الخرطوم | في خطوة تعيد رسم مستقبل العلاقة بين دولتي السودان وجنوب السودان أرسل الرئيس عمر البشير انذاراً شديد اللهجة الى الجار الجنوبي، محذراً إياه من مغبة الاستمرار في دعم الحركات المتمردة التي رفعت السلاح في وجه حكومة الخرطوم. ولكي تأخذ الدولة الجارة تهديدات البشير مأخذ الجد، أردف البشير بعبارات تحمل في طياتها الوعيد بأنه وفي حال لم توقف حكومة جوبا دعمها للحركات المتمردة فإن على الجنوب أن «يشرب بتروله»، وأن الشمال سيغلق صنبور الخط لناقل بصورة نهائية. وبالرغم من حاجة الشمال إلى تدفق نفط الجنوب والاستفادة من عوائد مروره بأراضيه، إلا أن لهجة الرئيس البشير المتصاعدة وتهديده بقفل أنابيب النفط، تشي بأن صبر الخرطوم على جوبا قد نفد بالفعل، كما يوضح أنها باتت تمتلك البديل لما يمكن أن يعوّضها الاستغناء عن الجنوب ونفطه. ذلك إذا ما حسبنا التقارب الأخير بين طهران والخرطوم في مختلف المجالات العسكرية والمادية. أيضاً لا يمكن إغفال دور الداعم والممول المهم بالنسبة لحكومة السودان، وهي حكومة قطر، التي تمسك بملف دارفور بالكامل، ولا يُستبعد أن تلعب أدواراً متزايدة في دعم مواقف السودان الخارجية مثلما تدعم الخزينة المركزية للدولة. وفيما قابلت حكومة الجنوب تصريحات البشير بكثير من ضبط النفس وعدم المبالاة، إذ لم تدل جوبا بأي تصريحات رسمية رداً على التهديدات، قال مصدر مأذون في حكومة الجنوب لـ«الأخبار» إن شعب جنوب السودان «ظل محكوماً من الرئيس البشير لمدة 23 عاماً، واعتاد على مثل تلك التصريحات».
وجدد المصدر الجنوبي مرة أخرى التزام حكومة بلاده الكامل بجميع الاتفاقيات التي وُقّعت مع السودان بما فيها اتفاقية وقف دعم وإيواء الحركات المتمردة في مقابل أن توقف الخرطوم دعمها للميليشيات الجنوبية المسلحة التي تزعزع الأمن في منطقة جونقلي.
ويذهب محللون الى أن الأجواء الحماسية التي تعيشها الحكومة السودانية عقب إعلان تحرير ابوكرشولا ذات الأهمية الاقتصادية والجغرافية من قبضة قوات الجبهة الثورية المعادية للخرطوم دفعت بالبشير الى مزيد من التصعيد على كل الاتجاهات، إذ إنه أعلن على الملأ أيضاً وقف التفاوض مع الحركة الشعبية ــ قطاع الشمال، وهو بالتالي يكون قد أوقف تنفيذ قرار أممي حمل الرقم (2046) تبناه مجلس الأمن وبموجبه وافقت الخرطوم مكرهة في وقت سابق وقبل شهر من الآن على التفاوض مع القطاع.
واعتبر المحلل السياسي عمر الحاوي، أن الوقت غير مناسب لمثل تلك التصريحات «الضارة» التي سبق أن عانى منها الشعب السوداني، قائلاً لـ«الأخبار» إن الاتجاه العام في البلاد هو «التهدئة ويجب أن إعلاء مصالح البلد فوق كل شيء».
في هذه الأثناء، اعتبر مراقبون أن خطاب البشير أوضح بجلاء نتائج القمة الرئاسية التي جمعته ورئيس دولة جنوب السودان في العاصمة الاثيوبية اديس ابابا الأسبوع الماضي، حيث حمل البشير لنظيره الجنوبي وقتذاك حزمة من الاتهامات بخصوص دعم الأخير لقوات الجبهة الثورية التي تخوض حرباً مفتوحة مع نظام الخرطوم. غير أن اللقاء لم يسهم في بناء جدار الثقة بين البلدين مرة أخرى.
ويبدو أن ثمة آراء من داخل الحكومة السودانية ترى أن حل مشاكل السودان وجنوب السودان تكمن في الحل السلمي عبر بوابة التفاوض، وأولئك يرون أن أي تشنج من قبل الحكومة السودانية يُفسح المجال أمام التيار المعادي للسلام مع الخرطوم. وبحسب مصدر حكومي، يجب على الحكومة السودانية الاعتماد على الدبلوماسية لدعم الجناح المؤيد للسلام مع الخرطوم داخل حكومة الجنوب. في المقابل، لا يزال الرئيس الجنوبي سلفا كير، يبحث عن علاقات ودية مع الشمال في ظل وجود تيارات عديدة داخل الجنوب ليس من مصلحتها أن تكون العلاقة بين البلدين ايجابية.
ووفق ذات المصدر فإن سلفاكير ميارديت، لا يمتلك كل أوراق اللعب في الجنوب حيث إن مؤسسة الجيش الشعبي لاعب رئيسي في صنع الاحداث في الدولة الوليدة، ويعتبر خارج سيطرة حكومة سلفاكير في كثير من الاوقات، بالاضافة الى أبناء منطقة ابيي من قبائل دينكا نوك، الذين يسعون في كل الاتجاهات الى عدم بناء علاقة سلمية مع الخرطوم في ظل عدم حسم ملف ابيي المتنازع عليها.