لم يؤد الاجتماع الأممي - الأميركي - الروسي في جنيف، قبل أيام، إلى نتائج حاسمة حول ترتيب ملف عقد مؤتمر «جنيف ٢». ولكن خلال هذا الاجتماع الذي جرى على وقع انجاز الجيش السوري في القصير، طُرحت تصورات الأفرقاء بشأن شكل طاولة المؤتمر، وجدول أعماله والبيان المفترض أن يصدر عنه، إضافة إلى موقعه في مسار مراحل حل الأزمة السورية.
«الأخبار» حصلت على وقائع من نقاشاته الداخلية، وعلى وثائق عن الصيغ التي طرحت داخل الاجتماع، وكان أبرزها ورقة المفاهيم التي طرحها الجانب الروسي، بالإضافة إلى «شروط فرنسا»، التي اعتبرت توافرها أمراً ضرورياً لضمان عقد المؤتمر.

ورقة المفاهيم الروسية

عرضت روسيا في الاجتماع تصوراً متكاملاً لأطر المؤتمر وآلياته، ركّز على عنوانين اثنين أساسيين، أولهما شكل طاولة الحوار، بمعنى الجهات والدول التي ستجلس حولها. وبخصوص هذه النقطة جاء في ورقة التصور الروسية بندان اثنان، هما:
ــ يعقد المؤتمر برئاسة الأمم المتحدة ورعاية كل من الولايات المتحدة وروسيا.
ــ يحضر المؤتمر بالإضافة إلى الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، الأمناء العامون للاتحاد الأوروبي، والجامعة العربية، ومنظمة المؤتمر الاسلامي والمبعوث العربي والدولي الأخضر الإبراهيمي والدول الإقليمية: مصر، الأردن، لبنان، العراق، تركيا، إيران والسعودية.
العنوان الثاني في ورقة المفاهيم الروسية يتضمن بنوداً عن شكل التمثيل السوري الرسمي والمعارض في المؤتمر، وأيضاً عن الأفكار الرئيسة لبيانه الختامي. وجاء في ذلك:
ــ تتمثل الأطراف السورية بالحكومة من جهة، والمجموعات المعارضة المؤيدة للحل السياسي للأزمة من جهة أخرى.
ــ يصدر بيان مشترك عن المؤتمر يلتزم الآتي:
1ــ الحل السياسي في سوريا وحقن الدماء، ويدعو الدول التي تسلح الإرهاب إلى التوقف عن ذلك.
2ــ اطلاق مسار تفاوضي توصلاً إلى تشكيل حكومة انتقالية متفق عليها دون التطرق إلى صلاحياتها في هذه المرحلة.
3ــ تنبثق مجموعات عمل فرعية من المؤتمر تعنى بتسهيل الاستقرار السياسي والأمني، وتسهيل الحوار الشامل بين كافة الأطياف السورية وتطوير المجتمع المدني، وتسهيل دخول المساعدات الانسانية، وإعادة انتظام الوضعين المالي والاقتصادي المتضررين من النزاع وتسهيل عودة النازحين.

