لقاء مجاملات تميّز بيد إيرانية ممدودة وقبضة سعودية مرتبكة، جملة تختصر لقاء وزيري الخارجية سعود الفيصل وعلي أكبر صالحي في جدة قبل يومين من الزيارة التي كانت مقررة وزير الخارجية القطري حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني لطهران اليوم، في ظل تصدّع في الموقف الخليجي من سوريا، تحاول الرياض التعويض عنه بجهد لتأطير حراكها مع الأردن وقطر والإمارات ومصر وتركيا بسقف رفض أي «مكان» للرئيس السوري بشار الأسد في أي تسوية مقبلة.
مصادر إيرانية رفيعة المستوى تقول إن السلطات القطرية استعجلت زيارة حمد لطهران وطلبت أن تتم يوم الاثنين، لكن الرد الإيراني كان سلبياً، محدداً الأربعاء موعداً لها، قبل أن تعلن طهران تأجيل الزيارة «لارتباط صالحي بموعد طارئ». وتضيف إن «زيارة صالحي لجدة كانت أحد أسباب الموقف الإيراني. أما الاستعجال القطري فيعود على الأرجح إلى حال التصدع الذي يصيب الموقف الخليجي، فضلاً عن شعور لدى الفريق العربي المعادي لنظام (الرئيس السوري بشار) الأسد بأنه سيخرج من المولد بلا حمص». وتوضح «بات واضحاً أن سقف التسويات على المستوى الإقليمي ستحدد إطاره السعودية وإيران، بينما تقف قطر في موقع المتفرج»، مشيرة إلى أن «حمد آت بحثاً عن موقع له في التوافقات الجديدة»، مستبعدة أن يكون يحمل أي رسالة غربية. وتأتي زيارة الشيخ القطري بعد يومين من لقاء جمع وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي ونظيره السعودي سعود الفيصل على هامش مجموعة الاتصال المنبثقة عن منظمة التعاون الإسلامي حول الأزمة الراهنة في مالي في جدة. مصادر دبلوماسية عربية، شاركت في مؤتمر جدة، ترى أن اللقاء، الذي استمر لنحو ساعتين من الزمن، «كان جيداً على مستوى الشكل، ذلك أن الفيصل أخذ صالحي بالأحضان لدى استقباله، وودعه إلى باب السيارة في بادرة هي الأولى من نوعها بين الرجلين».
وتكشف المصادر نفسها، وهي على اطلاع وثيق على ما دار في الاجتماع، عن أن «صالحي عرض على الفيصل كل ما في جعبته حول جميع الملفات. كان حريصاً على التأكيد أن إيران تمد يدها إلى السعودية، وأنها أرسلت خلال الأشهر الماضية أكثر من خمسة موفدين إلى المملكة». وشدد صالحي، بحسب هذه المصادر، على «أننا مقبلون عليكم». وحث الفيصل على ضرورة المشاركة الفعالة في اللجنة الرباعية (حول سوريا) التي تضم أيضاً مصر وتركيا، مشيراً إلى أن طهران لا تزال عند عرضها، الذي لم ترد عليه السعودية بعد، في شأن عقد الاجتماع المقبل للجنة في الرياض.
كذلك أعرب صالحي عن تأييده للمبادرة المصرية بتوسيع هذه اللجنة لتصبح ثمانية، مع إضافة الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي والأمم المتحدة وسوريا. وكرر صالحي الموقف الإيراني في الشأن السوري، من حيث تأييده وقف العنف والحل السلمي، على أن يكون الحل في إطار إقليمي لا تكون المجموعات المسلحة طرفاً فيه، عبر نزع فتيل التوتر مع الرفض المطلق للتدخل الأجنبي، مؤكداً استعداد بلاده لبذل الجهود من أجل إنجاح مؤتمر جنيف ـــ 2. كما أعرب عن استعداد إيران الكامل للتعاون من أجل ضمان أمن الخليج.
في المقابل، كان لافتاً امتناع الفيصل عن التعاطي المباشر مع أي مقترح قدمه الضيف الإيراني. بل إنه امتنع عن ذكر اسم أي دولة. الاسم الوحيد الذي خرج من فمه كان اليمن. أعرب، على ما تفيد المصادر نفسها، عن «قلق السعودية من تعاظم حضور إيران ونفوذها في المنطقة»، مشيراً لصالحي إلى «أننا لا نعرف من أين نبدأ معكم».
سأل الفيصل بالاسم عن اليمن الذي يبدو أنه بات يشكل كابوساً ثانياً للرياض بعد البحرين. قال «إلى أين أنتم ذاهبون؟ ماذا تريدون أن تفعلوا؟ نشعر أن المنطقة مضطربة. أمن الخليج الذي تتحدثون عنه بحاجة إلى خطوات أكثر حذراً». ثم فتح موضوع البحرين، من دون أن يسميه، كدليل على حال عدم الطمأنينة التي تشعر بها الرياض من السياسة الإيرانية. رد عليه صالحي بالتأكيد على استعداد إيران لمساعدة البحرين على الخروج من أزمتها. ولمّح إلى استعداد طهران للاستجابة للمقترح البحريني بإرسال موفد إيراني إلى المنامة للتوسط، لكنه رفض الشرط البحريني بأن تكون هذه الخطوة سريّة، باعتبار أن «ليس لدى إيران ما تخجل منه أو تخفيه».
