جمال سليمان*
حسماً للجدل الذي أثير على مواقع إلكترونية ومحطات فضائية حول اختياري عضواً في الائتلاف السوري المعارض، فإنني أود أن أوضح حقيقة ما جرى وموقفي من هذه الخطوة من خلال السطور التالية. في الآونة الأخيره، تصاعدت من هنا وهناك انتقادات حادة للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة حول دوره وفعاليته وحقيقة قوته التمثيلية.

وفي ضوء ما آلت إليه الأوضاع المفجعة في الوطن السوري، ودنوّ استحقاق «جنيف 2»، الذي يجري الدفع باتجاهه في سبيل الدخول في حل سياسي ينقذ ما تبقى من وطننا، ويوفر مزيداً من سفك الدماء، برزت الحاجة إلى توسيع هذا الائتلاف بضمّ طيف أوسع من المعارضة السورية، التي تؤمن بحتمية زوال نظام الاستبداد والفساد القائم، وبناء سوريا الديموقراطية، وتؤمن بأنّ الأساس في هذا المسعى هو العمل السياسي، وترفع القدرة التمثيلية للائتلاف بإشراك طيف سوري واسع، حتى لا يُحتكر قرار هذا التكتل المعارض من قبل جهة سياسية واحدة، يكون لها الأكثرية في عدد المقاعد وهي فعلياً لا تمثل إلا جزءاً من الشارع السوري. ولتحقيق ذلك رُشّحت قائمة من 25 شخصية تمثل انتماءات ومشارب وطنية مختلفة، وكنت واحداً من هذه القائمة، إلا أنّ الائتلاف في الجولة الأولى من التصويت لم يقبل إلا قائمة صغيرة مؤلفة من ثماني شخصيات كنت بينهم، لكنّ ذلك لم يكن هو الغاية المنشودة، فعدد كهذا لن يتمكن من إحداث التغيير المنشود، لذلك تريثت في إعلان القبول، ولا سيما أنّ باب التفاوض والنقاش كان لا يزال مفتوحاً، وكان هناك رغبة حقيقية لجهات مختلفة في توسعة الائتلاف تمارس ضغوطاً حثيثة من أجل ذلك، أثمرت قرار توسعة لم يكن مطابقاً لما أردنا، لكنه حل وسط أرضى الأطراف المختلفة على نحو نسبي. وليس سراً أن ضغوطاً دولية قد مورست في سبيل ذلك، وهو أمر مؤسف كنا نتمنى أن لا نحتاج إليه كسوريين معنيين بخلاص وطنهم وتحقيق مطالب شعبهم.
وإنني أُقدم على هذه الخطوة، وأنا أعرف تمام المعرفة أن شعبية الائتلاف قد انخفضت إلى حدها الأدنى في الآونة الأخيرة، بسبب أدائه غير المقنع بالنسبة إلى الشارع المعارض، لكنني في المقابل أدرك أن التغيير الحاصل في المناخ الإقليمي والدولي، والرغبة في إيجاد حل سياسي للقضية السورية، يجعلان لهذا الائتلاف، وهو الهيئة المعارضة الوحيدة التي يعترف بها المجتمع الدولي حتى الآن ممثلاً شرعياً للشعب السوري الثائر، وظيفة وطنية متمثلة في خوض غمار الحوارالسياسي، وإيجاد منفذ ينقذ البلد من الدمار اليومي، ويحقق طموح ثورة السوريين في دولة المواطنة والقانون. وهذا الأمر مشروط بمدى نجاح مهمته في التمثيل الأوسع لأطياف المعارضة السورية، وقدرته على ضبط هذا التخبط السياسي والفوضى العسكرية، ولا سيما أن الصراع المسلح قد تجاوز الحدود، وأصبح مصدر قلق دولي وإقليمي متأخر. وتبقى الثورة السورية تحتاج إلى واجهة سياسية تمثلها، على أن تحظى هذه الواجهة باحترام الشارع السوري أولاً، والمجتمع الدولي ثانياً.
كثير من الأخوة والأخوات الذين انضموا إلى الائتلاف أخيراً يحملون نفس الهم، ويشرفني العمل معهم لأني أثق بانتمائهم الوطني وحرصهم على مستقبل سوريا. معاً سنعمل في الحقل السياسي وسنبحث عن كل فرصة ممكنة كي تنتصر سوريا على الاستبداد بشكله القائم، أو بأشكاله البديلة إذا سقط النظام وعمت الفوضى. فلا استبداد باسم الممانعة، ولا استبداد باسم الدين. وبالتالي لا بدّ من التنويه هنا بأنني أعتبر كل التصريحات السابقة التي أطلقها معارضون من الائتلاف بشأن عدم مشاركة الائتلاف في مؤتمر «جنيف 2» مجرد آراء تمثل أصحابها، ولا تمثل الائتلاف، لأن قراره لا يصدر إلا بموافقة غالبية أعضائه. ونحن كأعضاء في الائتلاف لم نخض بعد أي نقاش بخصوص هذا الموضوع، ولم نتخذ أي قرار حتى الآن. ولو أني أرى أن الذهاب إلى جنيف استحقاق تاريخي يجب الاستعداد له ومواجهته بأعلى الكفاءات الوطنية السورية المعارضه.
