دمشق | رغم التقدم العسكري الذي يحققه الجيش السوري على الأرض في العديد من المدن والمناطق الساخنة، تعاني مناطق أُخرى في ريف دمشق تردّي الأوضاع الأمنية على نحو يقلق الدمشقيين، إذ أصبح الهرب من القناص والقذائف هو الهاجس اليومي والحديث المعتاد.
وضعت مقابلة الرئيس بشار الأسد بدقائقها الخمس والثلاثين، السوريين أمام الكثير من الجدل، حيث انقسم المواطنون بين مؤيد ومعارض خلال نقاشات ما بعد المقابلة، كما جرت العادة. خمس وثلاثون دقيقة من الهدوء خلال ليلة دمشق، أعقبها، وبحكم العادة أيضاً، اشتعال سماء العاصمة برصاص الابتهاج في المناطق المؤيدة، وإطلاق «الدوشكا» في المناطق المعارضة. الصواريخ والقذائف كانت بكامل إضاءتها، بسرعة غير كافية كي يراها الناظر نحو دمشق بالعين المجرّدة. أضواء تمضي، كما الشهُب، من قاسيون باتجاه حي برزة المشتعل، فيما انطلق بعضُها الآخر، بمجرّد انتهاء المقابلة التلفزيونية، من برزة نحو دمشق دون تسجيل أي إصابات داخل المدينة. في وقت لا تنام فيه بلدة حرستا على المدخل الشمالي للعاصمة من شدّة الانفجارات والقصف والاشتباكات. اشتباكات عادت للاندلاع مع بداية العمليات في مدينة القصير بعد محاولات المعارضة المسلحة السيطرة على حواجز الجيش السوري في حرستا، لما لها من أهمية وتأثير على الوضع الأمني داخل دمشق. أما الأوتوستراد الدولي بين دمشق وحمص والمارّ في حرستا، الذي يربط دمشق بالساحل السوري أيضاً، فهو مكشوف للقنّاصين الذين لا يفرّقون بين مدني وعسكري. مشهد الجثث المرميّة في عرض الشارع أصبح عادياً على طريق حرستا. ومن الممكن أن تمضي الحافلة التي تستقلها في طريقها إلى حمص على مسؤولية المسافرين الشخصية. وهُنا قد تضطر الحافلات إلى أن تحيد عن خط سيرها للابتعاد عن جثة ملقاة أرضاً أو سيارة مدنية مقلوبة، بهدف النجاة عن طريق زيادة السرعة إلى أقصى الدرجات الممكنة. قد يستغرق الاشتباك ساعة أو نصف ساعة، ويُحسَم لمصلحة أحد الطرفين، غالباً الجيش السوري، إنما الضحايا الذين يخلّفهم أرضاً من مدنيين وعسكريين تجعل صدفة الموت على ذلك الطريق كابوساً جديداً على قلوب من يضطر إلى المرور عبر الأوتوستراد للخروج من دمشق. حجم الخراب اليوم في حرستا قد تضاعف. مبانٍ كانت محروقة، فأصبحت متفحمة. منازل متهدّمة سوّيت بالأرض تماماً. ووكالات السيارات على جانبي الطريق تكسّرت، ولم تنفع جدران بُنيت من قبل أصحابها لإغلاق واجهاتها، منعاً للمزيد من التخريب. الدخان يتصاعد من عدة اتجاهات، وسط أصوات مرعبة. طريق أشباح هو الطريق من دمشق وإليها، ما اضطر الناس إلى سلك طرق أُخرى للخروج أو الدخول من وإلى العاصمة، وذلك باستخدام طريق التل - معربا. معلومات حصلت عليها «الأخبار»، تتحدث عن الاستعداد للبدء بعملية عسكرية واسعة لتأمين مدخل دمشق الشمالي. شائعات يتناقلها المدنيون في حرستا حول ضرورة إخلاء المنطقة، بعد إطلاق غازات سامة في الأجواء، اتهمت المعارضة النظام باستعمالها في مناطق جوبر والقابون وحرستا. ووصل تأثير هذه الغازات حتى شارع بغداد وسط العاصمة السورية، ما أدى إلى 300 حالة اختناق، بينها مصابون من جنود الجيش والقوى الأمنية. الأمر الذي دحض اتهامات المعارضة، بحسب أحد العسكريين الذي أكّد أن الجيش لم يستعمل غازات في تلك المناطق بدليل أن معظم المصابين هم من عناصره، إضافة إلى المدنيين. وفي السياق، قال اتحاد «المنظمات الطبية الاغاثية السورية» إنّ أعضاءها شاهدوا عشرات المرضى الذين يعانون ما يعتقد أنها هجمات بأسلحة كيميائية.
إلى ذلك، لا تزال مناطق عديدة في دمشق وريفها تعاني استمرار سقوط القذائف وقربها من تهديد مناطق إطلاق الأسلحة الكيميائية كجرمانا، فيما تبقى قصة «اللواء 39» المحاصر في عدرا منذ أشهر، تلاقي صداها بين عائلات الجنود، الذين يحاولون وداع أحبائهم عبر الهواتف النقالة بين يوم وآخر، ولا سيّما بعد ما يشيعه عناصر المعارضة المسلحة عن إعدادهم مفاجآت للعسكريين السوريين المحاصرين في المنطقة. وفي الوقت الذي يستعد فيه الجيش السوري لإعلان مناطق آمنة خارج العاصمة كالقصير، تتهيأ وحدات عسكرية أُخرى لإحكام الطوق الآمن حول دمشق، بهدف الحفاظ على صمود العاصمة السورية بيد السلطة الحالية.
وفي السياق، أعاد الجيش السوري «الأمن» إلى بلدات سكا وتل سكا والدلبة والمنصورة في الغوطة الشرقية بريف دمشق، ودمّر نفقاً بطول 200 متر وعمق نحو عشرة أمتار يصل بين حرستا وغرب الطريق الدولي دمشق حمص.
وفي القصير، حيث يقضم الجيش السوري يومياً مساحات إضافية منها، سيطر هذا الأخير سيطرة تامة على بلدة الجوادية في ريف المدينة الشمالي، وهو يعمل على السيطرة على البويضة الشرقية.
إلى ذلك أحبط الجيش محاولة مجموعة مسلحة التسلل من الأراضي اللبنانية باتجاه قرية السرحانية التابعة للقصير، كما نفذ عملية في بلدة الدمينة الشرقية، أردى خلالها أعداداً من المسلحين.
في موازاة ذلك، قال التلفزيون السوري إنّ امرأة أميركية لاقت حتفها في القتال مع قوات المعارضة، وأكّدت ذلك عائلة المرأة التي اعتنقت الإسلام، وتدعى نيكول مانسفيلد (33 عاماً) من ميشيغان.
من جهة أخرى، أكدت وزارة الخارجية البريطانية، أمس، مقتل مواطن بريطاني في سوريا. وقال متحدث باسم الخارجية «علمنا أن مواطناً بريطانياً قتل في سوريا. وجرى ابلاغ عائلته، ونحن نقدم المساعدة القنصلية». ولم تكشف الوزارة مزيداً من التفاصيل كما لم تكشف هوية البريطاني.