لا تزال الدول «المؤثرة» في الأزمة السورية تتصرّف كأنّ مؤتمر «جنيف 2» حتميّ ولا يعترض إطلاقه سوى بعض التفاصيل. واشنطن وموسكو تابعتا تنسيقهما حول الموضوع عبر «الخط الهاتفي الساخن» بين وزيري خارجية البلدين، في وقت كشف فيه وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس، أمس، أن المؤتمر الدولي حول سوريا، الذي وصفه بـ«مؤتمر الفرصة الأخيرة»، قد يعقد في تموز المقبل، مشيراً إلى أنّ الوقت «قصير جداً» لكي يتسنى عقده في حزيران. وقال فابيوس «على المعارضة اختيار ممثليها، هذا سيستغرق بعض الوقت، ينبغي الاتفاق على جدول الأعمال (...) نحن نعمل من أجل عقده. ينبغي الإعداد له»، مكرراً تحفّظ بلاده إزاء مشاركة إيران في مؤتمر جنيف، على قاعدة أن «الإيرانيين لا يؤيدون التوصل إلى حل، إنهم ضد السلام».
وعن معارضة إيران تشكيل حكومة انتقالية في سوريا بصلاحيات كاملة، شدد فابيوس على أن «النقطة المركزية للمؤتمر إذا صارت إيران طرفاً رئيسياً في مؤتمر جنيف، هناك خطر أن يقولوا: يمكن أن نقدم تنازلاً في المسألة السورية، ولكن شرط أن تتركوا لنا القنبلة الذرية».
بدوره، دعا وزير الدفاع الفرنسي، جان إيف لو دريان، إلى حل عاجل للصراع في سوريا. وقال، خلال حضوره قمة حوار «شانجري - لا» الدفاعي في سنغافورة، إن إمكان امتداد الصراع عبر الحدود إلى لبنان جعل الحل أكثر إلحاحاً. وأضاف «هذا هو سبب ضرورة الإسراع بهذا الحل لأن اتجاه «انتظر لنرى» قد يوجد اضطرابات في لبنان والعراق، من شأنها أن تسبب قلاقل ضخمة في المستقبل ولخريطة الشرق الأوسط العالمية».
في ظل هذه الأجواء، بحث وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في اتصال هاتفي مع نظيره الأميركي جون كيري سبل تسوية الأزمة السورية، بما في ذلك الوضع حول الاستعدادات لمؤتمر «جنيف 2».
وذكرت وزارة الخارجية الروسية أنه جرى تبادل الآراء حول جدول الاتصالات السياسية الثنائية في أطر مختلفة.
وفي شأن تسليح المعارضة السورية، شددت المفوضة العليا للسياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي، كاثرين آشتون، على أن قرار الاتحاد توريد السلاح إلى سوريا يجب أن يكون مرهوناً بوجود ضمانات بأنّ «الائتلاف» المعارض سيكون المتسلم النهائي له. وأوضحت آشتون، في حديث إلى وكالة أنباء «إنترفاكس» الروسية، «في حال اتخاذ دول الاتحاد مثل هذا القرار، يجب أن يستجيب لمعايير صارمة، أهمها أن تكون الأسلحة موجهة إلى الائتلاف المعارض لأغراض حماية المدنيين، وذلك وفق معاهدة تجارة الأسلحة، إضافة إلى وجود ضمانات من طرف المتسلم». وأضافت «وافق جميع أعضاء الاتحاد الأوروبي على أنهم لن يصدّروا أية أسلحة في المرحلة الراهنة، قبل تقويم سير العملية السياسية. وسيدرس مجلس الاتحاد الأوروبي قبل 1 آب هذا الوضع في ضوء التقرير الذي أعده حالياً بعد التشاور مع الأمين العام للأمم المتحدة، وحسب التقدم في مجال تنفيذ المبادرة الروسية الأمريكية، عن عقد مؤتمر جنيف 2». في السياق، شدد الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند أمس على أن «القرار الحساس» برفع حظر الأسلحة الموجهة للمعارضة السورية، يتطلب من جانب آخر «التنبه جداً أو حتى التشدد» بالنسبة الى وجهة الأسلحة التي يمكن أن تسلم. وأكد هولاند أنه يجب «التأكد من أن المعارضة السورية مدركة تماماً أيضاً لمسؤولياتها».
