اسطنبول | كانت المحاولة الأولى من أنقرة لجر الحلف الأطلسي الى مغامراته في سوريا عندما هدد المسؤولون الأتراك وتوعدوا دمشق بالرد العسكري المباشر على إسقاط الطائرة الحربية التركية في الأجواء السورية في 22 حزيران العام الماضي، ورفض الحلف هذا الطلب لمعرفته بخفايا الأزمة. كذلك ناشدت أنقرة الحلف للتدخل في سوريا بعدما أصيب شرطي تركي بجراح على البوابة الحدودية في منطقة كيليس، وعندما لاحق الجيش السوري مجموعة من المسلحين الذين دخلوا الأراضي السورية من تركيا وتصدى لهم الجيش فعادوا الى حيث جاؤوا. الحلف الأطلسي اعتبر آنذاك هذه الحجة غير جدية، وقال إنها لا تستحق حتى الرد عليها.
وتكررت الطلبات التركية من الحلف ومن الحليف الأكبر واشنطن لمساعدتها في موضوع سوريا على الأقل لإقامة منطقة عازلة داخل الأراضي السورية لمنع المزيد من الهجرة.
وقال وزير الخارجية أحمد داود أوغلو آنذاك إنه إن تجاوز عدد اللاجئين 100 ألف، فإن تركيا ستقيم هذه المنطقة بمفردها.
أما موضوع إعلان مناطق للحظر الجوي شمال سوريا، فقد كانت مرفوضة منذ البداية من قبل الحلف والحلفاء، على الرغم من الاستفزاز القطري والسعودي لأنقرة حتى تقوم بذلك بمفردها.
أما المسؤولون الأتراك، فقد وجهوا الاتهام لدمشق بتدبير الاعتداء في الوقت الذي يعرف فيه الجميع أن الجماعات المسلحة وفي مقدمها جبهة النصرة تسيطر على الطرف الآخر من الحدود، فإن دخول أي عنصر من عناصر الاستخبارات السورية الى المنطقة وبسيارة مليئة بالمتفجرات شبه مستحيل. وكالعادة، رفض الحلف الأطلسي أن يكون طرفاً في القضية على الرغم من استنكاره للتفجيرين.
ويبدو أن هذا الاعتداء اتخذ طابعاً أكثر أهمية بسبب توقيته الزمني، لأنه جاء قبل 5 أيام من الزيارة المهمة التي سيقوم بها رئيس الحكومة التركي رجب طيب أردوغان لواشنطن، حيث سيطلب من الرئيس الأميركي باراك أوباما أن يتدخل عسكرياً في سوريا بحجة الأسلحة الكيميائية. وقال إنه على يقين تام بأن الجيش السوري قد استخدمها.
أما تفجيرا الريحانية فسيكونان الحجة الثانية التي سيسعى أردوغان من خلالها إلى إقناع أوباما بالتدخل العملي ضد النظام، الذي بات يشكل خطراً على المنطقة بأكملها، حسب رأي
أردوغان.
وقد تنظر واشنطن الى هذا الاعتداء الأخير من زاوية أخرى وهي مسؤولية «النصرة» عنه، إذ سبق للأميركيين والأوروبيين أن عبّروا عن قلقهم من جبهة النصرة وأمثالها وعبر الحدود التركية _ السورية.
ودفع ذلك «النصرة» إلى إرسال رسائل واضحة إلى العواصم الغربية وأنقرة حتى تتراجع مسبقاً عن أي موقف معادٍ لها. فقد شهدت مدينة أكجاقلعة قبل أسبوعين هجوماً شنه نحو ألف من السوريين على البوابة الحدودية التركية وحاولوا اقتحامها عنوة، فتصدى لهم رجال الأمن التركي وقتلوا واحداً منهم وأصابوا 9 آخرين بجراح.
وقيل آنذاك إن «النصرة» هي التي تقف وراء الحادث. لكن السلطات التركية تجاهلت ذلك، كما تجاهلت منذ البداية نشاط وتحركات عناصر النصرة وأمثالها والذين استفزوا الشارع الشعبي التركي، وخاصة في مقاطعة أنطاكيا.
فمعظم سكان أنطاكيا من العلويين وهم امتداد للعلويين السوريين، بينما مدينة الريحانية بالكامل من السنة، ونصف سكانها من القبائل العربية، التي لها امتداد في الطرف السوري، ما يعني أن اختيار الريحانية ضمن مقاطعة أنطاكيا له أبعاد استراتيجية بالنسبة إلى منفذي التفجيرات أياً كانت انتماءاتهم وحساباتهم التي يعرف الجميع أنها ستبقى خفية طالما أن الحساب الأكبر بات أكثر غموضاً وتعقيداً.
يفسر كل ذلك استمرار القتل والاقتتال في العراق حتى بعد انسحاب الجيش الأميركي. فالبعض يريد لسوريا أيضاً أن تكون مثل جارتها حتى بعد الحل السياسي في إطار اتفاق الروس مع الأميركيين، والذي لم ترتح له أنقرة والعواصم الإقليمية، وفي مقدمها الدوحة والرياض وتل
أبيب.