جنيف | لم تنتظر الأطراف الأساسية الممسكة بقرار مجلس حقوق الانسان في الأمم المتحدة، الموعد الرسمي المقرر للحوار مع لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا الذي جرى أمس؛ فمن خطاب المفوضة السامية لحقوق الانسان في افتتاح أعمال الدورة الـ23 للمجلس، إلى الجلسة الطارئة التي دعت إليها الولايات المتحدة وقطر وتركيا قبل أسبوع، شكّلت الأحداث المتسارعة في منطقة القصير السورية مادة دسمة طغت على ما عداها، بما فيها الانتهاكات التي ترتكب في باقي المناطق السورية. وإزاء جدولة الحدث السوري كمادة يومية لنقاشات المجلس، لم يقدم تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة الذي نوقش، أمس، مادة حصرية وجديدة، باستثناء الإشارة للمرة الأولى إلى الفرض المنهجي لحصار المدن، واستخدام المواد الكيميائية، والتهجير القسري. وأعلن المحققون الدوليون أنّ لديهم «أسباباً معقولة» للاعتقاد باستخدام محدود لأسلحة كيميائية في سوريا، وأنّ القوات الحكومية والجماعات المسلحة المناهضة لها ارتكبتا جرائم حرب، مع فارق يتعلق بكثافة وحجم تلك التي ارتكبتها القوات الحكومية. وأضاف تقرير لجنة التحقيق «تُرتكب جرائم ضد الإنسانية من قبل قوات الحكومة والميليشيات التابعة لها، من خلال تنفيذها لهجمات واسعة النطاق ضد السكان المدنيين ولجوئهم إلى القصف العشوائي والقتل غير القانوني والتعذيب والاختفاء القسري، والعنف الجنسي. كما يحاصرون بشكلٍ مُمنهَج المدن التي يُنظر إليها على أنها معادية، بينما يجري تهجير السكان قسرا. وقد قامت أيضاً الجماعات المسلحة المناهضة للحكومة بمحاصرة بلدات، خاصة في محافظة حلب. إنهم بذلك يرتكبون جرائم حرب على نحو متزايد، بما في ذلك عمليات الإعدام خارج نطاق القضاء، والتعذيب، وأخذ الرهائن، والنهب». وخلصت اللجنة إلى أنها «مقتنعة بأن التوصل إلى تسوية سياسية هو الوسيلة الوحيدة لوقف العنف».
ومع تصويت مجلس حقوق الإنسان على قرار جديد بتوسيع وتوصيف ولاية لجنة التحقيق لتشمل الأحداث التي تجري في القصير، يمكن التوقع أن التقرير المقبل الذي سيصدر بعد أشهر عن هذه اللجنة، سوف يتطرق بشكل مفصل إلى حزب الله الذي لم يُسمّ إلى الآن مباشرة في النصوص الرسمية التي يصدرها المجلس. وكشفت مصادر واسعة الاطلاع أنّه مقابل الرغبة الشديدة لقطر والولايات المتحدة بالإشارة إلى حزب الله، تميّز الموقف الفرنسي بأنه كان أكثر عقلانية لجهة عدم ذكر الحزب اللبناني بالاسم في النصوص الصادرة عن المجلس.
«إنها مسألة وقت فقط»، يقول دبلوماسي غربي رفض الكشف عن اسمه لـ«الأخبار». وبحسب الدبلوماسي فإن روسيا والصين ولبنان وفنزويلا سعوا إلى عدم تضمين القرار تسمية صريحة لحزب الله، «إلا أنّ ذلك لا يعدو كونه عملية تجميل لغوية». ويضيف الدبلوماسي «أعطينا ولاية للتحقيق في القصير وننتظر النتائج».
وهذه ليست المرة الأولى التي يصوت فيها المجلس على قرارات تتعلق بولاية لجنة التحقيق الدولية، فقد سبق أن أصدر في حزيران ٢٠١٢ قراراً طلب فيه من رئيس لجنة التحقيق، الخبير البرازيلي باولو بينيرو، أنّ يركز على نحو خاص على مجزرة الحولة. ومنذ بدء مهامها، تحقق اللجنة في 30 ادعاء بوقوع مجازر بينها 17 قد تكون ارتكبت منذ 15 كانون الثاني الماضي.
