وفقاً لمعاهدة التسوية التي أبرمها الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات عام 1979 مع الحكومة الإسرائيلية، منهياً بذلك حال الحرب مع إسرائيل، تم «تحرير» شبه جزيرة سيناء. إلا أن الشواهد الميدانية تشكك في حقيقة التحرير المزعوم للأراضي المصرية في سيناء، وتجعلها عرضة للاعتداء بنحو مستمر.
ورغم عدم توافر نسخة موثقة من المعاهدة، التي تختلف عن اتفاقية كامب ديفيد الموقعة عام 1977، وكذلك تعذر الحصول على ملاحقها الأمنية، فإن الباحث المصري محمد سيف الدولة، المختص بالشؤون الإسرائيلية، نشر دراسة في آب 2011 يشير فيها إلى التدابير الأمنية الواردة في الملحق الأول للمعاهدة، وكذلك إلى انتشار القوات المتعددة الجنسيات في المنطقة الحدودية من سيناء.
فوفقاً للملحق الأمني للمعاهدة، فإن سيناء قد قُسّمت طولياً إلى ثلاث شرائح سميت من قناة السويس وحتى شريط (طابا – رفح) الحدودي مع الأراضي الفلسطينية بالمناطق (أ) و(ب) و(جـ). أما المنطقة (أ) فهي محصورة بين قناة السويس والخط (أ) بعرض 58 كيلومتراً، وفيها سمح لمصر بفرقة مشاة ميكانيكية واحدة تتكون من 22 ألف جندي مشاة مع تسليح يقتصر على 230 دبابة و126 مدفعاً ميدانياً و126 مدفعاً مضاداً للطائرات عيار 37 ميلليمتراً و480 مركبة. ثم المنطقة (ب) وعرضها 109 كيلومترات الواقعة شرق المنطقة (أ) وتقتصر على 4000 جندي من سلاح حرس الحدود مع أسلحة خفيفة. ثم المنطقة (ج) وعرضها 33 كيلومتراً وتنحصر بين الحدود الدولية من الشرق والمنطقة (ب) من الغرب، ولا يسمح فيها بأي وجود للقوات المسلحة المصرية وتقتصر على قوات من الشرطة، وهو ما عُدِّل أثناء ثورة كانون الثاني بسبب الهزيمة النكراء لقوات الشرطة أمام غضب الأهالي من بدو المنطقة (ج).
كذلك يحظر إنشاء أي مطارات أو موانئ عسكرية في كل سيناء. في المقابل، قيدت الاتفاقية إسرائيل فقط في المنطقة (د) التي تقع شرق الحدود الدولية وعرضها 4 كيلومترات فقط، وحدد فيها عدد القوات بما لا يزيد على 4000 جندي.
ويقارن سيف الدولة بين الشروط العسكرية المهينة للمعاهدة وحجم القوات المصرية شرق القناة على أرض سيناء يوم 28 أكتوبر 1973 – أي بعد التوقف الفعلي لإطلاق النار – فيذكر أنه حينها بلغ العديد نحو80 ألف جندي مصري وأكثر من ألف دبابة. لكن السادات وافق على سحبها جميعاً وإعادتها إلى غرب القناة، ما عدا 7000 جندي وثلاثين دبابة، وذلك في اتفاق فض الاشتباك الأول الموقع في 18 كانون الثاني 1974.
أما بخصوص القوات المتعددة الجنسيات والمراقبين MFO (ذوي القبعات البرتقالية) للتفرقة بينهم وبين قوات الأمم المتحدة (ذوي القبعات الزرقاء)، فقد جرى إحلالها محل الدور الرقابي للأمم المتحدة المنصوص عليه في المعاهدة وفقاً لبروتوكول لاحق وُقِّع بين مصر وإسرائيل في 3 آب 1981.
وتتشكل القوات من إحدى عشرة دولة تحت قيادة مدنية أميركية، ولا يحق لمصر – بنص المعاهدة – أن تطالب بانسحاب هذه القوات من أراضيها إلا بعد الموافقة الجماعية من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن. وتراقب القوة الأراضي المصرية فقط، أما إسرائيل فتُراقَب بعناصر مدنية فقط لرفضها وجود قوات أجنبية على ما تعتبره «أراضيها»، ومن هنا جاء اسمها «القوات متعددة الجنسية والمراقبون» MFO .
وتتحدد وظائف القوات المتعددة الجنسيات في أربع مهمات، هي: تشغيل نقاط التفتيش ودوريات الاستطلاع ومراكز المراقبة على امتداد الحدود الدولية وعلى الخط (ب) وداخل المنطقة (ج)، والتحقق الدوري من تنفيذ أحكام الملحق الأمني مرتين في الشهر على الأقل، ما لم يتفق الطرفان على خلاف ذلك، وإجراء تحقيق إضافي خلال 48 ساعة بناءً على طلب أحد الأطراف، وأخيراً ضمان حرية الملاحة في مضيق تيران. وقد أضيف إلى هذه المهمات مهمة خامسة في أيلول 2005، هي مراقبة مدى التزام قوات حرس الحدود المصرية الاتفاق المصري الإسرائيلي الموقع في الأول من أيلول 2005 والمعدل في 11 تموز 2007 ، وهو اتفاق غير معلن التفاصيل وُقِّع بعد سيطرة حماس على غزة.
ومن الجدير بالذكر أن مقر قيادة القوة في روما، وأن لها مقرين إقليميين في القاهرة وتل أبيب، وأن مديرها الحالي هو الأميركي ديفيد ساترفيلد، الذي تنتهي فترة خدمته في حزيران المقبل (شغل قبل ذلك منصب كبير مستشاري وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس للعراق ونائب رئيس البعثة الأميركية هناك، كما كان سفيراً للولايات المتحدة في لبنان). أما القواعد العسكرية للقوات في سيناء، فهناك قاعدتان: الأولى في الجورة في شمال سيناء في المنطقة (ج)، والثانية بين مدينة شرم الشيخ وخليج نعمة في جنوب سيناء، بالإضافة إلى ثلاثين مركز مراقبة في سيناء، ومركز إضافي في جزيرة تيران التابعة للمملكة السعودية لمراقبة حركة الملاحة (رغم أن السعودية لا تعترف رسمياً بإسرائيل).
أما تكوين القوات، فقد استُبعدت كل الدول العربية والإسلامية منه واقتُصر فيه على دول أعضاء في حلف الأطلسي، وتمثل القوات الأميركية وحدها ما يقرب من 40 في المئة من تعداد القوات الذي لا يزيد على 2000 جندي، يليها من حيث الحجم كولومبيا وفيجي. وتقدر الميزانية السنوية للقوات بما يقرب من 65 مليون دولار أميركي تتقاسمهما كل من مصر وإسرائيل. أما على الجانب الآخر في المنطقة (د) فيوجد ما يقرب من 50 مراقباً كلهم من المدنيين.

