تخيّلوا المأساة. ازداد عدد اللاجئين الفلسطينيين في العالم لاجئاً إضافياً. هو ليس لاجئاً عادياً، بل لاجئ فخري فوق العادة. «بعد الكبرة»، كرّموه وجعلوه لاجئاً. مبروك لفلسطين لاجئها الجديد: الشيخ يوسف القرضاوي. كان الرجل مبتسماً عندما تسلّم جواز سفر السلطة الفلسطينية الجديد. رئيس حكومة «حماس» إسماعيل هنية غار من الرئيس الفلسطينيي محمود عباس الذي اعتاد توزيع جوازات سفر فلسطينية على «اللي يسوى وما يسواش». ومن مبدأ «ما حدا أحسن من حدا»، أعطى هنية القرضاوي جوازه الجديد.
ربما غاب عن بال الشيخ أن ما تسلّمه في يمينه نتاج اتفاقية أوسلو التي اعتاد مهاجمتها. لا يهم، فجوازه غير معترف به قانونياً، لأن هذه الوثيقة لا يمنحها قانونياً إلا شخص واحد «محبّب» على قلبي القرضاوي و»حماس». من؟ محمود عباس.
حسناً، أصبح القرضاوي لاجئاً. ربما يجب على الحكومة القطرية أن «تفتح» مخيماً له وحده وعلى حسابها في الدوحة. يمكنه أن يسميه «مخيم حمد لنصرة الربيع العربي» برعاية الناتو. بإمكان المهندسين الأجانب أن يأتوا الى مخيمات بيروت ليعرفوا كيف تبنى المخيمات. أعان الله قلب الشيخ الجليل ماذا سيحتمل؟ اللجوء الجديد الذي فرض عليه؟ العيش داخل المخيمات؟ أم الدعاء لنصرة «الثورة» في سوريا؟
كل هذه الهموم في كفّ وهمّ وكالة الأونروا في كفّ أخرى. تخيّلوا القرضاوي على باب أحد مستوصفات الأونروا. الأكيد أن صلواته ودعاءه لن ينفعاه عندها بشيء. لطالما سمعت نساءً ومسنين يدعون ويترجون الموظفين لمساعدتهم. لم يستجب لهم أحد، والقرضاوي بالطبع ليس أفضل منهم، فهو مثله مثلهم... لاجئ. بالطبع «النكايات» الفلسطينية لا تنتهي بإعطاء القرضاوي جواز سفر فلسطينياً، إذ قامت وزارة الداخلية في الضفة الغربية «ع السريع» بإصدار مذكرة قالت فيها إن الجواز الذي يحمله «شيخ الربيع العربي» مزوّر. وطالبت الدول التي تعترف بالدولة الفلسطينية بـ«ضبط حامل الجواز واسترداده وفق القانون الدولي»، و«يا عيني» على القانون الدولي الذي هددوا القرضاوي به «شو قوي». ما لم يؤخذ في عين الاعتبار هو أن القرضاوي لم يحصل على جواز فلسطيني فقط، فهنية أعطاه أيضاً رقماً وطنياً، أي هوية، إضافة الى الجواز. والرقم الوطني، لمعلومات الشيخ، «مش وطني ولا شوي». لأن من يصدر هذا الرقم هو دولة الاحتلال الإسرائيلية. يعني أن مصيبة الشيخ مصيبتان، طبعاً إذا افترضنا أنه يعتبرها كذلك: جواز صادر عن نتاج اتفاقية أوسلو، ورقم وطني صادر من الاحتلال الاسرائيلي. وفي عزّ نشوته بفلسطينيته الجديدة، دخل 60 ألف مستوطن الى المسجد الأقصى. منع رفع أذان العشاء فيه لئلا ينزعج المستوطنون. «شيخ الربيع العربي» لم يعلق، وكأن هذا الموضوع لم يحصل.
المهم، هل تصدقون أني فلسطيني والقرضاوي أيضاً؟ هو لم يهجّر من قريته، بل ترك وطنه الأم مصر. أي إن القرضاوي هو في الأصل لاجئ مصري في قطر. لكن السلطة التي كانت تهدد حياته رحلت، فلماذا لا يعود إذاً ليستقر في وطنه؟ ربما كان الرجل يتدرب على فكرة اللجوء.
يا إلهي كم تحرق المتاجرة بالهوية الفلسطينية القلب. جنسية هي فخر لحاملها، لكن يرمى بها يمنة ويسرة كأنها «الضيافة» الفلسطينية الأهمّ. لا أعرف إن كان القرضاوي يؤمن بحق العودة.. لكن إلى أين؟
أيها العباقرة: فلسطين أكبر منكم جميعاً. وهناك من غير الفلسطينيين من هم فلسطينيون أكثر منكم مجتمعين. هؤلاء من يستحقون الهوية. هل تعرفون جورج إبراهيم عبدالله مثلاً؟