رفع المسار الجديد الذي تشهده المواجهات في سوريا، واعلان النمسا انسحابها من قوة الأمم المتحدة في هضبة الجولان، من مستوى القلق الإسرائيلي. ودفعت التطورات الميدانية المتلاحقة في سوريا جيش الاحتلال إلى اتخاذ بعض الإجراءات العملانية تحسباً لأي حدث مفاجئ. فعلى المستوى السياسي، أعربت وزارة الخارجية عن أسفها لقرار النمسا سحب قواتها من القوات الدولية (الاندوف)، وتمنت أيضاً «ألا يؤدي ذلك إلى تصعيد إضافي في المنطقة». ودعت وزارة الخارجية الإسرائيلية الأمم المتحدة إلى «تأكيد بقاء قوة مراقبة فك الاشتباك» في الجولان.
وبهدف تسريع تأمين بدائل عن قوات النمسا، بدأت إسرائيل، عبر مندوبها لدى الأمم المتحدة، اتصالات مكثفة مع مندوبي الدول الكبرى ومع مكتب الأمين العام للمنظمة الدولية، بان كي مون.
وبحسب صحيفة «هآرتس»، فإن الرسالة التي نقلتها إسرائيل إلى بان، تشير إلى أن الحدث الحالي اختبار لصدقية قوات حفظ السلام. ونقلت الصحيفة عن مصدر في وزارة الخارجية قوله إنّ مستشاري بان، أكدوا أمام دبلوماسيين إسرائيليين في نيويورك أنه ينوي على نحو شخصي معالجة القضية وإيجاد دول توافق على ارسال جنود كي يحلوا بدلاً من الجنود النمساويين.
وفي ردّ على إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استعداد بلاده لإرسال قوات سلام إلى مرتفعات الجولان، لتحلّ مكان القوات النمساوية، قال المتحدث باسم الأمم المتحدة، مارتن نسيركي، إنه «لا يمكن نشر قوات حفظ سلام روسية في الجولان»، لأن روسيا عضو دائم في مجلس الأمن.
من جهة ثانية، أعلن متحدث باسم جيش الاحتلال أن اسرائيل «تراقب عن كثب ما يحصل هناك، ونحن مستعدون لكل الاحتمالات»، معرباً عن أمله بألا يصل النزاع إلى إسرائيل. ووصف المتحدث الوضع بالمقلق، لكون إسرائيل تقف بين جهتين «مقاتلون جهاديون وإسلاميون، ومن جهة أخرى قوات حكومية حليفة لحزب الله... الذي لا نريده على جبهتين».
وفي ما يتعلق بالمخاطر التي ترى إسرائيل أن منسوبها بات أكثر ارتفاعاً من المرحلة السابقة، ذكرت مصادر عسكرية أن ما يقلق الجيش إمكان وقوع عمليات أسر على الحدود الشمالية مع سوريا، على غرار عمليات خطف الجنود الدوليين في آذار الماضي.
وكشفت تقارير اعلامية إسرائيلية عن أنّ قيادة الجيش تبدي خشية خاصة من انعكاس التطورات الأمنية في سوريا على وضع الجنود الإسرائيليين في الجولان، مشيرة إلى أنّ شعبة العمليات في الجيش، طلبت من الوحدات المنتشرة على طول الحدود التأكد الدوري من حالة التأهب والاستعداد لدى الوحدات العسكرية في الجولان، واتخاذ خطوات واجراءات دفاعية مشابهة لتلك المتبعة على الحدود اللبنانية.
وكان الجيش الإسرائيلي قد أعلن، أمس، استنفاره على الحدود، بعد إعلانه أن دبابات ومدرعات سورية دخلت إلى المنطقة المنزوعة السلاح في الجولان، حيث شهدت المنطقة اشتباكات عنيفة بين الجيش ومسلحي المعارضة عند معبر القنيطرة، بعدما سيطر المسلحون لساعات عليه قبل أن يستعيد الجيش السيطرة منهم.
ضمن هذا الاطار، قرّر قائد المنطقة الشمالية، اللواء يائير غولان، اعتبار المنطقة القريبة من الحدود منطقة عسكرية مغلقة، كما قرر الجيش رفع مستوى الاستعدادات في المنطقة.
في هذه الأجواء، نقلت تقارير إعلامية إسرائيلية عن الاستخبارات العسكرية تقديرها أنه من غير المتوقع أن يفقد الرئيس السوري بشار الأسد سلطته، في الفترة القريبة على الأقل، مشيرة إلى أنّ التطورات الأخيرة في القنيطرة والقصير تؤكد صحة هذا التقدير. التطورات الأخيرة على الساحة السورية، ألقت بظلالها أيضاً على المعلقين السياسيين والعسكريين، إذ تخوف المعلق العسكري في «هآرتس» عاموس هرئيل، من أن يدفع الانتصار الذي حققه الجيش السوري في القصير، الرئيس السوري إلى الرد على إسرائيل إذا ما نفذت تهديدها وهاجمت قوافل تنقل وسائل قتالية متطورة إلى حزب الله.
وأضاف هرئيل أنّ لمشاركة حزب الله في القتال في سوريا آثاراً ايجابية وسلبية على حد سواء؛ فمن جهة، يفقد حزب الله مقاتلين له في تلك المعارك، لكن من ناحية مقابلة يكسب مقاتلوه خبرة قتالية هامة تتعلق بقتال مُركّب في المدن، يمكنه أن يستخدمها أيضاً في الصراع ضد إسرائيل.
ورأى هرئيل أن هناك تطورات مفاجئة تنظر اليها إسرائيل بايجابية وتتمثل في خروج حركة حماس من معسكر إيران وسوريا وحزب الله. أما المعلق السياسي في صحيفة «إسرائيل اليوم»، يوآف ليمور، فحذر من أن سرعة التطورات في الشمال، والتهديد الكامن فيها، يمكن أن يفرضا على إسرائيل أن تتخذ قراراً حاسماً في الفترة القريبة. أما المعلق الأمني في صحيفة «معاريف»، عمير ربابورت، فرأى أنهم في الاستخبارات العسكرية يميلون إلى الاستعانة بعلماء نفس من أجل تحليل ما يجري في الشرق الأوسط، مشيراً إلى أن التطور الأكثر إقلاقاً لإسرائيل، ليس هزيمة المتمردين في القصير، بل الضعف التي تظهره واشنطن في سياستها الخارجية.