لكن تحقيقات بينيرو، الذي تعاونه القاضية السويسرية كارلا ديل بونتي، لم تجد طريقها من مجلس الأمن إلى المحكمة الجنائية الدولية، لذلك تبقى تقارير لجنة التحقيق غير فعّالة.
ويغطي تقرير لجنة التحقيق الدولية الفترة من 15 كانون الثاني إلى 15 أيار 2013. وتستند نتائجه إلى 430 مقابلة أجريت في الدول المجاورة لسوريا وفي جنيف، بوسائل منها «السكايب» والهاتف، ولا تزال سوريا ترفض دخول أعضاء اللجنة إلى أراضيها. ولقد شن مندوب بعثة سوريا لدى الأمم المتحدة في جنيف، فيصل حموي، هجوماً لاذعاً على اللجنة في خطابه أمس، متهماً إيّاها بالاستمرار بالانحياز وباستخدام مصطلحات وعبارات طائفية لا تمت إلى الواقع الثقافي والسياسي السوري بصلة. وأضاف حموي «لن نثق بعمل اللجنة حتى تتحلى بالصدق وتشير بوضوح للدور الهدام الذي تلعبه الدول التي تموّل النزاع». ودعا إلى «ادراج قطر وتركيا على لائحة الدولة الداعمة للارهاب». بدورها، طالبت مندوبة قطر علياء آل ثاني بأن تدخل فرق التحقيق إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، خصوصاً أن «الائتلاف» السوري المعارض قدم طرحاً بهذا الخصوص. وانتقدت تركيز اللجنة على الخيارات السياسية مذكرة أنّ ولايتها تتعلق فقط بالتحقيق بالانتهاكات. في المقابل، أيّد المندوب الروسي ارسال خبراء للتحقيق في حادث كيميائي حصل في ١٩ آذار، لافتاً إلى ترحيب دمشق بدخول الخبراء إلى أراضيها.
واعتبرت لجنة التحقيق أن «هناك دوافع معقولة للاعتقاد بأنّ كميات محدودة من منتجات كيميائية استخدمت». وأشار المحققون إلى اربعة أحداث تم خلالها استخدام هذه المواد، لكن تحقيقاتهم لم تتح حتى الآن تحديد طبيعة هذه العناصر الكيميائية وأنظمة الأسلحة المستخدمة ولا الجهة التي استخدمتها.
وقدمت اللجنة في ختام تقريرها مجموعة توصيات، منها توصية إلى المجموعات المسلحة المناهضة للحكومة برفض العناصرة المتطرفة، في إشارة غير مباشرة إلى «جبهة النصرة»، التي صنفتها الأمم المتحدة منظمة ارهابية. كما أوصت الدول التي تمارس تأثيراً على أطراف النزاع أن تتخذ خطوات حقيقية وملموسة للحدّ من تزايد نفوذ الفصائل المتطرفة، والحد من تصعيد النزاع من خلال تقييد عمليات نقل الأسلحة، لا سيما أنّ هناك خطراً واضحاً بأنّ يتم استخدام الأسلحة لارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان أو القانون الدولي الانساني. وطالبت اللجنة بالالتزام بضمان الحفاظ على الأدلة المادية من الانتهاكات والجرائم الدولية لحماية حق الشعب السوري بكشف الحقيقة، وبضمان اجراء أي مفاوضات للسلام في إطار القانون الدولي وادراك الحاجة الملحة للإحالة إلى العدالة على الصعيدين الوطني والدولي. وفي الملف الإنساني، أوصت اللجنة باستدامة وزيادة التمويل للوكالات والعمليات الانسانية داخل سوريا، فضلاً عن مساعدة البلدان المجاورة المتأثرة بالوضع، وتأمين ١.٥ مليار دولار للمساعدات.