تجاوز الداعية الإسلامي المصري يوسف القرضاوي الخط الأحمر في تعاطيه بالسياسة، محولاً الموقف من كيانات سياسية يعارضها الى نزعة تكفيرية استهدفت الشيعة والعلويين، متماهياً مع المدرسة الوهابية السعودية.
المفارقة أن رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، المقيم في قطر منذ سنوات طويلة، كان يتمثل فكرياً بمدرسة الإخوان المسلمين، التي لا تزال حتى الآن غير متورطة في مواقف تكفيرية على غرار منافسيها من السلفيين.
وبعيداً عن مشروعية أو عدم مشروعية تدخل رجل الدين في السياسة، فإن دعوة القرضاوي إلى «الجهاد» ضد الحكومة السورية، قد تكون مقبولة فيما لو كانت تعني مواجهة سياسية مبنية على أسس فقهية مسندة، حتى لو كانت موضع خلاف، لكن أن يكون هذا التجييش على خلفية حرف وجهة الصراع نحو عناوين مذهبية، رغم ان هناك شريحة واسعة من رجال الدين السنّة في سوريا تقف الى جانب النظام، والكثيرين من أهل السنة ممن يقفون الى جانبه في لبنان والعالم يأتي على خلفية موقفه الداعم للمقاومة في لبنان وفلسطين.
ففي مهرجان تضامني مع الشعب السوري أقامه الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في الدوحة أول من أمس، بدا القرضاوي، الذي لطالما ادعى أنه حمل على مدى سنوات طويلة همّ الوحدة الإسلامية، متماهياً تماماً مع سياسات قطر والسعودية لجهة استغلال الدين في الحرب ضد دمشق. أبدى أسفه لما قال إنه وقت أنفقه في الدعوة للتقارب بين الشيعة والسُّنة، قائلاً إنه اكتشف أنه « لا أرضية مشتركة بين الجانبين، لأن الإيرانيين، وخصوصاً المحافظين منهم، يريدون أكل أهل السُّنة ». وأضاف، أمام بضع مئات من الحاضرين في قاعة رياضية مغطاة، « الآن عرفنا ماذا يريد الإيرانيون ... يريدون المجازر المستمرة والمدبرة لقتل أهل السنة».
وفي تناسٍ واضح لشريحة واسعة من أهل السنة تقف مع نظام بشار الأسد في العالم العربي، ركّز الداعية المصري الهوية، القطري التمويل، هجومه على « الشيعة » متناولاً إيران والأمين العام حزب الله حسن نصر الله. قال « إن الشيعة يعدّون العدة وينفقون المال من أجل تنفيذ مجازر في سوريا للفتك بأهل السُّنة » ، مطالباً الحكومات العربية بالوقوف إلى جانب السوريين.
وفي بيان بث على موقعه الالكتروني، دعا القرضاوي «كل قادر على الجهاد والقتال الى التوجه إلى سوريا للوقوف إلى جانب الشعب السوري المظلوم الذي يُقتل منذ سنتين على أيدي النظام.. ويُقتل حالياً على يد ميليشيات حزب الشيطان». وإمعاناً اكثر في سياسة التكفير التي يبدو أنها باتت تمثل وباءً في هذا العصر، قال القرضاوي إن الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد «ينتمي إلى طائفة أكفر من النصارى واليهود، لكون أتباعها لا يقومون بأي شعيرة من شعائر الإسلام »، مستشهداً برأي ابن تيمية الذي يعود اليه الوهابيون في مسألة تكفير الطائفتين الشيعية (التي يصفها التكفيريون بالرافضة) والعلوية (النصيرية).
وفي مزج بين المصطلحات الدينية والعداوة السياسية، قال « إن الذين يؤيدون بشار، سيصب الله عليهم لعناته وغضبه وسينتقم منهم»، مضيفاً « أقسم بالله أن الشعب سينتصر على حسن نصر الشيطان وحزب الطاغوت وبشار الوحش وسيقتلهم السوريون شر قتلة».
ولم يتوقف القرضاوي عند هذا الحد، بل ذهب إلى تبرير مواقفه السابقة الايجابية تجاه المقاومة الاسلامية في لبنان وإيران، متقرباً على نحو واضح من السلفية السعودية، بقوله إنه كان مخطئاً. وأضاف « دافعت عمّن يسمى حسن نصر الله وحزبه، حزب الطاغوت وحزب الشيطان، ووقفت امام مشايخ السعودية أدافع عنهم، ويبدو ان مشايخ السعودية كانوا أنضج مني». وتساءل « كيف لـ 100 مليون من الشيعة أن ينتصروا على مليار و 700 مليون (مسلم سني) ؟ لأن المسلمين متخاذلون».
وهنا حوّل الهجوم على ايران بدعوته «كل مسلم مدرب على القتال وقادر عليه ان يقدم نفسه لمساعدة الثوار السوريين» ، متسائلاً « ايران تدفع بالسلاح وبالرجال، فلماذا نقف نحن مكتوفي الايدي؟».
لعل مواقف القرضاوي الأخيرة جاءت في سياق حملة خليجية تستخدم النعرة المذهبية لتصفية حسابات سياسية مع طهران ودمشق. هذا ما تكشفه مناخات المهرجان الخطابي الذي حضره عدد من مشايخ الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين من الكويت والسعودية والسودان والمغرب وسوريا، الذين لم يبتعدوا في لغتهم عن خطاب « مرشدهم الروحي»، بالتركيز على ايران وحزب الله «الشيعة» والنظام السوري «العلوي».
ليس جديداً ما قاله القرضاوي عن إيران وحزب الله، إذ سبق للقرضاوي أنّ رفض فتوى إمام الأزهر الراحل محمود شلتوت، حول جواز التعبد على المذهب الشيعي، واتهم الشيعة بنشر البدع، لكنّ التصعيد الأخير وعلى هذا النحو يأتي في سياق سياسة واضحة لتحويل وجهة الصراع من صراع سياسي الى صراع مذهبي، يتغذى من شحن الحقد في النفوس ونشر ذهنية التكفير لتشريع قتل الأبرياء.
(الأخبار)