على الغلاف | لا يزال شبح تطور الوضع الميداني على جبهة الجولان يسيطر على مواقف القادة الاسرائيليين، وخصوصاً انه يتزامن مع اصرار على التلويح بتكرار الاعتداءات في الساحة السورية، تطبيقاً للسياسة المعلنة بمنع نقل اسلحة استراتيجية، من سوريا وعبرها، الى حزب الله في لبنان.
وفيما يبدو أن هناك تقديراً ما في الأوساط الاسرائيلية، بأن اي اعتداء مشابه لما حصل في الاسابيع والاشهر الماضية، قد يواجه بردّ فعل عملاني من قبل الطرف السوري، يتركز جزء من الاهتمام الاسرائيلي على محاولة استشراف تداعيات المرحلة التي قد تلي الضربة الاسرائيلية المفترضة المقبلة. منها ما اعلنته مصادر سياسية في تل ابيب بأن اسرائيل ستضطر من الآن فصاعداً الى «مراعاة رد فعلي سوري محتمل على أي عملية عسكرية قد تستهدف شحنات اسلحة تتجه من سوريا الى لبنان». ولفتت التقارير الاعلامية الى أن هذا الموقف اتى تعليقاً على التوتر السائد على الحدود في هضبة الجولان السوري المحتل في اعقاب استهداف الجيش السوري آلية لدورية اسرائيلية في تلك المنطقة.
من جهته، حذر قائد سلاح الجو، اللواء امير ايشل، من أنه «في حال انهيار سوريا، فإن ترسانة الاسلحة الموجودة لديها قد تتوزع وتوجه ضدنا، لافتاً الى ان الدولة السورية تتفكك بسرعة. وأكد ايشل، في كلمة له خلال مؤتمر الأمن القومي في معهد فيشر، اهمية التفوق الجوي لاسرائيل والجهود التي تبذلها سوريا للحصول على دفاع جوي. ولفت قائد سلاح الجو الى ان نظام الرئيس بشار الاسد استثمر الكثير من اجل امتلاك قدرات دفاع جوي افضل، مؤكداً أن منظومة صواريخ «اس 300»، لم تُنقَل حتى الآن من روسيا الى سوريا، على الرغم مما نشر عن هذا الموضوع في وسائل الإعلام العربية. لكنه حذر من ان امتلاكها «لا يشكل فقط تهديداً عملانياً، بل يمنح اعداءنا الثقة والتصرف بنحو اكثر هجوميةً انطلاقاً من قناعة انها تمنحهم مظلة حماية. واذا ما شعروا بأنهم محصنون سيفعلون اموراً من دونها لم يكونوا ليقوموا بها».
مع ذلك اكد ايشل ان لدى اسرائيل «حلولاً كثيرة لهذه المنظومة، وانا لا اريد الدخول في هذا الموضوع، ولكن لا توجد منظومة ليس لها حل، وانما المسألة تتعلق بالثمن الذي سندفعه». وتطرق إلى امكان نشوب حرب مفاجئة بنحو سريع، مؤكداً انه في حال نشوب الحرب سنضطر الى حسمها خلال ايام. وأوضح أنّ «من الممكن الانتصار لكن هذا يفرض علينا تفعيل نيران مكثفة»، مضيفاً: نحن الآن «في فيلم لحرب مختلفة عن حرب يوم الغفران». ورأى ان اوجه الاختلاف بين الحرب المقبلة وتلك الحرب تتمثل بـ«نطاقها، انواع التهديدات، البعد الزمني، كل شيء مختلف، وهذا يفرض علينا قدرات مختلفة كلياً، وترجمتها قدرة تفعيل نيران نوعية من قبل سلاح الجو»، مقرّاً بأن الجبهة الداخلية ستتضرر في هذه الحرب.
في الإطار نفسه، اكد نائب وزير الخارجية، زئيف الكين، أن اسرائيل لن توافق على تغيير قواعد اللعبة في هضبة الجولان، مشيراً الى أنها سترد بحزم على أي اطلاق نار باتجاه قواتها من الاراضي السورية. واضاف أن اي اعتداء في الجولان او محاولة نقل اسلحة حديثة الى حزب الله ستلزم اسرائيل بالرد. ورأى أن «نظام الاسد غير معني بمواجهة مع اسرائيل حالياً لأنه على وشك الانهيار».