خدعة طابا

يرى أبناء قبيلة اللحيوات القاطنة في أراضي طابا أن الاحتفاء بتحرير طابا بعد قصة التحكيم الدولي الطويلة واستردادها بحكم محكمة العدل الدولية في لاهاي في 19 آذار 1989 ما هو إلا إهدار تام للحقوق المصرية في قرية أم الرشراش، التي سمّاها الإسرائيليون «إيلات». ولأنها المنفذ البحري الوحيد لإسرائيل على خليج العقبة، ومنه إلى البحر الأحمر، فإن أهميتها الاستراتيجية الفائقة قد تفسر ما يرويه أبناء القبيلة عن اعتقال معمّر القبيلة الشيخ مسمح اللحيوي، من قبل السلطات المصرية – بعد توقيع المعاهدة وملاحقها – وانتزاع صك الملكية الذي كان بحوزته لأرض وعقار في أم الرشراش يثبت مصريتها.
وهو السلوك الذي قد يزول استغرابه إذا ضُمّ إلى إصرار محافظ جنوب سيناء الحالي، اللواء خالد فودة، على عدم إقامة مدرسة ابتدائية في مدينة طابا، موضحاً سبب الرفض لمديرة الجمعية الأهلية السيناوية صاحبة الطلب – بعد ضغط منها – بأنّ من غير المرحب به أن يحصل استقرار وتوطين في طابا.
وفي زيارة ميدانية سابقة لواحة عين القديرات وسط سيناء، كان اللقاء مع عدد من أفراد الكتيبة المشاركة في القوات المتعددة الجنسيات من دولة فيجي، وقد قدموا من مقر معسكرهم في منطقة الجورة إلى منبع العين في بطن الجبل للمرح والترفيه وملء بعض الزجاجات من المياه التي يعتبرونها مقدسة، مخالفين بذلك الشروط التي تحددها لهم بطاقات الهوية التي يعلقونها في أعناقهم والتي تفرض عليهم إذناً مسبقاً إذا أرادوا الخروج من قاعدتهم العسكرية ومسارهم المحدد سلفاً.
وقد عبّر أبناء الواحة عن استيائهم من استباحة أفراد هذه القوات لقريتهم، في حين أنهم يحسبون ألف حساب قبل الخروج من الواحة إلى مدينة العريش مثلاً، بسبب استهدافهم من السلطات المصرية بالتضييق والتفتيش المهين والاعتقال العشوائي.

