القاهرة | قضت محكمة الجنايات بالقاهرة بمعاقبة 43 متهماً مصرياً وعربياً وأجنبياً في القضية التي عُرفت إعلامياً بقضية التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني. تراوحت الأحكام ما بين السجن لمدة خمس سنوات، والحبس سنتين، والحبس سنة مع إيقاف التنفيذ، إضافة الى غرامة ألف جنيه لكل المُدانين. وكانت عقوبة السجن من نصيب المتغيبين عن حضور الجلسة، وعددهم 27 متهماً (15 أميركياً، ونرويجيان، وثلاثة صربيين، وأردني، وفلسطينية، ولبنانيان، وأردني، ومصري، وألماني). أما عقوبة السجن عامين، فصدرت ضد خمسة متهمين، منهم أميركي وألماني. فيما تم إيقاف تنفيذ العقوبة الأخيرة بالحبس لمدة سنة في حق المتهمين المصريين الأحد عشر الآخرين.القضية كان قد تم تحريكها بإيعاز من فايزة أبو النجا، وزيرة التعاون الدولي السابقة، إبّان حكم المجلس العسكري. وشهدت فضيحة مدوية خلال مداولاتها، حيث نشرت صحيفة «معاريف» الإسرائيلية، أن الرئيس الأميركي باراك أوباما لجأ إلى إسرائيل للوساطة من أجل الإفراج عن الأميركيين المتهمين في القضية. وأشارت الى أن رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، أوفد مبعوثه الخاص، إسحاق مولخو، إلى القاهرة لممارسة «التأثير» على حلفائه الأمنيين في مصر. ونشرت «معاريف» الخبر بعد قرار القاضي عبد المعز إبراهيم، رئيس محكمة استئناف القاهرة، بالإفراج عن الأجانب (أغلبهم أميركيون) المحتجزين في قضية التمويل الأجنبي، حيث استقلوا طائرة واحدة فور إطلاق سراحهم وغادروا إلى غير رجعة في آذار 2012.
وبحسب مصدر لـ«الأخبار» في وزارة التخطيط والتعاون الدولي، فإن الدعوى قد استندت في البداية إلى القرار الأُحادي من الجانب الأميركي بتحويل أموال كبيرة إلى غير المصارف، التي تم التعاقد على إنفاقها ضمن خطط المعونة الأميركية قبل الثورة. وقد تمت المداهمات لمقار المنظمات، حيث ضبطت سيولة مالية كبيرة في بعض المقار غير المرخصة، مثل مقري المعهد الديموقراطي الوطني والمعهد الجمهوري الدولي في كل من القاهرة والإسكندرية والأقصر. في حين يدافع المتهمون عن عدم حصول منظماتهم على ترخيص بسبب تعنت الجهات الأمنية والإدارية قبل الثورة في منح الترخيص.
وبالإضافة إلى المنظمتين الأميركيتين المذكورتين، فإن قائمة الاتهام تضم أيضاً كلاً من منظمة بيت الحرية (فريدوم هاوس)، والمركز الدولي للصحافيين، ومنظمة «كونراد آدينآور» الألمانية. وقد صدر بحقهم جميعاً قرار بالحل وإغلاق المقار ومصادرة الأموال وجميع ما تم ضبطه فيها. ومنظمة «كونراد آدينآور»، التي بدأت نشاطها في مصر منذ التسعينيات من القرن الماضي، كانت تقيم أغلب أنشطتها بشراكات حكومية وقليلاً ما كانت تتعاون مع المجتمع المدني بسبب أوضاع ما قبل الثورة.
ويرى علي الرجال، الباحث السياسي المختص بالدراسات الأمنية، أن القضية تم تلفيقها من قبل حكومة كمال الجنزوري إبان المجلس العسكري، ضمن استراتيجية تهدف إلى تجفيف منابع الثورة والحراك الميداني؛ فالمجلس العسكري، كان قد حصر المحركات الشعبية في المواجهات الثورية في طرفين هما: المجموعات الشبابية منبتة الصلة بالتنظيمات الحزبية والسياسية التقليدية وفي مقدمتها مجموعات الألتراس، ومنظمات المجتمع المدني، التي كانت تتباهى بدورها في تدريب الشباب الذين كان منهم من شارك في إشعال فتيل الثورة. لذلك فإن المجلس العسكري، قد لجأ إلى افتعال مواجهات تأديبية وانتقامية من شباب الألتراس كما حدث في مجزرة استاد بورسعيد وما تلاها من مواجهات، بالتوازي مع تصفية المنظمات المدنية وإنضاب مواردها، بحسب الرجال.
وتأتي هذه الأحكام في ظل أجواء مشوبة بالتوتر والانزعاج من مسودة قانون الجمعيات الأهلية الجديد، التي تراها أغلب المنظمات الحقوقية والمدنية مقيدة للحريات. ويرى حقوقيون أن إصدار هذا القانون دليل على سير الإخوان على درب مبارك والمجلس العسكري في سبيل تقييد الحريات والتضييق على المجتمع المدني.