يعيش السوريون حالة من الرهبة كلّ تجاه الآخر، إذ يخشى المسافرون منهم خوض الأحاديث السياسية على الطريق خوفاً من وضع نقاط ضدهم من قبل شركاء الوطن يمكن استخدامها في أول فرصة للتشفي والانتقام. ويقف بعضهم على الحواجز الفاصلة بين منطقة وأُخرى، ولا سيما المناطق ذات الغالبية الطائفية، بحجة منع أي صدام بين الطرفين. ويؤكد مراقبون أنّ أي إشكال محتمل ستكون أسبابه هذه المتاريس نفسها والشبان الواقفين لحمايتها.
على أحد مداخل دمشق، يتواجد حاجز أمني لتفتيش السيارات والمارة، يُقال إنّه يوقف الفلسطينيين مطوّلاً ويدقق في بطاقاتهم الشخصية، ما قد يقودهم إلى الاعتقال في حال وجود أي تشابه أسماء أو اشتباه في مظهر أحدهم. يتهمه البعض بالطائفية والحقد على الفلسطينيين، فيما يرى البعض أنّ أحداث مخيّم اليرموك الأخيرة فرضت تدقيقاً أمنياً إضافياً وهو ضرورة في ظل الأحداث الأمنية بما فيها الانفجارات والاشتباكات التي تسمع في أنحاء دمشق ليلاً.
لا يمكن قبول حالة التطابق بين الوضعين السوري واللبناني إبان الحرب الأهلية، فالمتاريس في سوريا لا تزال تحت سيطرة الدولة، وبإشرافها، إلا أن مجازر عدّة وقعت على أساس طائفي وضعت السوريين في فخ المقارنة، وجعلت كلّاً منهم يخشى أن يكون كبش المحرقة القادم، في بلد تعيش الحرب فيه حالة محيّرة، فمرّات تسمّى حرباً أهلية، فيما نظرية المؤامرة والمسلحين القادمين من كل الأصقاع تجعل منها حرباً خارجيةً، بشكل ما. ورغم كثرة الاتهامات بالطائفية بين هذا الطرف أو ذاك، لا يأخذ الصراع بُعده الطائفي بعد، إلا أن دخول شاب من الميدان لزيارة صديق له في منطقة مثل التضامن قد يتسبب في مأساة، حيث تقوم المتاريس ذات اللون الطائفي الواحد بسؤال المارّة عن سر الدخول إلى الحيّ والتأمّل ملياً في بطاقات المواطنين الشخصية لمعرفة أرقام خاناتهم وطوائفهم وانتمائهم السياسي، وقد تقع «أخطاء فردية» أصبحت سمة المرحلة القائمة. كما أصبح دخول حيّ المزة 86 بالنسبة لأبناء طائفة «الأكثرية» مدعاة للمتاعب. الأمر نفسه ينطبق على حيّ الزهراء في حمص، حيث تقف على مداخل الحي حواجز اللجان الشعبية للتدقيق في هويّة الداخل والخارج، ولن يكون دخول ابن الطائفة الأُخرى سهلاً.
وعلى المقلب الآخر، سيتكفل عناصر «جبهة النصرة» وباقي كتائب المعارضة المسلّحة بتصفية واختطاف أي شخص من «الطائفة الموالية للنظام»، إن حاول دخول المناطق المسيطر عليها من قبل أنصار الثورة. فالمجازر التي حدثت على مدار السنتين الأخيرتَين بحق الأقليات، أسفرت عن شرخ اجتماعي كان من أخطر نتائج الأزمة السورية. مظهر الأكثرية الطائفية من أنصار الثورة المتمثل في مارد يقلق الأقليات، رسّخته تجارب الأزمة والتي ظهرت على شكل حواجز طائفية على مداخل بعض المناطق في ريف إدلب وحلب ودمشق واللاذقية، حيث لا يمكن لأي فرد من طوائف الأقليات أن يقطع الطريق باتجاه يلدا والحجر الأسود منذ ما قبل سقوط مخيم اليرموك، إذ إن حواجز الجيش الحُر قد تحكم بالموت على كل من يمر ضمن منطقة السيطرة الخاصة به من المنتمين إلى الطائفة المحسوبة على النظام والتي يمتنع أبناؤها عن الوصول إلى الكثير من المناطق التي عاشوا فيها أهم ذكرياتهم. ورغم محاولة بعض أنصار الثورة إثبات عدم طائفية الثورة، إلا أن القتل على الهوية والذبح والتقطيع أعطى لمسة تطرف ديني واضح، وحقداً مذهبياً فريداً من نوعه. يؤكد زياد، ضابط في الجيش، أن الصراع ليس طائفياً، رغم كل ما يجري الحديث عنه. إنما، برأيه، هنالك من يتقصد زرع الفتنة والأحقاد بين أبناء الشعب السوري، وأدوات هذه الفتنة هم من سمّاهم «العصابات المسلحة». يرى، محمد، شاب معارض من منطقة الصليبة في اللاذقية، أن مسلحي المعارضة يبحثون على حواجزهم عن كل من له علاقة بالأمن والجيش ولا يحتجزون مدنيين أبداً. يرفض الشاب المعارض الحديث عن معلّمات تم اختطافهن واغتصابهن في حمص ومنطقة دوما في ريف دمشق. ويبقى الوضع معقداً، في بلاد تعيش ما بين الطائفية والعيش والمشترك في تشابك يجعل دراسة المرحلة أمراً شائكاً ومُربكاً.
على أحد حواجز برزة البلد، يقف أبو ثائر المقاتل في جيش الدفاع الوطني. وهناك حيث الاشتباكات على أشدها بين مسلحي المعارضة في برزة ومن يسمّون «شبيحة» عشّ الورور، نسبة لحي عش الورور الذي يتألف من موالين للنظام ينتمون إلى عدة طوائف. يعتبر أبو ثائر أن الحرب ليست حرباً أهلية أو طائفية، وإن أفلتت الأمور طائفياً في بعض المرات، إنما المصالح وحدها هي التي تسمح باندلاع أحداث طائفية لها علاقة بإغلاق طرقات بين المنطقتين. ويؤكد الرجل أن المصالح التي تمنع أو تسمح أحياناً بتحويل الاشتباك إلى حوادث طائفية قد تكون مصالح بين دول أو أفراد. لا يوضح الرجل تفاصيل عن وجود مفاوضات غير مباشرة بين الطرفين تجعل القتال يهدأ مرات ويشتعل مرات أُخرى، إنما يشدد على عدم تسمية الاشتباكات الحاصلة في المنطقة حرباً طائفية. ويلفت إلى أن «المسلحين» هم سبب أي اقتتال طائفي، وذلك لما يفعلونه في من يدخل بلدة برزة من موظفي الدولة، حيث يُقتل أي موظف للدولة أو عسكري في الجيش رمياً بالرصاص إن لم يكن من الطائفة المتهمة بموالاة النظام، أما إن كان من الطائفة المذكورة فيعود إلى عائلته مذبوحاً أو مقطّعاً.