من جهة أخرى، رأت تقارير إعلامية ان بيان الجيش السوري بشأن عملية إطلاق النار باتجاه قوة اسرائيلية في هضبة الجولان، يعني أن «الاسد يريد ان يقول انه على الرغم من الحرب الدموية التي يخوضها في الداخل في مقابل المتمردين، إلا انه لا يخشى من مواجهة اضافية مع اسرائيل». وبحسب التقارير نفسها، «يقدرون في اسرائيل أن من يقف وراء عملية اطلاق النار التي جرت، هو ايران التي تضغط على الاسد لفتح معركة ضد اسرائيل في الجولان». رغم ذلك، اضافت التقارير انهم في اسرائيل لا يعرفون حتى الآن ما إن كانت عملية اطلاق النار باتجاه الدورية الاسرائيلية قد أتت بناءً على تعليمات من القيادة العليا، اي الرئيس السوري، او انها مبادرة محلية من جنود الموقع السوري. ويترقبون في الجيش الاسرائيلي ليروا كيف سيتصرف الجيش السوري في المستقبل، وما إن كانت المسألة تتعلق ببداية حرب استنزاف».
ولفتت التقارير الى «وجود استعدادات عالية في منطقة الجولان في هذه الايام، ويواصلون في المؤسسة الامنية العمل بسرعة لبناء سياج حدودي على مسافة 16 كيلومتراً، الذي من المتوقع ان ينتهي في شهر تموز المقبل، ويهدف الى حماية السكان».
وفي السياق، رأى رئيس مجلس الامن القومي السابق، اللواء غيورا ايلاند، ان «ما يجري في سوريا تحول الى محطة اساسية في المواجهة بين روسيا والولايات المتحدة، وبدأ يتضح اكثر فأكثر أن روسيا تؤيد الاسد، وهو ما يشكل سبباً للقلق في تل ابيب وواشنطن». ولفت الى ان «السياسة الاميركية، التي تشمل كافة الادارات التي توالت في البيت الابيض، تهدف بنظر (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين الى الإضرار بمصالحه الثلاث الاكثر حساسية. فهم يعترضون على شرعية حكمه ولا يضيعون فرصة للتنديد بانعدام الديموقراطية في روسيا والمسّ بحقوق الانسان هناك. كذلك فإنهم يعملون في الساحة الخلفية، اي في الدول التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفياتي سابقاً، وهو ما يراه تحرشاً سافراً بروسيا، فضلاً عن المبادرات الاميركية الأحادية، التي تريد فرض وقائع امام بوتين».
واضاف ايلاند: «ما دام بوتين يرى السياسة الاميركية على هذا النحو، فسيبحث عن كل طريقة لضرب الولايات المتحدة، والوضع في سوريا يتيح له، ببساطة، فرصة جيدة لذلك». وخلص الى ان الطريق الى حل الصراع الاميركي الروسي حول الشأن السوري، بل ايضاً على ما هو أهم حول ايران، يفرض على واشنطن ان تغير سياستها العامة المضرة بروسيا، وأي محاولة للتوصل الى تسوية في شأن محدد فقط محكوم عليها بالفشل.
وشدد ايلاند على أن اسرائيل دُفعت الى خلاف بين «عملاقين»، ولهذا فإن قدرتها على التأثير محدودة. وفي هذا السياق بذل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو «جهداً حقيقياً وزار روسيا كي يقنعها بألّا تبيع سوريا صواريخ اس 300»، معرباً عن اعتقاده ان «روسيا لن تبيع سوريا هذه الصواريخ في نهاية المطاف، لكن لا ينبغي ان نتوقع من بوتين ان يمنح نتنياهو هذه الهدية عبثاً ولا ايضاً احتمال الاستجابة لطلب اميركي في هذا الشأن لأنه، من وجهة نظره، لا يتلقى إملاءات من اي احد». ودعا ايلاند الى اتفاق رزمة مع روسيا وأنّ من الافضل لاسرائيل التأثير في الولايات المتحدة بشأن علاقتها بروسيا وألا تحاول الضغط على روسيا مباشرة؛ لأن ذلك لن ينفع.