طبعاً لا يجوز لنا هنا أن نتجاوز ردود الأفعال السلبية التي أضافت شكوكها في طبيعة هذا التوسع إلى محدودية ثقتها بالائتلاف أصلاً. حتى إن بعض القوى الثورية سحبت اعترافها بشرعية الائتلاف نفسه، وهذه كلها مؤشرات سلبية لا تساعد على خلق مناخات مناسبة، وتقلل من نسبة التفاؤل في إبراز صورة أفضل للمعارضة، كمعارضة متحدة قادرة على التفاوض باسم الثورة، وقادرة على ضمان صدقية قراراتها.
أما بخصوص كل الأصوات العاتبة عليّ، ووجهات النظر الناقدة، التي وصلني جزء منها، فإنني مدين بالشكر لكل من قدّم رأياً من منطلق حرصه الشخصي أو الوطني، لكنني أقول إنه كان من الممكن لي اتباع سياسة النأي بالنفس (على طريقة الحكومة اللبنانية) والانصراف إلى عملي وعائلتي ككثيرين غيري، لكنني شعرت بأنّ من واجبي الوطني تغليب المصلحة العامة على مصلحتي الشخصية. أشعر بأنني بهذه الطريقه أرد إلى أهلي السوريين، الذين صنعوا بمحبتهم حضوري وحضور غيري من الفنانين السوريين، بعضاً من جميلهم وفضلهم. وأريد أن أؤكد أنني لا أرى في الائتلاف إلا كياناً موقتاً أملته الظروف الراهنه، وأن الفترة القادمة حتى انعقاد جنيف هي فترة امتحان النوايا لكل الأطراف، وبناءً عليه سأعيد تقويم وجودي أنا وآخرين في الائتلاف، لأنه لا رغبة لي في الحضور المجاني في أي كيان سياسي.
أما جوقة الشتامين والرداحين، فهؤلا لم ينتظروا انضمامي إلى الائتلاف كي يستخدموا ضدي سلاحهم الثاني بعد الرصاص ألا وهو الشتيمه والتخوين. هؤلاء فاضت نفوسهم بما تضمر منذ الساعات الأولى لاندلاع الحراك السلمي، يومها كانت البلاد لا تزال تنعم بالأمان، ونقاط التوتر تعد على أصابع اليد الواحدة، فقلت مع من قالوا إن ما نرى هو مقدمات لما هو أكبر وأكثر اتساعاً، وإنه لا خيار ثالثاً أمامنا، إما التغيير الديموقراطي الحقيقي والجوهري لبنية نظام سياسي استبدادي وفاسد، وإما أن تتسع رقعة الزيت وتنبعث النار من كل شارع وحيّ في هذا البلد، ويصبح الأمر فوق سيطرة السوريين نظاماً أو معارضة. وبدل من أن يفهم كلامي وكلام أمثالي على أنه غيرة وطنية، اتهمنا بأننا عملاء مأجورون نقبض بالبترودولار. هؤلاء رأيهم لم يعد مهماً، ولست معنياً بما يرددون، وكل سوري يعرف أنهم هم من قاد البلاد إلى ما هي فيه اليوم من دمار وفوضى وطائفية وحرب بالوكالة.
من هذا المنطلق أرى أنّه مفروض عليّ بذل أقصى جهد ممكن من أجل السوريين الفقراء، الذين دهستهم عجلة العنف الدائر، فدفعوا أبهظ الأثمان. هؤلاء من أرى معاناتهم اليومية، وهم من يعنون لي وأسعى إلى خدمتهم بمجهودي المتواضع. هؤلاء يجعلونني أغض البصر عن المسائل الشخصية التي تخصني كفنان سوري. وهنا لا يحقّ لأحد المزايدة على وطنيتنا، إذ لم يعد شيء خافياً على الناس، لأنهم باتوا يدركون ماذا قال كل منا وماذا فعل، وأين كان وأين هو الآن، وعلى هذا الأساس، فإنني أفتح صدري للتقويم مهما كان صريحاً وصادقاً.
* فنان سوري