عندها، قال الفيصل، الذي تجاهل الموضوع السوري والمقترح المصري، «أهلاً وسهلاً بهذا الكلام». قبل أن يضيف «لم نرتب أوراقنا بعد. لم نحصل على تفاصيل الاتفاق الأميركي الروسي لنحدد موقع كل واحد وأين يقف»، ملمحاً إلى أن الوقت لا يزال مبكراً على تسوية سورية.
ومنعاً لأي تفسير بأن يكون أقفل الباب وراء صالحي، تعمد الفيصل توديع ضيفه الإيراني إلى باب سيارته. وتختم المصادر، في تقويمها للقاء، «أنه في الظاهر كان لقاءً ودوداً ولطيفاً، لقاء مجاملات. أما في المضمون فكان عبارة عن يد ممدودة إيرانية وصدمة ودهشة سعوديتين».
وترى أوساط متابعة للعلاقات الإيرانية السعودية أن طهران «تحاول إيصال رسالة للرياض مفادها أن عليها أن تقتحم، هي ومصر، التسوية الإقليمية قبل أن يفوتهما القطار فتصبحا ذيلاً لقطر وتركيا. وهذا طبعاً لا يجوز لما للسعودية من مكانة دينية ولمصر مكانة في الوجدان القومي العربي». وتضيف «غير أن السعودية، التي تسلمت الملف السوري من قطر حديثاً، يبدو أنها مقتنعة بضرورة التصعيد في أكثر من جبهة إقليمية، مرحلياً، في محاولة للإمساك بأوراق مهمة تقوي موقفها عندما يحين وقت الجلوس إلى طاولة التسوية». وفي ما بدا انعكاساً مباشراً وفورياً لموقف السعودية السالف الذكر، ذكرت وكالة الأنباء الإماراتية أمس أن وزراء خارجية السعودية والأردن وقطر والإمارات ومصر، بالإضافة إلى تركيا، أكدوا في اجتماع ليل الاثنين ـــ الثلاثاء في أبو ظبي أنّه «لا مكان» للرئيس السوري بشار الأسد في مستقبل سوريا، مشيرة إلى أنهم بحثوا خلال اجتماعهم في المؤتمر الدولي الذي اقترحت الولايات المتحدة وروسيا عقده حول هذا البلد. ورأى وزراء خارجية الدول الست أن اتفاق جنيف يشكّل «أساساً مناسباً للوصول إلى هذا الحل إذا ما تمت تلبية التطلعات الشرعية للشعب السوري»، مشددين على «مسؤولية النظام السوري عن العنف المستمر»، ومجددين دعمهم «للمجلس العسكري السوري ودوره المركزي في إحداث تغييرات متطورة وإيجابية على الأرض». كما أكدوا «دعمهم للائتلاف كممثل شرعي ووحيد للشعب السوري»، معبرين عن ترحيبهم «بتوسع الائتلاف من أجل جبهة موحدة وقوية تعكس التنوع في المجتمع السوري».
يشار في هذا المجال إلى أن السعودية أرجأت على ما يبدو افتتاح سفارتها في بغداد، الذي كان مقرراً بداية هذا الشهر، في خطوة تعود لأسباب «فنية» على ما تفيد السلطات العراقية، التي يبدو واضحاً أنها تتعمد، منذ أسابيع، تحييد السعودية وتركيز هجماتها على تركيا وقطر، في تكتيك جديد توّج قبل أيام بمقابلة مع الزميلة «الحياة» لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي كان لافتاً فيها مستوى التودد للسعودية. ومع ذلك، لا صالحي أثار الموضوع العراقي، ولا الفيصل ذكر اسم العراق.

عُمان: ليس كل الخليجيين قطر

حراك إيراني خليجي، يأتي بعد أيام من زيارة وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي لطهران في زيارة بالغة الدلالة، أكد فيها الضيف العماني اقتناع مسقط بـ«نجاح إيران في إدارة الأزمة السورية»، وكشف لنظيره الإيراني عن وجود «تصدّع في الموقف الخليجي من هذه الأزمة»، موضحاً أن «ليس كل الخليجيين قطر». وشجع بن علوي، بحسب مصادر متابعة للزيارة، طهران على «الانفتاح على السعودية»، مشيراً إلى أن «توجه إيران نحو الأردن ومصر مفيد ويسهم في نزع فتائل التوتر في المنطقة». وأبلغ بن علوي صالحي بقبوله دعوة الجمهورية الإسلامية لحضور مؤتمر أصدقاء الشعب السوري الذي تعتزم إيران عقده قريباً، معتبراً أن إيران «في جنيف 2 لا شك في أنها ستكون رقماً أساسياً». وفي ملف العلاقات الثنائية، شدّد بن علوي على المزيد من التواصل والتعاون.
وترى أوساط متابعة أن سلطنة عمان «تحجز لنفسها مقعداً في التوافقات الإقليمية التي يمكن أن تحصل بين إيران والسعودية ومصر»، مشيرة إلى «وجود قرار سلطاني يعتبر إيران أولوية في السياسة الخارجية لعمان». ومن بين الأمور اللافتة في علاقة الجانبين، وجود خط طيران يومي بين مسقط وطهران، برغم أنه محل خسارة على المستوى التجاري، لكن عُمان تعتبره رسالة تقارب مع الجمهورية الإسلامية.