عكست التحذيرات والتهديدات المتتالية التي وجهها المسؤولون الإسرائيليون، قدراً من القلق يسيطر على القيادة السياسية والعسكرية في تل أبيب، إزاء الخيارات العملانية الواجب اتخاذها، في ضوء الرسائل التي وجهها الرئيس السوري بشار الأسد حول جدية خيار المقاومة في الجولان، وصعوبة تقدير ردّ فعل الطرف الروسي. مواقف الأسد، التي حرص على تكرارها في أكثر من مناسبة، وضعت إسرائيل بين خيارات مرتفعة المخاطر، تحرص تل أبيب على تجنبها في المرحلة الحالية. فإمّا التراجع والامتناع عن تكرار اعتدائها، تجنباً لفتح جبهة الجولان، وبالتالي انكسار المعادلة التي تحاول فرضها أو تكرار ضرباتها العسكرية، مع إدراكها هذه المرة أن خطوة كهذه ستقرب المسافة الزمنية من فتح الجبهة أمام المقاومة، وهو ما سيضع الطرف الإسرائيلي أمام تحدٍّ من نوع آخر.
القلق الإسرائيلي انعكس في كلام رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي أكد أمام لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، بالقول إن «سوريا اتخذت قراراً بأن تنقل إلى حزب الله سلاحاً متطوراً وفتاكاً... وهو ما سيغير موازين القوى أمامنا لدرجة تغيير النظرية الأمنية لدينا». وشدّد على أن «إسرائيل ستفعل كل شيء كي تمنع نقل مثل هذا السلاح». وحول ذلك، رأى المعلق العسكري في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أليكس فيشمان، أنّ نتنياهو أراد من تهديده «التحدث إلى الرئيس بوتين»، مشيراً إلى أن «تهديدات الأسد بإشعال الجولان تقلق إسرائيل بالفعل، ولكن ما يقض مضاجع القيادة الأمنية والسياسية في الآونة الأخيرة السلوك الروسي بشكل أساسي».
ورأى فيشمان أن الروس يتصرفون في سوريا «كالمهووس باشعال النار»، ويحطمون عن عمد «خطوطاً حمراء» وضعتها إسرائيل أمام سوريا، ويمسون بمصالح إسرائيلية واضحة، ولا يهمهم الآثار المترتبة على ذلك. ويلفت فيشمان إلى أنهم في إسرائيل «يحاولون أن يفهموا ما الذي يعده الروس، وإلى أي مدى سيصلون، والأضرار التي ستلحق بنا». وأضاف المعلق العسكري: «ليس صدفة أنّ نتنياهو أجرى أخيراً ما لا يقل عن محادثتين مع الرئيس بوتين»، لافتاً إلى أنّ «الروس يواصلون نقل العتاد العسكري الثقيل إلى سوريا، مع علمهم بأن هذا السلاح سيتسرب إلى الخارج».
في المقابل، يرى فيشمان أنّ الشكاوى التي توجهها إسرائيل لا تلقى أصداءً في موسكو، مفسراً ذلك بأن «الدب الروسي يشتم رائحة ضعف، وخلف إسرائيل تقف الولايات المتحدة التي لا يؤمن الروس بجدية تهديداتها: لا في المسألة الإيرانية ولا في المسألة السورية». ورأى أيضاً أن اقتراح بوتين إرسال 400 جندي إلى الجولان، بدلاً من الجنود النمسويين المغادرين، تعبير عن ثقته بنفسه، محذراً من أنّ الأسد أصيب بعدوى الغرور الروسي.
إلى ذلك، رأى المعلق العسكري في صحيفة «هآرتس»، عاموس هرئيل، أنهم في الجيش كانوا يقولون منذ سنوات إن كل سلاح يصل إلى سوريا سيأخذ طريقه عاجلاً أو آجلاً إلى حزب الله. في ضوء ذلك، بات بالإمكان التقدير أنّ محاولات نقل أسلحة أخرى إلى حزب الله ستستمر في الأشهر المقبلة. ويرى هرئيل أن هذه الفرضية هي السبب الذي يقف وراء السلسلة الطويلة من التحذيرات من أن إسرائيل ستعمل على إحباط تهريب سلاح نوعي إلى لبنان.
وأضاف أنّ «الهجمات الإسرائيلية السابقة اعتمدت على تقدير استخباري مفاده أن الأسد سيضبط نفسه»، إلا أن من الصعب «التنبؤ الآن بخطواته التالية». ويرى هرئيل أنّه «في وقت ما خلال الأشهر القريبة سيعرض رجال الاستخبارات على المجلس الوزاري المصغر في جلسة ليلية دراماتيكية، بحسب سيناريو مُتخيل، معلومات جديدة مقلقة وصلت اليهم عن شحنة أسلحة متطورة جديدة... وأخطر من ذلك، سيقول الخبراء إن المعلومة موقتة وسيّالة، فإذا لم نبادر ونضرب الآن فلن نعلم أين سيخفي حزب الله الصواريخ في لبنان بعد ذلك. ومن المهم منع تغيير المعادلة العسكرية في الشمال بواسطة سلاح يكسر التعادل». ويضيف هرئيل أنّه «إذا اتخذ الوزراء قراراً بالضربة ستواجه إسرائيل حرباً قريبة جداً مع سوريا وحزب الله».