اللاذقية | جولةٌ صغيرة داخل المدينة الرياضية قرب شاطئ اللاذقية كافية للتعريف بأوضاع النازحين من المناطق الداخلية إلى الساحل السوري. فالمنشأة التي تأسست عام 1987 كأكبر مدينة رياضية على حوض المتوسط واستقبلت وخرّجت أشهر الرياضيين، تحوّلت اليوم إلى مسكن من لا مسكن له جرّاء الحرب السورية.
أقيمت خيَم عدة يقطنها عدد من الأسَر الحلبية، بينما سكنت بقية العائلات داخل مباني المدينة الرياضية. يلعب الأطفال داخل الملاعب التي لطالما احتضنت فعاليات وتدريبات للرياضيين وأبناء اللاذقية ممن اعتادوا ممارسة رياضاتهم الصباحية والمسائية. لم تعد مدينة «الأسد» الرياضية اليوم مكاناً لممارسة الرياضة، كالتنس والسباحة وكرة القدم والسلة. ولم يعد أبناء اللاذقية إلى التفكير في دخولها من جديد لهذا الغرض.
أبو محمد الحلبي، أب لـِ5 أطفال وصاحب متجر صغير في حلب، يقول لـ«الأخبار»: «هربنا من الموت لنستقبل الشك. من الصعب إثبات الوطنية هُنا إن كان لك أقارب ينتمون إلى الجيش الحُر. الولاء مطلق في الساحل للجيش السوري... والتذمر من غلاء الأسعار على أشدّه». ويتابع الرجل: «ليست الحياة هُنا بهذه السهولة، لكنها أفضل بكثير من الحياة خارج البلاد ضمن مخيمات للاجئين».
وحسب ما يقول النازحون، فإن عدداً من الشباب المتطوعين يدخلون مدينة الأسد الرياضية لمساعدتهم على تأمين احتياجاتهم رغم الاختلاف في الخلفيات السياسية المختلفة. يأتي المتطوعون، عادةً، بما يحتاج إليه النازحون من سلل غذائية وأدوية ومواد تنظيف، فيتحلّق الأطفال حولهم. وتصطف النساء ضمن دور ينظّمه الشباب المتطوعون أنفسهم، وينتهي الأمر مرات بإشكال. إحدى النازحات تتذمر قائلة: «إنهم يذلوننا». كلمتان تستفزان أحد المتطوعين، فيقول: «لا شيء يجبرنا على العمل. نحن لا نتقاضى أجراً. كلّ ما نقوم به إنما نفعله اقتناعاً منّا بضرورة التخفيف عن إخواننا الذين تركوا بيوتهم ولجأوا إلى مدينتنا».
متطوعون آخرون يجدون أن عملهم مع النازحين يذهب هباءً، حيث يؤمن، برأيهم، بعض المقيمين في المدينة الرياضية بأن الجيش الحُر سيأتي لإنقاذهم في الساحل، من دون أن يدري المتطوعون «ممّا سينقذهم».
الوجوه الغريبة هي السائدة في شوارع اللاذقية، حيث ازدادت ظاهرة أطفال الشوارع. يروي كريم، طفل في السادسة من العمر: «قتلوا أبي بالرصاص. كان مع المجاهدين في حلب. وأنا أبيع العلكة الآن لأطعم إخوتي». يهرب الطفل سريعاً، فيما يبدو طفلٌ آخر يبيع بعض المناديل الورقية والحليب، في ظل ما أشيع عن بيع النازحين للمساعدات التي تقدمها المنظمات الإغاثية، وهو ما أصبح من مآخذ أهل المدينة عليهم. يتساءل يزن، طالب في كلية الهندسة: «في حين يموت شباب الساحل السوري دفاعاً عن بقية المحافظات، تأتي عائلات من محافظات أُخرى للإقامة بيننا، فيما يجلس شبّانها للاستجمام على شاطئ البحر تاركين مدنهم للمسلحين، أو يحارب بعضهم ضد الجيش السوري في تلك المدن». كلام يخالفه طارق، طالب في كلية الطب، إذ يرى أن من المعيب مكافأة أهالي حلب، على الأقل، التي صمدت أكثر من سنة أمام أبشع حملة استفزاز مورست عليها، بالحديث عنها بهذه الطريقة».
غربة مزدوجة يعيشها قاطنو اللاذقية اليوم، حيث لا يرتاح أبناء المدينة الأصليين بالازدحام الذي تشهده أحياؤها، كما يعاني ضيوفها من ثقل الضيافة والشوق إلى منازلهم ومدنهم واستغلال التجار لوجودهم لرفع الإيجارات والأسعار، فتأثر حتى من يمتلك المال لاستئجار شقق على البحر، بسبب انخفاض مستوى دخله وقرب نفاد مدّخراته المالية. أمرٌ يهدد جميع السوريين على اختلاف شرائحهم ومذاهبهم في ظل تردي اقتصاد البلاد.