من الرّياض إلى جنيف: محاولات لـ «ترقيع الهدنة».. وأخرى لقلب الطّاولة

  • 0
  • ض
  • ض

في انتظار جلاء نتائج اجتماع «مجموعة العمل حول سوريا» المنعقد في جنيف، يستمرّ التسابق بينَ الجهود السّاعية إلى حفظ رمق «الهدنة الهشّة» في سوريا، وبينَ المُبشّرين بقرب انهيارها، ومن دون أن يبدو انعكاس الأيام الماضية على واقع السوريين صالحاً ليشكل ثقلاً كبيراً على طاولات التّجاذب السّياسي.

محفوفاً بمحاولات لإظهاره في صورة الاتفاق الفاشل، وأخرى لمنحه مزيداً من الثّقة، يدخل اتفاق وقف الأعمال القتاليّة في سوريا يومَه الرّابع. وفي ظلّ التّجاذب السّياسي في شأن الاتفاق، لا يبدو التراجع الكبير في حجم الأعمال الحربيّة ووتيرتها حاضراً في حسابات المُتجاذبين، رغم ما خلّفه من تأثير إيجابيّ في سكّان المناطق التي شملها. فعلى الرّغم من استمرار نيران الحرب في مطاولة المدنيين في بعض المناطق، غير أنّ الأيّام الثلاثةَ الأخيرة تصلحُ لتكونَ «نموذجاً يُحتذى» في نظر كثير من السّوريين الرّازحين تحت وطأة الحرب، خاصّة إذا ما قورنَت بما سبقها. ولا تنفصلُ هذه المعطيات عن الأجواء التي سبقَت إعلان عقد الاتفاق بينَ الدّولتين الرّاعيتين (الولايات المتّحدة، وروسيا)، بل تُعَدّ امتداداً لها. ولا تحتاجُ دوافع الأطراف «المُبشّرة» بقرب انهيار الاتفاق إلى تحليل كثير لفهمها، فبينما كان اللّاعبون الإقليميّون الدّاعمون للمعارضة يأملون الإقدام على خطوةٍ تُساعد المجموعات المسلّحة على استعادة التّوازن، وإيقاف التقدّم الكبير الذي حققته القوّات السوريّة وحلفاؤها على الأرض، جاءَ الاتّفاق «عكس المُشتهى». وعلى العكس من ذلك، بدا توقيت الوصول إليه مُناسباً إلى حدّ كبير لدمشق وحلفائها. وفي ضوء هذه المُعطيات، من المُرجّح أن يحتدمَ السّباق خلال الفترة القادمة ما بين «المُتشائمين» المُتنبّئين بقرب انهيار «الهُدنة»، والأطراف «الآملة» في إطالة عمرها. ويحاول أصحاب الاتجاه الأخير «ترقيعَ» الثّغر الكثيرة التي تشوب الاتفاق، سعياً إلى خلق بيئة مُناسبة تُعين على إخراج جلسات جنيف القادمة (بعد أسبوع من اليوم) في صورةٍ أقل سوءاً من الجولة الأخيرة.