أجواء مُنتهكة

تحظر المعاهدة على الطيران العسكري المصري أن يحلق فوق المنطقة (ج)، وقد التزمت مصر ذلك ولم تحد عنه طوال العقود الطويلة الماضية، ولم يقع أي استثناء في ذلك إلا في عملية (نسر 1) التي أعلنتها القوات المسلحة لتمشيط المنطقة الحدودية بعد قصف قسم شرطة العريش بمدفعية مضادة للطائرات يوم جمعة الهوية والشريعة في 29 تموز 2011. فقد قامت طائرات الأباتشي المصرية بطلعتين جويتين بموافقة من إسرائيل لمواجهة الجماعات المسلحة في سيناء. استثناء لم يتكرر في العملية (نسر 2) التي أعقبت حادثة تصفية 16 جندياً مصرياً في نقطتهم العسكرية الحدودية (نقطة الحرية) أثناء تناولهم طعام الإفطار في رمضان الماضي (تم استبدال وجود الشرطة بوجود قوات محدودة من الجيش خفيفة التسليح في المنطقة (ج) بموافقة إسرائيلية منذ اندلاع ثورة كانون الثاني).
لذلك، حين يسمع أبناء المنطقة الحدودية (ج) أزيز الطائرات فوق رؤوسهم، فإنهم يعرفون قطعاً أنه ليس طيراناً مصرياً. فالطيران المدني القليل الذي يقلع من مطار العريش يرتفع فوق مستوى الصوت في مسارات بعيدة عن المنطقة الحدودية الشمالية الشرقية (منطقتي الشيخ زويد ورفح). وأثناء توثيق شهادة اثنين من أبناء قرية المهدية التابعة لمدينة الشيخ زويد كانت هناك طائرة عسكرية تحلق فوق القرية التي تبعد 7 كيلومترات عن الحدود مع الأراضي المحتلة (وليس مع غزة). ولأن السماء يومها كانت ملبدة بالسحب، لم يتبين ملامح الطائرة، لكن سكان القرية أوضحوا أنها طائرات الاستطلاع إسرائيلية من دون طيار، المعروفة شعبياً باسم «الزنّانة»، آخرها كان بتاريخ 15 نيسان الماضي، أي قبل 10 أيام من احتفالات تحرير سيناء، وهو الأمر الذي أكدته شهادات أبناء قرية نجع شبانة الأقرب للحدود. وقد أضاف بعض الشهود رؤيتهم لطائرات إسرائيلية مقاتلة على فترات متقطعة تقوم بعضها أحياناً بالاستعراضات البهلوانية الاستفزازية داخل الأجواء المصرية قبل أن تغادرها عائدة إلى الأجواء الإسرائيلية.



اختطاف جنود للتفاوض

انتهت زيارتي الأخيرة للشيخ زويد وقرى المنطقة الحدودية بدراما خطف سبعة من جنود الجيش والشرطة على أيدي مسلحين تابعين للجماعات السلفية الجهادية، اصطادوهم على الطريق أثناء عودتهم إلى العريش في طريقهم لقضاء إجازتهم في قراهم ومدنهم بوادي النيل. ويتضح من السياق والطريقة التي اختُطف بها، أن نية الخاطفين لا تتجه لتصفية الجنود كما حدث في واقعة نقطة الحرية في أغسطس الماضي حيث غُدر بالجنود الستة عشر، بل يشرح (س.أ) منطق الخاطفين بأنهم رأوا السلطات تستجيب لمطالب خاطفي السياح والأجانب في جنوب سيناء وتفرج عن محتجزين في قضايا مخدرات، وهم يرون ذويهم أشرف من تجار المخدرات ومهربي البشر، لذلك لجأوا إلى سلاح خطف الجنود كورقة ضغط بديلة من السياح والأجانب الذين يتركزون في جنوب سيناء ولا يزورون الشمال إلا نادراً.