لا شيء يوحي بحلّ قريب للأزمة السورية. قد لا يكون «جنيف 2» بقدر الآمال الدولية المعلقة عليه. اليوم بالنسبة إلى دمشق ومعارضيها يُعمل على تلازم المسارين العسكري والسياسي. دمشق تريد ضرب «الارهاب» بالتوازي مع أي حوار مفترض، فيما الغرب يؤكد يومياً على ضرورة وقف سفك الدم السوري، بقدر ما يريد أيضاًَ ارسال شحنات أسلحة للمعارضة «المعتدلة».
الطرفان ليسا على عجالة. النظام السوري يريد تثبيت انجازاته العسكرية وتوسعة بقع سيطرته الميدانية، ليكون أي تفاوض تحت سقفه، فيما المعارضة (وداعموها) تريد انجازات نوعية لخلق توازن جديد.
ما دام الحريق السوري متواصلاً، تحت سقف الأربع عشرة محافظة، فالغرب لا يريد حلاً سريعاً. «جنيف 2» يشبه طبخة أشعل الأميركيون والروس ناراً خفيفة تحتها، مع ابقاء الغطاء مفتوحاً. التوابل تضاف كل يوم وفي أيّ لحظة.
الطرفان لا يعلمان ماذا سيقدم على مائدة الشعب السوري. ومن خلف الدولتين الكبيرتين تقف دول غربية واقليمية تريد حصة في «الطبخة» السورية.
الغرب يريد (ضمن عدة عمله) للائتلاف المعارض أن يكون ذا تمثيل أوسع. السفيران الفرنسي إيريك شوفالييه والأميركي روبرت فورد لم يغيبا عن «ماراثون» اسطنبول. اليوم يواصل «الائتلاف» اجتماعاته لليوم السابع على التوالي، دون التوصل لأيّ نتائج مرجوّة. ريف المدينة العثمانية الذي انتقل إليه المعارضون بعد انقضاء مهلة الحجز في الفندق القديم لم يضفِ على القاعة الجديدة أي مسحة هدوء.
أوقف البحث في مسألة التوسعة لتفضي إلى ستة أعضاء جدد، منهم شخصان محسوبان على المعارض ميشيل كيلو هما عالية منصور وأيمن أسود.
أمس الثلاثاء واليوم سيناقش المجتمعون ورقة «الرؤية السياسية» للائتلاف ومسألة انتخاب رئيس جديد وهيئة رئاسية، حسبما قال عضوه لؤي الصافي لـ«الأخبار». في مسألة التوسعة «لا أحد يمون على الجميع» يروي الصافي. أول من أمس، حصل سجال حاد بين شوفالييه وأعضاء من «الائتلاف» داخل قاعة الاجتماع، بعد رفض ضمّ عدد أكبر من الأعضاء. «الزعماء اتفقوا على 22 لينتهي الأمر فقط بـ8»، قال السفير منزعجاً في فيديو مسرب له، مهدّداً بقطع امداد السلاح للمعارضة.
أحد الحاضرين في هذا الصخب الاسطنبولي، يقول لـ«الأخبار» إنّ شوفالييه كان حاضراً لدى الاتفاق على أن يكون لميشيل كيلو 12 عضواً بعد ساعات من التفاوض لإنزال العدد من 25. حصل الانتخاب وتبيّن «الانقلاب»، فقال شوفالييه ما قاله بغضب شديد، مما استدعى ردوداً من بعض الأعضاء كعبد الأحد اسطيفو، الذي توجّه لـ«الضيف الفرنسي» قائلاً نحن «لا نبيع الدم السوري».
بارقة الأمل في إعادة انتخابات التوسعة قد يخّف وهجها اليوم، أيضاً، لوضوح توجّه «الكتلة القطرية» في خيارها المتصلب. وذلك بعدما التقى نائب المراقب العام للاخوان المسلمين فاروق طيفور بميشيل كيلو، في وقت متأخر يوم الاثنين، «في ما يحتمل أن يكون بادرة وفاق». وقال مصدر في الائتلاف «تحدّث طيفور أمام المجتمعين وأبلغهم بلهجة صارمة أن هذا غير مقبول. نحن نعرّض صدقيتنا للخطر».
أمس الثلاثاء لم يكن لهذا الكلام أيّ ترجمة. كيلو لم يحضر الاجتماع. معاذ الخطيب «استأذن من الحضور وسافر بسبب ارتباطات خارجية».
