■ زيارتكم التضامنية لشيخ الأزهر أحمد الطيب، أين تضعونها على خريطة العمل السياسي؟ - دعم الأزهر كمؤسسة للإسلام الوسطي المعتدل وحمايتها من الوقوع في قبضة الإسلام السياسي وتوظيفها لصالح السلطة يأتي في مواجهة سياسة خصخصة الدين واحتكاره من قبل جماعة سياسية. لا بد من وضع أرضية صحيحة للصراع الدائر والذي تُعرّفه القوى المتشددة بأنه صراع الإسلام مع الكفر، وهو توصيف مخلّ لأنه يعني أن تياراً سياسياً بعينه يحتكر الدين.

وساعدت القوى السياسية المختلفة في تدعيم هذا الاحتكار بعزوفها عن التعامل مع الموروث الديني للشعب، والذي لا يحمل الخطاب المحافظ الذي يحث على طاعة الحاكم وتحريم الخروج عليه، لكنه يحمل الخطاب الثوري ويقبل الاستنارة والتقدم.
وهذا ما يجب أن تحمله مؤسسة الأزهر باستقلالها عن السلطة ونظام الحكم ورفض التدخل فيها وتطويعها لصالح الحاكم.

■ بعد ما يقرب من عام على وصول الإخوان إلى الحكم في مصر، كيف تقوّم تجربتهم؟
- النجاح ليس الوصول إلى السلطة، ولكن كيفية إدارة السلطة. ووصول الجماعات الدينية الى السلطة فرصة سانحة لتحرير الإسلام من قبضة الجماعات التي تحتكر الخطاب الديني. الإسلام في الوعي الجماعي يعني الأمان والسكينة «الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف»(سورة قريش).
تجربة الإسلاميين بعد عام لا تُعبّر عن أي من تلك المعاني. مجرد استبدال نخبة أخرى بنخبة الرئيس السابق حسني مبارك. هناك حالة من عدم الرضى تتنامى في أوساط الشعب.
والمسار الذي يتخذه (الرئيس محمد) مرسي يؤكد أنه يفشل وأنه يُعرّض المشروع الإسلامي لضربة أقوى من الضربة التي تعرّض لها المشروع القومي في 1967. لقد حمل الإخوان المسلمون الكثير من الوعود الى الشعب وهم خارج السلطة، وتبخرت كل تلك الوعود بعد وصولهم الى السلطة، هذه هي الضربة التي يتعرض لها مشروعهم.
وما حدث بالفعل اليوم أن الإخوان نجحوا وهم في السلطة في تقسيم مصر إلى مصريين وإخوان. لكن ما يجب وضعه في الاعتبار أن تقويم تجربة الإخوان في السلطة لن يقتصر على مصر فقط، فسيكون الحكم على الإخوان أممياً وستؤثر تجربتهم على مستقبل المشروع الإسلامي عالمياً.

