تونس | الى أين تمضي تونس؟ سؤال يردده التونسيون اليوم بعد الاحتقان الذي تواصل أمس من خلال المواجهات بين قوات الأمن، معززة بوحدة من الجيش، ومجموعات من الشباب المنتمين الى «أنصار الشريعة» في الأحياء الشعبية المتاخمة للعاصمة تونس، (التضامن والانطلاقة ودوار هيشر) التي تعتبر مركزاً للسلفيين، وذلك على أثر منع وزارة الداخلية تنظيم ملتقى أنصار الشريعة في مدينة القيروان. وحسب بلاغ رسمي لوزارة الداخلية، أصيب ١١ رجل أمن بجراح، بينهم واحد إصابته خطيرة، بسبب رشقهم بالحجارة والزجاجات الحارقة.
كذلك حاول السلفيون اقتحام مقر منطقة الحرس الوطني بالتضامن والاستيلاء على مدرعة، لكن قوات الأمن نجحت في السيطرة على الوضع وأصيب نحو ثلاثة شبان سلفيين، أحدهم إصابته بليغة، بينما تتواصل المواجهات في منطقة حي التضامن التي يشبه فيها الوضع حرب شوارع كر وفر بين الأمن والمتظاهرين. ولم تستبعد بعض المصادر إعلان حظر التجوال في هذه المنطقة ذات الكثافة السكانية، والتي تعاني من الفقر والتهميش وغياب البنية الأساسية، الى حد اعتقال أحد الصحافيين من مجموعة سلفية، ثم أطلق سراحه.
وقد استعملت مآذن بعض المساجد لرشق رجال الأمن بالحجارة وقنابل المولوتوف، في حين يبدو أن هذا الانفجار للفوضى فتح الباب أمام مجرمي الحق العام والمنحرفين للتدخل، فاضطرت قوات الأمن الى استعمال الغازات المسيلة للدموع وتم إلقاء القبض على العشرات منهم. كما تم إنزال العلم الوطني واستبداله بالعلم الأسود الذي يرفعه السلفيون الذين رددوا شعارات عدائية ضد الدولة وقوات الأمن والجيش.
أما في مدينة القيروان، فقد سجلت مواجهات خفيفة بين الأمن وبعض المواطنين الذين استفزتهم الفتاة أمينة، من منظمة «فيمن»، أثناء محاولتها التعري أمام المسجد، وهي التي سبق لها أن تعرت أمام الكاميرا ونشرت صورها على شبكات التواصل الاجتماعي، إذ تعمدت كتابة «فيمن» على جدار أحد مساجد القيروان. ولدى محاولة بعض المواطنين التهجم عليها، نجح الأمن في حمايتها.
انفجار الوضع الأمني جاء بعد قرار وزير الداخلية منع تنظيم أنصار الشريعة من تنظيم الملتقى السنوي الثالث في مدينة القيروان، باعتباره تحدياً للدولة، كما منع الأمن في أكثر من جهة في البلاد حزب التحرير ومجموعات سلفية من تنظيم خيام دعوية، وذلك على أثر مقتل ضابط أمن في حي جبل الجلود والتنكيل بجثته. وقد تبين أن مجموعة سلفية مورطة في الجريمة.
لعل مواجهات أمس هي الأعنف بين الأمن والسلفيين، حيث تم إلقاء القبض على المتحدث الرسمي باسم أنصار الشريعة سيف الدين الرايس، كما تم منع الشباب السلفي من التوجه الى مدينة القيروان، إذ نظمت وزارة الداخلية حملات أمنية في كل المدن في محطات النقل لمطاردة الملتحين ومنعهم من ركوب الحافلات وسيارات الأجرة، كما ضربت طوقاً أمنياً غير مسبوق على مدينة القيروان من كل المداخل ومنعت السيارات التي تقل سلفيين من الدخول، وذلك في إجراء استباقي بعدما أعلن تنظيم أنصار الشريعة عزمه على تنظيم الملتقى حتى من دون موافقة الداخلية.