العضو المجمّدة عضويته كمال اللبواني، يقول لـ«الأخبار»، إنّ «رقم 22 نهائي» إذا أرادوا إعادة الأمور إلى مجاريها، ويضيف «أقل من هيك خطر، أي لا يوجد لدينا ثلث الأصوات».
«الائتلاف» عاد للمربع الأول. نتيجة توصّل إليها «الممتعضون». قد يصبح رقماً عادياً في المعارضة السورية، مثلما حدث بالمجلس الوطني، بسبب العمل على تشكيل هيئة معارضة جديدة تضمّ «المدنيين والعلمانيين»، الذين سيخرج جزء منهم من رحم «المولود الشيخ».
ويروي مصدر معارض لـ«الأخبار» واكب اطلاق المجلس الوطني السوري كيف قال شوفالييه لرياض سيف (نائب رئيس الائتلاف)، في منزله، نريد جورج صبرا رئيساً. شوفالييه، بحسب المصدر الذي حضر تلك الجلسة، أصبح بعد فترة يرى في «الممثلين الجدد» للشعب السوري من أصحاب «الأنياب» بعد فتح الأبواب التركية والقطرية لهم.
ومن «الوصي الفرنسي» إلى زميله الأميركي روبرت فورد، حيث يكثر الكلام المعلن في أروقة المعارضة عن حجم تدخل الأخير. فورد متمسّك «بغسان هيتو (رئيس الحكومة الموقتة)، ومصطفى الصباغ (الأمين العام للائتلاف)، يلفت أحد أقطاب المعارضة لـ«الأخبار». ويضيف «الرجل يقول بصراحة: نحن نعرف عملهما وهما موثوقان».
وأمس، أرسل عضو المكتب التنفيذي في المجلس الوطني السوري، مؤيد قبلاوي، رسالة إلى السفير الأميركي عبر «الائتلاف»، يقول فيها: «لقد علمنا أنك تشارك بطريقة مباشرة في مجريات توسعة اﻻئتلاف في اسطنبول... إن دماءنا لا تسري في عروقك التي ازدادت انتفاخاً بتنازلات الساسة الذين منحتهم أنت سر الوجود. إنه لمن المهين لنا أن تدخل الفندق حيث تعقد اجتماعات اﻻئتلاف وتبدأ بسن الفرمانات في توسعة اﻻئتلاف وادخالك أسماء الجنيفيين الجدد، حاملاً في جعبتك مقابلاً للرضوخ من بعض شخصيات المعارضة التي أضحت عاراً على الوطنية، يعملون كعتالين لسلة أوامرك».
ومن «الاختلاف السوري المعارض»، كما وصفه بعض الخبثاء على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى مسألة انقضاء مهلة العقوبات الأوروبية على سوريا، حيث لهذه المسألة «تداعيات سلبية على امكانية نجاح جنيف 2 بحسب دمشق وموسكو وطهران». في حين رأى المجتمعون في اسطنبول أنّ القرار «غير كاف» ويأتي «متاخراً جداً». بدوره، المتحدث باسم «الجيش الحر» قاسم سعد الدين، أمل «أن يكون القرار فعلياً لا مجرد كلام».
وفي السياق، رأى وزير الخارجية البريطاني، وليام هيغ، أنّ بريطانيا غير ملزمة بأي موعد زمني في قرارها لتسليح المعارضة أو عدم تسليحها. وأضاف «يجب أن أصحّح شيئاً واحداً، لأنني أعلم بوجود نقاشات حول موعد الأول من آب. سيجري الاتحاد الأوروبي مراجعة في هذا اليوم، وقلنا إننا قمنا بواجباتنا الخاصة في هذه المرحلة، ولذلك فاننا نعمل من أجل مؤتمر جنيف، ونحن لم نقرر اتخاذ أي قرار لارسال أسلحة إلى أحد».
بدورها، قالت باريس انها تحتفظ بحق ارسال أسلحة على الفور إلى مقاتلي المعارضة، لكنها ليس لديها خطط لأن تفعل ذلك رغم موافقة دول اوروبية على تأجيل أي شحنات محتملة حتى الأول من آب. كما أعلن البيت الأبيض دعمه للقرار الأوروبي «كجزء من جهود المجتمع الدولي لاظهار دعمه الكامل للمعارضة السورية».