■ إذا كان مرسي يعيد بناء نظام مبارك بآلياته، ألا ترى أن المعارضة اليوم أيضاً تستعيد آليات المعارضة في عهد مبارك والتي عرفت بأنها ديكور للنظام؟
- هناك فروق جوهرية فرضتها الثورة. معارضة مبارك، وأقصد بها الأحزاب الرسمية، كانت جزءاً من النظام. والمعارضة الجذرية لنظام مبارك جرى بناؤها خارج الأطر الرسمية والأحزاب التقليدية مثل حركة كفاية. اليوم، لم تعد الأحزاب القديمة المكون الرئيسي للمعارضة. المكون الرئيسي هم شركاء الثورة والقوى التي تشكلت في خضم الثورة صاحبة المشروع الذي لم تضعه نخبة سياسية، ولكن وضعته جماهير الثورة نفسها التي أسقطت مبارك وتسعى اليوم الى استكمال ثورتها. وجبهة الإنقاذ تعتبر واجهة سياسية لهذه القوى ولا تتبع نفس السياسات التي اتبعتها معارضة مبارك، ولكنها تقدم نفسها كبديل للنظام. مسار المقاومة المدنية لإسقاط النظام ظهر في عهد مبارك.
■ تتحدث عن إسقاط النظام، ألا ترى أن هناك إمكانية لإصلاح النظام عبر آليات انتقال السلطة؟
- إصلاح النظام مرهون بالنظام نفسه، بإدراكه درجة عدم الرضى عن أدائه واستجابته للضغوط الشعبية. ولكن هذا أيضاً يشترط ضغوطاً جماهيرية منظمة من أجل المطالب الشعبية. والمعارضة يجب أن تكون منفتحة على الخيارين «الميدان والصندوق»، أي حشد الجماهير في المقاومة السلمية لتغيير النظام أو حشد الجماهير في الانتخابات أيضاً لتغيير النظام. الثورة خلقت حقائق وأساليب جديدة والمعارضة تسير عليها.
بعض القوى لديها تقسيم نظري «ثوري وبرلماني» هذا يمثل نقطة ضعف في التفكير، والعزوف عن الانتخابات يعني ترك الساحة خالية أمام الإسلاميين والفلول، والانتخابات طريقة لبناء الحضور وسط الجماهير. استكمال الثورة والوقوف ضد هيمنة الإخوان يمثل الهدف والميدان والانتخابات يمثلان أدوات، والانقسام حولها يضعف المعارضة.
الانتخابات يمكن أن تكون خياراً ثورياً في لحظة معينة. يجب التكامل بين الميدان والصندوق والتخلي عن الجمود الفكري.

■ أعلنت تأييدك لحملة تمرد التي تجمع دعوات لسحب الثقة من مرسي، ودعوت الجميع لتأييدها. هل ترى مرسي فقد شرعيته؟
- مرسي جاء عبر انتخابات، ويجب احترام النتائج ترسيخاً لقواعد الديموقراطية، ولكن الحاكم الديموقراطي يأتي بديموقراطية ويمارس الحكم بديموقراطية أيضاً، فالحصول على السلطة بالديموقراطية لا يعفي الحاكم من ديموقراطية الممارسة.
وهنا نتذكر مثلاً الإعلان الدستوري الذي كان معادياً للديموقراطية، وسقوط شهداء من المصريين أمام قصر الاتحادية، هذه أمور تنال بالطبع من شرعية مرسي. مرسي حصل على شرعية قانونية محل نقد. لكن شرعيته السياسية سقطت بالإعلان الدستوري، وشرعيته الأخلاقية سقطت بإراقة دماء المصريين. أي أنه يحكم بشرعية قانونية مهتزة، وشرعية سياسية وأخلاقية مفقودة. ولكن ليس الخلاف بين شرعي وغير شرعي، فأي حاكم مهما كانت شرعيته وعاجزاً عن تلبية مطالب الشعب يجب مقاومته. والقضية هي في كيفية المقاومة.

■ تعالت أصوات في الفترة الأخيرة تستنجد بالجيش في مواجهة الإخوان، ما موقفك من ذلك؟
- الاستنجاد بالجيش جاء بعد استخدام العنف ضد المتظاهرين السلميين من قبل ميليشيات منظمة وغير رسمية في جمعة كشف الحساب وفي أحداث الاتحادية. قبل ذلك، كان الاحتكام الى قوة الجماهير. وجبهة الإنقاذ مثلاً ظهرت كبديل سياسي وليس كبديل في مواجهة ميليشيات الإخوان. كذلك ظهرت هذه الدعوات عندما تناثر لدى الرأي العام أنباء عن وجود صراع بين المؤسسة العسكرية والإخوان. ولكن يجب التأكيد على أن استدعاء الجيش يهدف في جانب منه إلى التقليل من قيمة المقاومة المدنية. والحقيقة التي لا يمكن تفاديها هي أن هذه الثورة غير مرشحة للاكتمال إلا عبر القوى الشعبية التي بدأتها في 25 يناير. إذا تدخل الجيش فقد يلقى قبولاً لدى قطاعات جماهيرية ونخب، إذا كان لحماية الجماهير من العنف المنظم وتمكين الجماهير من استكمال دورها، لكنه غير مؤهل للحكم. هذا هي حدود الدور المقبول من الجيش.