بدوره، أعلن مندوب روسيا في الاتحاد الأوروبي، فلاديمير تشيخوف، أنّ قمة «روسيا – الاتحاد الأوروبي»، التي ستعقد في 3 و4 تموز، ستنظر في موضوع التسوية السورية ووقف مفعول حظر تصدير أسلحة الاتحاد الأوروبي إلى سوريا. وقال تشيخوف إنّ «موقفنا الراسخ يكمن في أن توريد السلاح إلى أحد طرفي هذا النزاع سيساعد في تصعيده، ويعرقل كل الجهود الرامية إلى التسوية السياسية». وأكد «أن الاعتقاد بأن رفع مستوى تسليح المعارضة ليعادل تسليح القوات الحكومية يساعد في التسوية السياسية هو فكرة خيالية خطيرة. وهناك وهم آخر لا يقل خطورة، يفيد باحتمال تسليح المعارضة المعتدلة من دون أن يقع السلاح في أيدي المتطرفين، علماً بأنه قد بدأت اشتباكات بين مختلف فصائل المعارضة السورية. وإذا انطلقنا من منطلق عسكري بحت، فيمكن القول إن المجموعات المسلحة المرتبطة بتنظيم «القاعدة» تعتبر الأقوى من ناحية قدرتها القتالية».
في سياق آخر، وفي هجوم غير مسبوق، أكدت دول الخليح في ختام اجتماعها الدوري في جدة اعتبارها حزب الله «منظمة ارهابية»، وهددت باتخاذ اجراءات ضد مصالحه، لكنها امتنعت عن وضعه على لوائح الحركات الارهابية متذرعة بضرورة المزيد من «الدراسة». وقال وزير الدولة للشؤون الخارجية في البحرين غانم البوعينين أنّ «هناك اجماع على توصيف التدخل السافر لحزب الله في سوريا بانه ارهاب. لقد كشف التدخل المستور، كان يمارس التقية».
من جهته، قال الأمين العام للمجلس، عبد اللطيف الزياني، إنّ مجلس التعاون الخليجي «قرر النظر في اتخاذ اجراءات ضد أي مصالح لحزب الله في دوله».
وندد الزياني والبوعينين بـ«التدخلات الإيرانية المتصاعدة في الشأنين الخليجي والعربي».
في إطار آخر، أعلن معاون وزير الإعلام السوري خلف المفتاح، أمس، أن الحكومة السورية ستطلب من الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، إجراء تحقيق بصدد العثور على عبوات من غاز السارين أثناء عمليات الجيش السوري في حماه. وأشار المفتاح، في مقابلة مع قناة «روسيا اليوم»، إلى أن هناك محاولات لاستثمار قضية السلاح الكيميائي لتدخل خارجي، كما جرى في العراق.
وكان مصدر عسكري سوري قد أعلن أن الجيش عثر على زجاجتين من غاز السارين السام خلال مداهمته مخبئاً لجماعة مسلحة في حيّ الفراية في حماه.
وفي خطوة مفاجئة، وبعد الجهود المضنية لتوسيع «الائتلاف» المعارض، أعلنت «الهيئة العامة للثورة السورية» انسحابها من «الائتلاف». وذكر بيان الهيئة أنّه لدى تأسيس «الائتلاف» تم الاتفاق على تمثيل ثوار الداخل بمنحهم ثلث المقاعد، الأمر الذي لم يحدث حتى بعد توسيع «الائتلاف» في اجتماع اسطنبول الأخير.
من جهة ثانية، أعلن مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة، معتز أحمدين خليل، أن «بلاده ستقوم بنشاط مكثف في المنظمة الدولية خلال رئاستها المجموعة العربية في شهر حزيران الحالي لبحث الأزمة السورية وعملية السلام». وأوضح خليل، أن «مصر ستتابع في الأمم المتحدة الجهود الدولية الخاصة ببحث عقد مؤتمر «جنيف 2»، حيث ستشارك مصر في هذا المؤتمر في حال عقده بوفد برئاسة وزير الخارجية».
إلى ذلك، وجه البابا فرنسيس الأول نداءًَ ملحاً إلى المسؤولين عن احتجاز رهائن في سوريا لكي يبدوا حسّاً «بالإنسانية»، ويفرجوا عنهم، معرباً عن «قلقه الشديد» بعد مرور أكثر من سنتين على النزاع في سوريا.
(الأخبار، أ ف ب، رويترز)