بان كي مون: الهدنة طبّقت إلى حد كبير رغم بعض الانتهاكات
أمّا رفعُ سقف التصريحات المتشائمة، وصولاً إلى وصف الاتفاق بأنّه «انهارَ قبل أن يُولد» (حسب تعبير «رئيس وفد المعارضة إلى جنيف» التابع لـ«الهيئة العليا للتّفاوض») فيبدو متناغماً مع الحرص السّعودي على إبقاء حديث التّدخل البرّي لـ«التحالف الدّولي» قيد التّداول. «التّحالف بقيادة الولايات المتحدة بحث قبل اسبوعين إمكانية التوغل برّاً فى سوريا دون أن يتّخذ قراراً بهذا الشأن»، وفقاً لما نقلته وكالة رويترز عن مستشار وزير الدفاع السعودي، العميد الركن أحمد عسيري. كذلك قال المتحدث باسم «الهيئة» سليم المسلط، إنّ «الوقف الهشّ للعمليات القتالية أصبح يواجه إلغاءً كاملاً»، على نغمة متطابقة مع تصريحات الرّئيس التّركي رجب طيّب أردوغان الذي وصف الاتفاق بـ«الهش». بدوره، قال الكرملين معلّقاً على وقف إطلاق النار إنّ «العمليّة مستمرة»، وإن كان واضحاً من البداية أنها لن تكون سهلة. وقال ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الرئاسة الروسية: «رئيسا الدولتين (روسيا والولايات المتحدة) أكّدا منذ البداية أن طريق التزام وقف إطلاق النار لن يكون سهلاً». وأضاف: «لكن في الوقت نفسه كان مهمّاً للغاية التوصل إلى وقف لإطلاق النار». وطالب الكرملين بتوخي الحذر عند التعليق على مزاعم انتهاكات اتفاق «وقف النار»، لحساسية الوضع، لأنّه «ليس مستقرّاً بعد. ويمكن المرء فقط أن يجدد مثل هذه الدعوات، ونحن نعلم من التقارير الواردة من جيشنا أن الهدنة سارية». الخارجيّة الرّوسيّة بدورها، أكّدت أنّ «أنقرة لم تتراجع عن فكرة توجيه ضربات إلى مناطق سوريّة». ووصف نائب وزير الخارجيّة سيرغي ريابكوف التّصرفات التّركيّة بأنّها «بمثابة قنبلة موقوتة تحت طاولة الهدنة». ريابكوف حرص أيضاً على القول إنّ «التحضيرات العسكرية من قبل دول متاخمة لسوريا لا يُمكن ألّا تثير قلق موسكو». في المقابل، رأى الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، أنّ «الهدنة في سوريا طبّقت إلى حد كبير رغم وجود بعض الانتهاكات، ويجب أن نمدّدها لأسبوعين على الأقل من أجل توزيع المساعدات الإنسانية وتهيئة جو للحوار السياسي». وجاءت تصريحات الأمين العام لتنضمّ إلى تصريحات غربيّة بدت أشبه بمحاولة لـ«عقلنة» النظرة إلى الهُدنة تمهيداً لمنحها مزيداً من الوقت والدّفع. المتحدث باسم البيت الأبيض جوش إيرنست أكّد أنّ إدارته لم تُفاجأ «في شأن التقارير عن تسجيل خروقات لوقف إطلاق النّار في سوريا»، مشيراً في الوقت نفسه إلى أنّ «من المبكر الحديث عن فشله». وبدا لافتاً أنّ ايرنست رأى أنّ «من المبكر توجيه أصابع الاتهام إلى موسكو بخرق الاتفاق». وحرص المتحدّث على وضع الخروقات في إطار الطّبيعي والمتوقّع، قائلاً: «لقد توقّعنا ورود تقارير عن خروقات، وسنواجه بعض العثرات على طريق تطبيق الاتفاق بنجاح». وعلى النّسق ذاته قال سفير غربي في جنيف إنه «توقّع دوماً ألّا يكون وقف العمليات القتالية كاملاً». ونقلت وكالة رويترز عن السفير الذي لم تسمّه قوله: «الكل يعرف أنه ستقع حوادث. المجموعة الدولية لدعم سوريا ستناقشها اليوم. ووجهة نظرها هي التي تهمّ»، في إشارة إلى اجتماع «مجموعة العمل» في جنيف الذي امتدّ إلى وقت مُتأخّر، وعُقد بناءً على طلب فرنسي. وقال وزير الخارجية الفرنسي جان مارك أيرو في تصريحات صحافيّة: «تلقّينا مؤشرات على أن هجمات بعضها جويّة استمرّت ضد مناطق تسيطر عليها المعارضة المعتدلة، وهذا يحتاج إلى تحقق. لذلك طلبت فرنسا أن تجتمع قوة العمل المكلفة الإشراف على وقف الأعمال القتاليّة دون تأخير». ومن المُرجّح أن يخرجَ المُجتمعون بنتائج تحاول تحصين الهدنة، وتقترحُ آليّات أكثر وضوحاً لعمليات مراقبة الخروقات. وكانت وزارة الدفاع الروسية قد أعلنت مساء أمس أنّ «سبعة انتهاكات لنظام وقف الأعمال القتالية سُجِّلَت في سوريا خلال 24 ساعة». رئيس المركز الروسي للمصالحة بين أطراف النزاع في سوريا، سيرغي كورالينكو، قال في بيان صحفي إنّ «ضبّاط المركز الروسي وممثلي القوات الحكومية السورية ووحدات الحماية الشعبية سجلت سبعَ حالات لخرق الهدنة، بما فيها اعتداء مسلحي "جبهة النصرة" على المقاتلين الأكراد في محيط بلدة الأشرفية في ريف حلب، باستخدام نيران المدفعية». وذكر كورالينكو أن مسلحي "الدولة الإسلامية" يواصلون قصف الطريق الرابط بين مدينتي حماه وحلب في منطقة (خناصر ـ رسم النفل)، الأمر الذي يعرقل إيصال مساعدات إنسانية إلى سكان حلب والمحافظات المجاورة.

  • وصف الاتفاق بأنّه «انهارَ قبل أن يُولد» يتناغم مع الحرص السّعودي على إبقاء حديث التّدخل البرّي قيد التّداول

    وصف الاتفاق بأنّه «انهارَ قبل أن يُولد» يتناغم مع الحرص السّعودي على إبقاء حديث التّدخل البرّي قيد التّداول (أ ف ب )

0 تعليق

التعليقات