الرسالة التي أراد الرئيس السوري بشار الأسد، إيصالها إلى المعنيين في تل أبيب، يبدو أنها حفرت عميقاً في الوجدان الإسرائيلي، وهو ما انعكس في التحليلات والتحذيرات التي أطلقها المعلقون العسكريون والسياسيون في وسائل الإعلام الإسرائيلية.
لقد شدّد محلل الشؤون العسكرية في «القناة العاشرة» أور هيلر، على أنّ «خطر الرد السوري» بعد التزام الأسد الرد، «ازداد» إن بادرت إسرائيل في المرة المقبلة إلى تكرار اعتداءاتها المباشرة على الأراضي السورية، مشيراً إلى أنّ دافع التهديدات السورية هو تصريحات المسؤولين الإسرائيليين، وخاصة بعدما صدر عن وزير الدفاع موشيه يعلون، ومستشار الأمن القومي يعقوب عميدرور.
في المقابل، رأى محلل الشؤون العربية في «القناة الثانية»، إيهود يعري، في المواقف التي أطلقها الأسد، خلال مقابلته مع قناة «المنار»، تعبيراً عن أن «تطور الأمور بين إسرائيل وسوريا (بات) الآن خطر جداً»، لافتاً إلى أنّه «بالرغم من أن هذه الخطورة موجودة الآن على المستوى الكلامي، لكنْ للكلمات تأثير واعتبار، ويمكن في نهاية المطاف أن تنفجر الكلمات».
وأضاف يعري أنّ ما يقوله الأسد هو الآتي: «أي عملية إسرائيلية أخرى في الأراضي السورية ستُقابل برد فوري»، وهو ما يعني، بحسب يعري، أنّ «الحال لن تكون هي نفسها، التي أعقبت مهاجمة المفاعل النووي في عام 2007، ولا الغارات الأخيرة» في محيط دمشق.
وحذّر محلل الشؤون العربية، أيضاً، من أن هذا القرار هو «التزام يأخذه (الأسد) على نفسه، وبالتالي سيكون له تأثير على منظومة الاعتبارات في إسرائيل».
في السياق نفسه، رأى المعلق العسكري في صحيفة «هآرتس»، عاموس هرئيل، أن التهديدات الإسرائيلية تعني أن تل أبيب «ستقفز على رأسها في الفوضى السورية»، رغم أنها تتعهد على الدوام تجنب حصول ذلك.
وأوضح هرئيل أنّ «نافذة الوقت للهجوم لا تزال واسعة نسبياً من جهة مبدئية، لكن ينبغي الأخذ بالحسبان، أنّ هناك إمكانية أن ترى روسيا، في أي هجوم مقبل، تحدياً لها».
ونقل عن مسؤولين كبار في سلاح الجو أنّ الجيش سيتمكن وقت الحاجة إلى التغلب على ما تشكّله منظومة الصواريخ السورية الجديدة من عقبة كما حصل في الماضي.
وأضاف هرئيل أنّه «يصعب الحديث عن الحدود الشمالية بمفاهيم الاستقرار، لكن الردع المتبادل ساعد على ما يبدو على إبعاد الحرب منذ جولة القتال الأخيرة مع حزب الله في عام 2006».
ورأى يوسي يهوشع، في صحيفة «يديعوت أحرونوت» أنّ «تبادل الضربات الكلامية» بين الطرفين الإسرائيلي والسوري، «يدل على مدى قابلية الوضع للتفجر، وعلى أن الخطوط الحمراء التي وضعتها إسرائيل في السنة الأخيرة إزاء سوريا، لا طائل منها وخطيرة».
