القاهرة | تصعيد نوعي، ذو نكهة مذهبية، ضد نظام الرئيس بشار الأسد وحلفائه الإقليميين والدوليين، تحتضنه القاهرة على مدى ثلاثة أيام في فاعليات مختلفة، بات يكشف عن اصطفاف إسلامي في العالم العربي، خاصة في أعقاب معركة القصير التي كان النصر فيها حليفا لدمشق وحزب الله، بما جعل التيارات الإسلامية تستشعر الخطر في المواجهة المحتدمة بين «الجيش الحر» وحلفائه وفصائله، وبين الأسد وحلفائه ورجاله.
والحديث يجري عن مؤتمر «موقف علماء الأمة من أحداث سوريا»، الذي عقد أمس في القاهرة ويعد أولى الفاعليات التي تضم معها مؤتمراً حاشداً وندوات للشيخ يوسف القرضاوي ومحمد العريفي في مسجد عمرو بن العاص، أكبر مساجد العاصمة المصرية، على أن تختتم بمؤتمر جماهيري يحضره رئيس الجمهورية المصري محمد مرسي، في قاعة المؤتمرات الكبرى،
تحليل أولي لمضمون البيان الختامي لمؤتمر يوم أمس يكشف عن أن الفكرة الرئيسة التي أراد أن يمررها الموقعون عليه هي أنّ ما يجري الآن من محور الأسد وحلفائه هو أمر «طائفي»، فتلك المفردة واشتقاقاتها تكررت ما يقرب من 10 مرات في مواضع مختلفة، مع الإعلان عن حرب اقتصادية،على إيران وحزب الله، في مقابل غزل سياسي لتركيا وقطر، ومطالبة بالتوقف عن وصف أي فصيل داخل الثوار السوريين بأنه «إرهابي» في محاولة لعدم خسارة جهود «جبهة النصرة» في المعارك المقبلة.
أما مجموع الفاعليات التي تقود التحضير لها تيارات إسلامية، فيشير إلى أن خطاب مرسي المرتقب يوم غد السبت قد يعني تحولا في الموقف المصري، تجاه الأزمة السورية، إما بشكل تكتيكي لاستمالة التيارات الإسلامية ناحية الرئاسة وجماعة الإخوان للتأكيد أنها من تحافظ على قضايا الأمة، وإما يكون الموقف استراتيجياً بفعل الضغط الشعبي الذي ازداد غضبه بعد دخول حزب الله المعركة بشكل واضح، وتراجع شعبيته في الشارع المصري، بحيث أصبح الدفاع أو السكوت عليه حسماً من الرصيد السياسي للرئيس «الإسلامي».
وجاء البيان الختامي الذي وقعه 107 من علماء وشيوخ مسلمين، شديد اللهجة ضد نظام الأسد وحلفائه الإقليميين مثل حزب الله وإيران، والدوليين مثل روسيا والصين. واعتبروا فيه أن «ما يجري في أرض الشام من عدوان سافر من النظام الإيراني وحزب الله وحلفائهم الطائفيين على أهلنا في سوريا يُعد حربا معلنة على الإسلام والمسلمين عامة»، مطالبين «بدعوة الشعوب الإسلامية إلى مقاطعة البضائع والشركات والمصالح الإيرانية انتصارا لدماء الشعب السوري المظلوم».
وشدد المشاركون على وجوب «الجهاد في سوريا بالنفس والمال والسلاح وكل أنواع الجهاد والنصرة وما من شأنه إنقاذ الشعب السوري من قبضة القتل والإجرام للنظام الطائفي، ووجوب العمل على وحدة المسلمين عموماً في مواجهة هذه الجرائم واتخاذ الموقف الحازم الذي ينقذ الأمة وتبرأ به أمام الله الذمة كل حسب استطاعته».
