوز الأسبوع. العديد من أصحاب المحال رفضوا صرف المبلغ الذي أحمله إلى الليرة اللبنانية. سقى الله أيام زمان عندما كانت الليرة اللبنانية محل سخرية وتهكم في زيارتنا إلى لبنان»، يروي لـ«الأخبار».
حركة النقل والسفر لا تزال مستمرة بين طرفي الحدود اللبنانية السورية، ووجد أصحاب سيارات النقل ضالتهم في نقل الحاجيات والأغراض الشخصية، والمبالغ المالية إلى زبائنهم الذين اعتادوا وصول هذه الاغراض في الوقت المحدد كل أسبوع. بعض السائقين تخصّص في تسيير أرواق الهجرة وجوازات السفر لدى السفارات الأجنبية في بيروت، بعد حصوله على تفويض خطي قانوني من صاحب العلاقة. كل هذه التعاملات تنجز لقاء مبلغ مالي معين، يختلف من سائق لآخر، أو حسب نوعية الخدمة المقدمة للزبون. قبل أسبوع واحد فقط، لم يكن معظم السائقين يهتمون بنوعية العملة التي يدفعها الزبون، لكن اليوم يفضّل الدفع بالليرة اللبنانية أو بالدولار الأميركي.
حكايات كثيرة، تمتزج فيها السخرية مع الغصة والحسرة، تلخص مجملها المفارقات التي يعيشها السوريون أمام انهيار عملتهم المتسارع. محمد أبو بلال، وصل إلى بيروت لقضاء بضعة أيام، في انتظار موعد سفره للحاق عائلته في السعودية، «ربما هي من المرات القليلة التي أندم فيها على طبيعة التراخي والإهمال التي تميّز شخصيتي. الجميع نصحني بتحويل جميع ما أملكه من العملة السورية إلى الدولار، منذ لحظة وصولي الأولى إلى بيروت. ثلاثة أيام فقط كانت كافية لتفقد الآلاف السورية القليلة التي أملكها حوالى ربع قيمتها أمام الدولار».