وذكّر يهوشع أنه بعد يوم من الهجوم الإسرائيلي الأخير في دمشق، كان هناك «من حذَّر من أن إسرائيل سارت خطوة واحدة أكثر مما ينبغي، لجهة أنها ستقيدها عن شن هجوم على سلاح استراتيجي أهم من صواريخ فاتح 110، مثل منظومات الدفاع الجوي المتطورة التي قد تصل إلى سوريا». ولفت إلى أنّ النتيجة الأساسية للثرثرة الإسرائيلية هي «الفخ الذاتي»، باعتبار أنّه إذا وصلت صواريخ «إس 300» إلى سوريا، في نهاية المطاف، وقرّرت القيادة الإسرائيلية عدم الهجوم، نكون قد أضررنا بقوة ردعنا، وعندها سيفهم الطرف الآخر أنه لا ينبغي التعاطي بجدية مع التهديدات الإسرائيلية. أما إذا قررت القيادة في تل أبيب مهاجمة هذه الصواريخ، فعندها لا يمكننا أن نلعب لعبة الغموض (في إشارة إلى عدم التبني الرسمي)، وبالتالي لن يكون هناك مفر أمام الأسد سوى الرد الذي سيؤدي إلى جرّ إسرائيل إلى حرب ليست معنية بها.
ولفت يهوشع إلى أنّ وقف إرسال الصواريخ الروسية إلى سوريا هو مصلحة دول أخرى غيرنا، «وبالتالي لماذا ينبغي لإسرائيل أن تحتل الصدارة؟»، مشيراً أيضاً، إلى أنّ الأسد يستمع جيداً إلى ما يقولونه عندنا إذا قرّر «الرد بنفسه بعد أقل من يوم واحد من تصريحات يعلون وعميدرور».
في موازاة ذلك، رأى معلق الشؤون العسكرية في صحيفة «إسرائيل اليوم»، يوآف ليمور، أن المواقف التي أطلقها المسؤولون السوريون تهدف إلى «نقل مجموعة من الرسائل» إلى الدول الغربية وإسرائيل، مفادها أنّ «سوريا أصبحت محمية، ولهذا يحسن أن تمتنع عن الهجوم، بل عن التفكير بفرض حظر طيران في سماء سوريا». إضافة إلى أنها تريد القول للمتمردين في الداخل إنّ «النظام محميّ ومنيع ولا يحظى فقط بدعم كبير من قبيل منظومة أسلحة متطورة، بل بدعم قوي من موسكو أيضاً». وبحسب ليمور، الهدف من الرسائل هو حزب الله، أيضاً، من أجل «ألا يضعف مقابل الضغوط التي يتعرض لها».
ويؤكد معلق الشؤون العسكرية في الصحيفة العبرية أنّه لهذا السبب اختار الأسد أن يجري لقاءً صحافياً مع قناة «المنار» بالذات.
وحذر من «الاستخفاف بكلام الأسد»، رغم «التهديدات الفارغة» التي أعقبت هجمات سابقة شنّتها إسرائيل على سوريا، مشيراً إلى أنّ احتمالات تفجير الوضع الناتج من مهاجمة إسرائيل لصواريخ «إس 300»، ستتجاوز السياق المباشر بين إسرائيل وسوريا، بل قد تتطور لتتحول إلى مواجهة بين إسرائيل وروسيا.
ودعا ليمور إسرائيل إلى وقف هذا المسار الخطر، وإلا فإن المنظومة قد تصل إلى سوريا في الفصول التالية من أزمة الصواريخ ويُدفع الطرفان، بفعل هجوم إسرائيلي جديد، إلى حرب إقليمية يحتمل أن تتطور لتصبح صراعاً بين الكتلتين.
إلى ذلك، ذكرت صحيفة «معاريف» أنّ رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، لمّح خلال لقائه الأخير بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلى أنّ إسرائيل ستدمّر صواريخ «إس 300»، في الأراضي السورية، قبل أن تتحول إلى عملانية.
وأضافت الصحيفة، نقلاً عن مصادر دبلوماسية في الشرق الأوسط، إلى أن نتنياهو استخدم مصطلحات مماثلة لتلك التي استخدمها مستشار الأمن القومي يعقوب عميدرور أمام سفراء الاتحاد الأوروبي.
ونقلت «معاريف» عن شخصيات شاركت في لقاء نتنياهو – بوتين، أنّ نتنياهو كان مطلعاً على تقارير استخبارية تفيد بأنّ ثلث صفقة الصواريخ بدأت تخرج إلى حيّز التنفيذ، بما في ذلك أجزاء من منظومة الصواريخ «إس 300». ونقلت الصحيفة أنّ الرئيس بوتين عرض على رئيس الوزراء الإسرائيلي مهاجمة قوافل الصواريخ على الحدود مع لبنان، لكن نتنياهو رفض.