القاهرة | ثلاثة اجتماعات رئاسية عُقدت على مدى أقل من 24 ساعة، كانت بمثابة نشاط مكوكي للمؤسسة الرئاسية المصرية، التي باتت تحاصرها المشكلات والتحديات من كل جانب، وبات عقد الاجتماعات الدورية سمةً رئيسية لها في الآونة الأخيرة. الاجتماع الأول كان فنياً بحتاً؛ إذ عقده الرئيس محمد مرسي مع وزير الخارجية والخبيرين المصريين شريف المحمدي وخالد حسين، وممثلي مصر في اللجنة الثلاثية الدولية لبحث التقويم الفني لسدّ «النهضة» الإثيوبي وآثاره على الدول الثلاث، مصر وإثيوبيا وشمال السودان. فيما كان الاجتماع الثاني مع ممثلي عدد من الأحزاب الإسلامية، والثالث كان اجتماعاً مع عدد من القوى الوطنية، قاطعته جبهة الإنقاذ، بشأن التعامل مع تقرير اللجنة الثلاثية. وفي لقاء استمر إلى ما يزيد على ساعتين مع الأحزاب في قصر الرئاسة، لم يتقدّم رؤساء الأحزاب بمقترحات مجدية باستثناء عمرو حمزاوي، رئيس حزب «مصر الحرية»، مطالباً بتشكيل لجنة تختص بدراسة الأزمة وتضم ممثلين عن الأحزاب السياسية، وتُدرج بأعمال السيادة المصرية.
وقال مرسي، خلال الجلسة، إن نسبة تأثير سدّ «النهضة» على السد العالي بخصوص الكهرباء هي 1.2 في المئة، لافتاً إلى أن السد العالي يمثل 8 في المئة من إجمالي مصادر الكهرباء في مصر، وأن التقرير الفني أشار إلى آثار سلبية على البيئة والزراعة وإنتاج الكهرباء، مشدداً على أن هناك نقصاً في التصميمات الهندسية لبناء السدّ (النهضة) بخلاف إجراءات فنية لم تستكمل بعد.
وكانت الرئاسة قد أكدت في بيان لها أن تقرير اللجنة الدولية للخبراء المعنية بدراسة سد «النهضة» وتقويمه، أوضح أن معظم الدراسات والتصميمات المقدمة من الجانب الإثيوبي لا ترقى إلى مستوى مشروع بهذا الحجم على نهر عابر للحدود.
وقالت الرئاسة، فى تقريرها عن «سدّ الألفية الإثيوبي»، الذي عرضت نتائجه خلال الاجتماع بالقوى الخارجية، إن جزءاً من الدراسات يحتاج إلى تحديث، في ضوء ما توافر من بيانات ومعلومات متعلقة بالمشروع، وأشارت إلى ضرورة وجود احتياطات إنشائية تسمح بتوفير احتياجات دولتي المصب من المياه تحت الظروف الطارئة، وهو ما لم يتوافر في الدراسات الإثيوبية.
وأكّد التقرير وجود قصور شديد في الدراسات والتصميمات الخاصة بالسدّ المساعد، الذي يرفع السعة التخزينية من 14.5 إلى 74 مليار متر مكعب، فضلاً عن عدم وجود تحليل اقتصادي من واقع الدراسات المقدمة من الجانب الإثيوبي، في ما يتعلق بحجم السد وارتفاعه والقدرة التصميمية لمحطة الكهرباء.
وأوضح التقرير أنّ الجانب الإثيوبي لم يوفّر عدداً من الدراسات، وأهمها تأثير انهيار السدّ، وهي إحدى الدراسات الأساسية، التي يجب إتمامها قبل الشروع في إنشاء أي سدّ. ولفت الى أن في حالة ملء الخزان في فترات الجفاف، فإن منسوب السد العالي سيصل إلى أقل منسوب تشغيل لمدة 4 سنوات متتالية، ما يشكّل تأثيراً بالغاً على توفير المياه اللازمة للري، وعدم القدرة على توليد الكهرباء لفترات طويلة.
الحاضرون في الجلسة الوطنية رفضوا اللجوء الى الخيار العسكري في التعامل مع أزمة السدّ، باستثناء أيمن نور، رئيس حزب «غد الثورة»، وأبو العلا ماضي، رئيس حزب «الوسط». فيما دعا الأب رفيق جريش، ممثل الكنيسة الكاثوليكية، الى العمل باتجاه حشد أفريقي حول هذا الملف، ثم تدويل القضية بنحو مكثف.
وشدّد عمرو خالد، رئيس حزب «مصر»، على أهمية تدخل الكنيسة المصرية واجراء اتصالاتها بالكنيسة الإثيوبية، الا أن ممثل الكنيسة المصرية أكّد عدم جدوى هذا الحل، نظراً إلى عدم تدخل الكنيسة الإثيوبية في شؤون الدولة.
وعلقت آية آمان، الصحافية المتخصصة في الشؤون الأفريقية وقضايا المياه، على هذه الاجتماعات في حديث لـ«الأخبار»، قائلةً، إن الموقف المصري لا يزال ضعيفاً، «فمماطلة الحكومة في إعلان تدابيرها وتبنيها خطاباً يؤكد وجود العديد من البدائل في الردّ على الموقف الإثيوبي دون إعلانها هو أحد أوجه هذا الضعف»، معتبرةً أن التقرير والتوصيات الموجودة في تقرير اللجنة الثلاثية لم يأتيا بجديد، وأن الدراسات والتوصيات تعلمها مصر منذ أعلنت إثيوبيا بناء السدّ، وأن هناك دراسات فنية قديمة تكشف أن أي مشروع على النيل الأزرق سيضر بمصالح مصر.
ونبهت الى أن إثيوبيا لم ولن تستمع لأي تهديدات مصرية، أو مطالب بوقف بناء السدّ، وهو بالنسبة إليها بمثابة حلمها القومي، منوهةً الى أن الجانب السوداني ليس في نفس الموقف المصري، ولا يوجد عليه خطر كالجانب المصري، مضيفةً أن عدد السيناريوات المطروحة لحل الأزمة كثيرة جداً، لكن لم يُفعَّل أيٌّ منها منذ فترة أو يُطرَح للعمل بقوة وفاعلية.
وقد شهد الاجتماع طرح عدد من الاقتراحات، إلا أن آمان ترى أن أكثرها فاعلية هو حلول تمر ببوابتين: الأولى سياسية، تتمثل بالتشاور مع الجانب الإثيوبي والاشتراك في بناء السدّ مع وجود لجنة دائمة به تضمن عدم استغلاله في الضغط على مصر، وهو ما حصل إبان حكم جمال عبد الناصر مع أوغندا. وأيضاً من خلال الضغط على الصين أو البنك الدولي بوصفهما الممولين الأكبر للسدّ، مستخدمين ورقة اتفاقية عام 1997 الخاصة باتفاقية الأنهار الدولية، التي تجبر الدول على الإخطار المسبق بأي أعمال قد يكون من شأنها التأثير على مجرى مياه الأنهار ومنسوبها وعدم الضرر بالدول الأخرى المشتركة في النهر الواحد. أما الطريق الثاني، بحسب الخبراء فيكون عبر الحل الأمني لا العسكري عبر إثارة القلاقل في إثيوبيا!