شروط باريس

بدا واضحاً، بحسب مصدر دبلوماسي، واكب النقاشات الجانبية في اجتماع جنيف، أنّ باريس، ومعها لحدّ معيّن بريطانيا، لديها مقارباتها الخاصة بصيرورة عقده وما يجب أن تكون عليه نتائجه. وباريس، وفقاً للمصدر عينه، تركت انطباعاً خلال اجتماع جنيف أنها تؤيد المؤتمر شفهياً، بينما في أعماق قرارها، ما زالت تحاول التأثير في المعادلات على أرض الميدان من طريق تزويد المعارضة بإمكانات لجعلها أقدر على التفاوض. وخلال الاجتماع عرضت تصورها الذي يقوم على «طلبها الملحّ لإيضاح ثلاثة أمور»، معتبرة أنّه لا يمكن عقد المؤتمر من دون تقديم إجابات شافية عنها:
ــ الأمر الأول؛ تحديد الإطار: أي هوية الدول المشاركة. ويبرز هذا البند تشديداً على استثناء إيران.
ــ الأمر الثاني؛ ماهية تكوين الوفد المعارض. وضمن هذا البند تجادل باريس في أن انضاج تشكيلة وفد المعارضة يتطلب وقتاً، في إشارة إلى أنها غير راضية عن رؤية موسكو له ولا عن الرؤية الأميركية التي تريد حصره بالائتلاف، بعد ضمّ العسكريين إليه، ما يضمن مقعداً للواء المنشق سليم إدريس.
ــ الأمر الثالث؛ معالجة موضوع مصير (الرئيس بشار) الأسد، وتحديداً تعيين الآليات التي بموجبها سيحصل انتقال السلطة إلى حكومة مرحلية كاملة الصلاحيات وذلك وفق منطق «جنيف ١».
ويظهر جلياً التباين بين التصورين الروسي والفرنسي في قضايا مهمة، أبرزها مطالبة موسكو بعدم نقاش طبيعة صلاحيات الحكومة الانتقالية الآن، في مقابل إصرار باريس على ضرورة تحديدها. إضافة إلى الفارق بين النظرتين على هوية وفد المعارضة، ففيما روسيا تحددها بالقوى المؤيدة للحل السياسي، تسعى فرنسا، ومعها بريطانيا، إلى استقطاع وقت إضافي لمصلحة البحث في تشكيله. والمقصود بذلك محاولة تصحيح الخلل الميداني المستجد لمصلحة النظام، بحيث تعوَّض هزائم القصير وحلب بانتصارات معينة للمعارضة المسلحة يمكن تسييلها في إنتاج وفد معارض يضم قوى يوجد لباريس نفوذ عليها، مثل «كتائب الفاروق» التابعة لآل طلاس المتصلين بعلاقة مع فرنسا.
ومن وجهة نظر باريس، أرخت نتائج معركة القصير بظلالها على أعمال اجتماع جنيف التمهيدي، وجعلت الجانب الفرنسي أقل قدرة على المناورة، ذلك أن فرنسا استثمرت إمكانات كبيرة في بناء الحيثية العسكرية للمعارضة في ريف حمص الآيل للانهيار بيد النظام السوري، وسيصبح الموقف الفرنسي أكثر صعوبة مع السقوط المتوقع لبلدة الرستن (ريف حمص) المنقادة حالياً من قوى مسلحة لديها صلة بالعميد مناف طلاس ووالده العماد مصطفى المقيمين في باريس.
وفي إطار بحثها عن أوراق تعويضية تحسن شروطها التفاوضية على جبهة الإعداد لعقد «جنيف ٢»، يلجأ وزير الخارجية الفرنسية لوران فابيوس إلى إشهار ورقة السلاح الكيميائي. وقبل أيام التقى فابيوس، بناءً على طلبه، رئيس بعثة التقصي التابعة للأمم المتحدة حول استخدام الأسلحة الكيميائية، وأودعه باسم فرنسا نتائج التحليل الذي قامت به باريس لعينات بحوزتها، والتي تؤكد استخدام غاز السارين في المعارك الدائرة، وذلك «بشكل متكرر وفي أماكن محددة».
لكن فابيوس، أكد أنّ «هذا المسار الهادف لمعاقبة النظام ليس على حساب عقد مؤتمر جنيف ٢ بين الأطراف السورية». ويوحي هذا الإعلان أن باريس في مرحلة تجميع أوراق تفيدها في إحراج كل من موسكو وواشنطن اللتين تعملان على تهميش دورها في حل الأزمة السورية. ولقد كشف مدير الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الخارجية الفرنسية، جان فرانسوا جيرو، المشارك النشط في معظم فعاليات اجتماعات «أصدقاء الشعب السوري»، جوهر الفكرة التي تحرك استراتيجية باريس تجاه التفاوض على عقد «جنيف ٢»، وقوامها، مقاومة تهميشها، عبر الإصرار على عدم القبول بصدور بيان فضفاض عن المؤتمر، يؤدي إلى زيادة الغموض، ولا يثبت قراءة دول «أصدقاء الشعب السوري» لبيان «جنيف ١».