عمان | يعكس منصور أبو راشد، اللواء المتقاعد ومدير الاستخبارات العسكرية الأردنية الأسبق، صورة بليغة لإنكار الواقع؛ مشتركاً مع شخصيات تمثل النظام وأخرى أحيلت على التقاعد، تصرّ على تسويق معاهدة وادي عربة الموقعة عام 1994 مع العدو الاسرائيلي، بذريعة استعادة الأردن أراضيه ومياهه المحتلة، رغم بقائها تحت الاحتلال تحت عنوان استئجارها مدة 99 عاماً. المستقبل الذي وقّعه رجل الاستخبارات مع عدّوه أسس للمملكة الهاشمية الرابعة ضمن مسارين متلازمين: الحفاظ على العلاقة مع المحتل وأمنه، وإخضاع الأردن لسياسات صندوق النقد الدولي. وتتلازم مع هذا التأسيس أدوار خطيرة وخدمات صغيرة يقدّم بعضها أبو راشد عبر إنشاء مركز عمّان للسلام والتنمية عام 2000، الذي تغطي جدرانه صور التُقطت له مع قيادات اسرائيلية، وأخرى تجمعه بالملكين: عبد الله الثاني وحسين.
يتفاخر الجنرال المتقاعد بالأنشطة التي يقيمها مركزه، بل إنه رفع دعوى قضائية ضد مجموعة من الناشطيين السياسيين، العام الفائت، بعد اقتحامهم مكتبه احتجاجاً على تنظيمه زيارة برفقة عدد من الضباط المتقاعدين في مدينة القدس المحتلة في الذكرى الـ45 لنكسة حزيران، والاحتفال في موقع «الذخيرة» الذي شهد هزيمتهم، برعاية مؤسسة «فريدريش إيبرت» الألمانية و«منظمة التعاون الاقتصادي» الصهيونية.
مواقع الكترونية أردنية كشفت تنظيم «عمّان للسلام والتنمية» عدداً من اللقاءات شارك فيها ضباط متقاعدون ووزراء وسفراء سابقون، ومدير معهد الشرق الأوسط للأمن ناصر بن ناصر، مع عسكريين وسياسيين اسرائيليين.
استبطان الهزيمة لدى المقاتل «السابق» ألهمه تفسيرات خاصة حول ماضيه وحاضره، وتقبّل المغتصب صديقاً جعله ينتقل إلى أطوار جديدة من الشراكة، كان آخرها الإعلان عن انضمام مركزه إلى مشروع «بحرنا Mare Nostrum» – التسمية الرومانية القديمة للمتوسط - المموّل من الاتحاد الأوروبي ضمن برنامج «التعاون عبر الحدود» Cross-border Cooperation ، الذي يديره معهد التخنيون الإسرائيلي للتكنولوجيا في حيفا المحتلة. «عمان للسلام والتنمية» هو الشريك العربي الوحيد إلى جانب الشركاء الأحد عشر من إسبانيا ومالطا واليونان وإسرائيل. وتتكشف مهمته بـ «التنسيق مع دول شمال أفريقيا» المستهدفة ضمن المشروع التي تديره الأكاديمية الإسرائيلية راشيل الترمان؛ ليؤدي بذلك دور الوسيط في التطبيع بين دول وجهات عربيّة، والكيان الصهيوني، بحسب الموقع الالكتروني للمشروع.
يدّعي رعاة المشروع أن هدفه الرئيس يتمثل في «استكشاف طرق جديدة لحماية ساحل البحر الأبيض المتوسط»، والخروج ببدائل وحلول لمشاكله البيئيّة (إلى جانب غيرها) تتسق مع مصالح دوله المتشاطئة، في إطار الالتزام باتفاقية برشلونة 2006 وبروتوكول مدريد Integrated coastal zone management الموقع بينها عام 2008، علماً بأن إسرائيل تتصدر مع فرنسا وإيطاليا وإسبانيا المساهمة بثلاثة أرباع إجمالي التلوث في المتوسط، وتثبت تقارير صحافية عدة مخالفاتها المتتالية لجميع المواثيق الدولية الموضوعة.
ويسعى المشروع إلى التخطيط المشترك بين دول المتوسط لزيادة إمكانية الوصول إلى البيانات المكانية، وتعزيز الحوار بينها، وبالطبع لا يغفل مهندسو «بحرنا» تأكيدهم على «تشجيع التخفيف من حدة الصراعات والحوار بين الثقافات». وقد جرى إطلاق المشروع مطلع الشهر الفائت في عاصمة دولة الاحتلال بمنحة من الاتحاد الأوروبي بقيمة أربعة ملايين وثلاثمئة ألف يورو.
الوسيط أبو راشد يتعامى عن حقائق دامغة تتصل بحالة الإنكار التي توضحها مقدمة المقال، فإسرائيل هي الدولة الوحيدة التي تدفن النفايات الصناعية والزئبق في عرض المتوسط، وهي لا تزال تمتنع حتى اليوم عن توقيع اتفاقية حظر دفن المخلَّفات الصناعية، فضلاً عن قيامها بضخ مياه الصرف الصحي في البحر.
الدور المشبوه الذي يقوم به معهد عمّان للسلام والتنمية ومديره منصور أبو راشد لم يمر مرور الكرام في عمّان، حيث حذرت قوى وحركات شبابيّة وشعبيّة، في بيان مشترك لها، الدول العربية المستهدفة من هذا المشروع، الذي يهدد الأمن القومي لدول حوض المتوسط، والعربيّة منها على نحو خاص، ويمسّ القضايا السياديّة المتعلقة بتخطيط وقوننة استخدامات الأراضي للمناطق الساحليّة، وتحديد المناطق والمرافىء والموانىء العسكريّة منها والنفطيّة، وخصائص أمنيّة وحيويّة للمدن.