لازمت قطر معظم التقارير الأجنبية عن المعارضة السورية المسلحة منذ بداية عسكرة الحراك المعارض. يوم أمس، وعلى غلاف صحيفة «الفاينانشال تايمز» البريطانية عنوان واضح: قطر من إمارة إلى إمبراطورية. وبعناوين: «قطر تموّل الثوار السوريين بالمال والسلاح»، و«كيف سيطرت قطر على المعارضة السورية».تقول الصحيفة إنّ قطر أنفقت نحو ثلاثة مليارات دولار في العامين الماضيين لدعم الانتفاضة في سوريا، وهو ما يفوق بكثير ما قدمته أيّ حكومة أخرى، ولكن السعودية الآن تنافسها في تصدّر الجهات التي تمدّ المعارضة بالسلاح.
وترى الصحيفة أنّ الدعم القطري للانتفاضة في سوريا، التي تحولت إلى حرب أهلية طاحنة، تطغى على الدعم الغربي للمعارضة. وتضيف أنّه في عشرات المقابلات التي أجرتها مع زعماء المعارضة المسلحة في الداخل والخارج ومع كبار المسؤولين الإقليميين والغربيين، أكد الجميع تعاظم الدور القطري في الأزمة السورية، وأنه أصبح أمراً مثيراً للجدل.
وتروي الصحيفة أنّ «الدولة الصغيرة ذات الشهية الضخمة» تعدّ أكبر مانح للمساعدات للمعارضة السياسية السورية، حيث تقدم منحاً سخية للمنشقين، تبلغ وفقاً لبعض التقديرات خمسين ألف دولار في العام للمنشق وأسرته.
وتلفت الصحيفة البريطانية إلى أنّ المقربين من الحكومة القطرية يقولون إن إجمالي الانفاق على الأزمة السورية بلغ ثلاثة مليارات دولار، بينما تقول مصادر في المعارضة المسلحة ومصادر دبلوماسية إنّ قيمة المساعدات القطرية بلغت مليار دولار على الأكثر. وتفيد بأنّه وفقاً لمعهد «أبحاث السلام» في استوكهولم، الذي يتابع إمدادات السلاح إلى المعارضة السورية، فإنّ قطر أكبر مصدر للسلاح إلى سوريا، حيث مولت أكثر من 70 شحنة جوية للسلاح إلى تركيا المجاورة منذ نيسان 2012 حتى آذار الماضي.
وترى الصحيفة أنه على الرغم من أنّ التدخل القطري يرجع إلى النفعية والمصلحة، فإن قطر أصبحت عالقة في الاستقطاب السياسي في المنطقة، ما عرضها لانتقادات بالغة. وتقول إنّ دعم قطر للجماعات الإسلامية في الدول العربية يضعها في مواجهة مع الدول الخليجية الأخرى ويؤجج التنافس بينها وبين السعودية.
وغذّى دعم قطر للجماعات الإسلامية في العالم العربي الخلافات مع نظيراتها في دول الخليج، والتنافس مع المملكة العربية السعودية.
«أمير قطر حمد بن خليفة آل ثاني يريد أن يكون جمال عبد الناصر العالم العربي»، يقول سياسي عربي. والتوترات الأخيرة التي سبقت وتلت انتخاب رئيس وزراء الحكومة الموقتة (غسان هيتو) من قبل «الائتلاف» المعارض، والذي فاز بدعم من «الإخوان المسلمين»، دفعت السعودية لتقوية علاقتها بعدد من المعارضين السياسيين السوريين وتطويرها، وهي وظيفة كانت قد بدأت قطر في الاستحواذ عليها.
وبحسب الصحيفة، فإنّ حضور الإمارة الصغيرة، في المركز الثاني، ضمن تزويد وتوفير الأسلحة للمعارضة السورية يبعث القلق عند الغرب والدول العربية الأخرى، لاحتمال وقوع هذه الإمدادات في أيدي «جبهة النصرة»، المرتبطة بتنظيم القاعدة.
ويشير دبلوماسيون، في هذا الإطار، إلى أنّ القطريين يواجهون صعوبة في توفير إمدادات ثابتة من الأسلحة، وهو أمر كانت السعودية قد أعلنت أنّها قادرة على القيام به عبر شبكاتها الأكثر تقدّماً. وبعد فتح طريق الإمدادات عبر الحدود الأردنية إلى جنوب سوريا في الأشهر الأخيرة، كان للرياض الحصة الأكبر من هذه الإمدادات الجديدة، وذلك رغم تخوّف الحكومة الأردنية من الجهاديين، لكنها سمحت على مضض «بالدفعات» السعودية.
الغرب، من جهته، متردّد في التدخل بقوة أكبر في سوريا، لكنه ترك معارضي النظام السوري يعتمدون على الدعم القطري والسعودي والتركي منذ أواخر العام الماضي، فيما أضحت الإمارات العربية المتحدة والأردن من «الشركاء الصغار» للمعارضة السورية.
ورفض وزير الدولة القطري للشؤون الخارجية، خالد العطية، الذي يتولى سياستها السورية، الحديث عن المنافسة مع السعوديين، ونفى الادعاءات بأنّ دعم قطر للمتمردين السوريين قسّم المعارضة وأضعف مؤسساتها الوليدة.
في مقابلة مع الصحيفة، قال إنّه «في كل خطوة، نسّقت قطر مع مجموعة أصدقاء سوريا من الدول العربية والغربية»، مضيفاً: «مشكلتنا في قطر أنه ليس لدينا أجندة خفية، لذا يبدأ البعض باختراعها لك».
(الأخبار)