في هذا الوقت، قال المتحدث الرسمي في ندوة صحافية قبل أيام إن عدد المشاركين في الملتقى سيكون ٤٠ ألف. وتسربت بعض المعلومات، لم تؤكدها مصادر رسمية، بأن تنظيم أنصار الشريعة كان يستعد لإعلان إمارة إسلامية في القيروان وتنصيب إمام لها.
وفي سياق متصل، أعلن رئيس الحكومة، علي العريض، من العاصمة القطرية الدوحة في حوار مع قناة «الجزيرة»، أن أنصار الشريعة على صلة بعمليات إرهابية. وأكد مصدر مطلع في تونس لـ«الأخبار» أن وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس قد يكون أبلغ المسؤولين التونسيين مخاوف فرنسا كشريك أول لتونس من تنامي نشاط أنصار الشريعة الذين لا يخفون ولاءهم لتنظيم القاعدة. ولم تستبعد مصادر «الأخبار» أن تعلن فرنسا قريباً تنظيم أنصار الشريعة كتنظيم إرهابي على خطى الولايات المتحدة الأميركية التي أعلنت أنصار الشريعة في اليمن كتنظيم إرهابي.
وكان تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي قد أصدر بياناً يوم أمس أعلن فيه مساندته لأنصار الشريعة في معركتهم ضد «الطاغوت».
وطمأنت وزارة الداخلية المواطنين بأن الوضع تحت السيطرة، وطالبت صفحات الناشطين على شبكة «فايسبوك» المواطنين بمساندة قوات الأمن والجيش في معركتهم ضد «الخارجين عن القانون».
أحداث «الأحد الأسود» هذه مرشحة للتصعيد، وسيكون لها انعكاسات كبيرة على الوضع السياسي والأمني وخاصة على حركة النهضة، التي اتضح أنها تعاني من تباينات في المواقف في شأن أنصار الشريعة والسلفيين. ففي الوقت الذي ثمّن فيه جزء كبير من التونسيين قرار وزارة الداخلية بمنع اجتماع القيروان، يسيطر الخوف على الشارع من تفجر العنف بعد أحداث جبل الشعانبي خاصة.
كما تطرح هذه الأحداث سؤالاً كبيراً حول الانتخابات، ففي هذه الفوضى كيف ستكون الانتخابات وخاصة بعد تعطل هيئة الانتخابات وتحولها الى موضوع نزاع قضائي.
وأعادت هذه الأحداث الدامية فتح ملف الجمعيات الخيرية والدعاة، الذين يتوافدون الى البلاد ويشجّعون على العنف والإرهاب، ورياض الأطفال والمدارس القرآنية التي تعمل خارج القانون، والتي تندرج ضمن رؤية متكاملة لتغيير نمط المجتمع.
وقد غضت حركة النهضة الطرف على نشاط هذه الجمعيات، بل إن بعض قيادييها مساهمون بشكل مباشر في هذا النشاط الذي أفرز ظاهرة التشدد الديني التي تهدد تماسك المجتمع التونسي.
ويبدو أن حركة النهضة ستكون أول المتضررين سياسياً من أحداث أمس، إذ تتهم بعض الأحزاب الإسلامية حركة النهضة بتنفيذ جداول عمل فرنسية وأميركية لضمان موقعها في السلطة، حتى وإن تطلب الأمر تصفية «الإسلاميين الراديكاليين».
كذلك تواجه «النهضة» غضباً شعبياً متنامياَ، إذ تحمّلها المعارضة مسؤولية «الانفلات الأمني» طيلة أشهر، ما مكن مجموعات خارجة عن القانون ولا تؤمن بالدولة، ومجموعات الجريمة المنظمة، من التغلغل في المجتمع وبناء منظومة موازية للدولة.
وتعالت الأصوات أمس بضرورة التعجيل بعقد مؤتمر وطني لمقاومة الإرهاب حتى يتم الاتفاق على أرضية وطنية لاجتثاث ظاهرة العنف التي تسربت الى المجتمع التونسي المعروف باعتداله.