■ كيف ترى التعديلات الوزارية الأخيرة؟
- طلبنا حكومة كفاءات وطنية مستقلة، ولا نريد حقائب بها ولا تكون ائتلافية، ولكن باتفاق على حقائب بعينها «رئيس الحكومة، الداخلية، العدل، الإعلام، الحكم المحلي، الشباب، المالية، التموين» لأن هذه الوزارات على صلة مباشرة أو غير مباشرة بإدارة الانتخابات المقبلة وضمان نزاهتها. وما جرى كان العكس تماماً. فقد حقق التعديل الأخير المزيد من الانحياز بإضافة المزيد من الوزراء الإخوان أو بشخصيات ليست محل اتفاق. أي أن مرسي ألقى بالقفاز في وجه المعارضة ورفض التفاهم. لقد قدمنا بالفعل حلاً سياسياً لما تشهده مصر، واعتبرنا أن تغيير الحكومة والنائب العام وقانون الانتخابات إجراءات لو تم الاستجابة لها فإنها ستفتح مخرجاً للانقسام الحاصل وتفتح أفق الحوار الوطني حول القضايا الرئيسية «العدالة الاجتماعية، الأمن، القصاص العادل للشهداء، العدالة الانتقالية واسترداد الأموال المنهوبة، التوافق على الدستور، المصالحة الوطنية والاتفاق على المشروع الوطني». النتيجة أن مرسي لا يريد حواراً وطنياً ولا مصالحة، ويغلق كل الأبواب في وجه جبهة الإنقاذ وأيضاً في وجه كل القوى خارج جماعة الإخوان حتى الإسلامية منها.

■ كان لكم لقاء مع وفد صندوق النقد الدولي، ما رأيكم في قضية قرض الصندوق لمصر؟
- رفضنا لقرض الصندوق ليس على أساس أيديولوجي وفكري، ولكن على أساس الخبرات والتجارب السابقة مع الصندوق. وفي لقائنا هذا اشترطنا للموافقة على القرض ألا يُحمّل الفقراء أعباءً جديدة، وعدم فرض استخدامات للقرض وتركه للأولويات الوطنية، وبالتالي نحن نرفض استخدام القرض في سد عجز الموازنة لعدم شفافيتها، وطلبنا توجيه القرض لمشروعات إنتاجية وتوفير فرص عمل.

■ كيف ترى ما تشهده سوريا خاصة بعد العدوان الصهيوني؟
- العدوان الصهيوني على سوريا جريمة جديدة من جرائم الصهيونية ضد الشعب السوري، وأعني كل الشعب السوري. وما يجري في سوريا اليوم هو حرب إقليمية بالوكالة تدور على الأرض السورية. أطراف إقليمية ودولية تكرس دعماً معلناً وخفياً لأطراف الأزمة، والشعب السوري يدفع الثمن.
يجب التأكيد على أن مستقبل الشعب السوري في وحدة الأراضي السورية، وأي مشروع جاد لحل الأزمة يجب أن يؤسس على اختيار شعبي سوري.
هناك قوى شعبية سورية لها رؤية في الأزمة يجب النظر لها بجدية. وهناك خياران خاطئان:
الأول استمرار بشار (الأسد) الذي أراق الدماء السورية، والثاني الميليشيات المدفوعة من أطراف خارجية وتهدر الدم السوري لصالح قوى دولية وإقليمية. سوريا بحاجة إلى بلورة خيار شعبي نابع من قوى شعبية سورية لها موقف حاسم من نظام بشار ومن الميليشيات في الوقت نفسه.



تأسس التيار الشعبي على مبدأين، أولهما خلق بديل ثالث للكتلة الواسعة التي أظهرت الانتخابات أنها لا تنتمي إلى التيار الديني ولا الى نظام حسني مبارك كمحاولة لكسر الاستقطاب الثنائي، وثانيهما ربط المطالب السياسية بمطالب العدالة الاجتماعية لاسترداد المضمون الحقيقي للثورة المصرية.