وشدد الموقعون، في المؤتمر الذي شارك فيه أكثر من 70 جمعية ورابطة إسلامية، رسمية وغير رسمية، منها الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين ورابطة أهل السنة ورابطة علماء الشام وجماعة الإخوان المسلمين، وعدد من الشخصيات الإسلامية العامة المستقلة، على «وجوب انسحاب الضباط والجنود في جيش النظام من جبهات القتال ضد الشعب، والانضمام للقتال في صفوف شعبهم ضد النظام الطائفي المجرم».
وأشاد الحاضرون بموقف كل من تركيا و قطر، مطالبين «حكومات العرب والمسلمين ومجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي بالوقوف الموقف الحازم ضد النظام وسرعة إغاثة الشعب السوري وثواره بكل ما يحتاجون إليه من عتاد وسلاح لصد عدوان النظام الظالم وحلفائه ووقفه، وكذا قطع التعامل مع الدول المساندة له كروسيا والصين وإيران وغيرها، وقبول تمثيل سفراء للثوار السوريين والشعب السوري».
وحمّل الموقعون مجلس الأمن وهيئات الأمم المتحدة «مسؤولياتهم الدولية والإنسانية بإدانة وتجريم وإيقاف ما يحدث في سوريا وإيضاح أن عدم مؤاخذة النظام الطائفي بجرائمه والسعي في محاكمته ومحاكمة حلفائه من حزب الله والنظام الإيراني وغيرهم يجعل قيم وقوانين تلك الهيئات في نظر عموم المسلمين ذات مكاييل متعددة بحسب ما تقتضيه مصالح الدول الكبرى لا بما تقتضيه العدالة الإنسانية ومصالح وحقوق الإنسان».
واستنكر الحاضرون «تصنيف واتهام بعض فصائل الثورة السورية بالإرهاب في الوقت الذي يُغض الطرف فيه عن الجرائم الإنسانية للنظام السوري وحلفائه»، مناشدين كافة الأطراف «بترك الفرقة والاختلاف والتنازع بين المسلمين عموماً وبين الثوار والمجاهدين في سوريا خصوصاً وضرورة رجوعهم جميعاً عند التنازع إلى الكتاب والسنة والتسليم لحكمهما، وتغليب جانب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، والحرص على الألفة والاتفاق، وتوحيد الجهود نحو العدو وحفظ القوة والغلبة والبعد عن الفشل بترك التفرق والاختلاف».
ودعا موقعو البيان «قادة الفكر والرأي والسياسة والمؤسسات الإعلامية والأدبية إلى تبنّي القضية السورية على الصعد كافة، وتعريف المسلمين بحقيقة ما يجري وما يتعرض له الشعب السوري من القهر والعذاب والنكال والقتل والتشريد». هذا مع «السعي الحثيث من كل منظمات ومؤسسات العمل الخيري والإنساني لنجدة وإغاثة المنكوبين واللاجئين والمشردين السوريين عن ديارهم وأوطانهم، وتقديم المال والعلاج والغذاء وما يكفل لهم العيش والحياة بكرامة».
واختتموا المؤتمر «بتشكيل لجنة خاصة منبثقة من هذا المؤتمر لزيارة قيادات الدول والعمل على متابعة مقررات وتوصيات المؤتمر والسعي إلى تحقيقها».
حضر مؤتمر «موقف علماء الأمة من أحداث سوريا» في القاهرة عدد من المشايخ والدعاة أبرزهم:
رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يوسف القرضاوي، ومفتي مصر علي جمعة، وزعيم حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي.
ومن ليبيا حضر المفتي صادق الغرياني وعلي الصلابي. ومن اليمن عبد المجيد الزنداني، ومن سوريا محمود الميرة، ومن السعودية عوض القرني وسلمان فهد العودة وناصر بن سليمان العمر وعبد العزيز بن فوزان الفوزان.
وحضر محمد أحمد الصالح من الكويت، ومحمد عثمان صالح من السودان.
ومن مصر محمد حسان، وأبو إسحاق الحويني.
ومن لبنان عضو هيئة علماء المسلمين أحمد العمري، ومفتي جبل لبنان محمد علي الجوزو والشيخ حسن قاطرجي.