تونس | أثار إعلان الباجي قائد السبسي الترشح للانتخابات الرئاسية جدلاً واسعاً في الشارع التونسي، وخصوصاً في أوساط السلطة الحاكمة التي بدا عليها الارتباك، وهو ما ترجمته حال الصمت التي واجهت بها قيادات الترويكا «استفزاز» السبسي الذي أقدم على خطوة لم تكن متوقعة حتى من أنصاره. السبسي أراد إرباك الترويكا الحاكمة، في الوقت الذي لم تحسم فيه الجدل في شأن مشروع «العزل السياسي» الذي تتهم الترويكا بأنها تعمل على إمراره من أجل إقصاء السبسي أساساً. وبدا واضحاً من خلال البرنامج التلفزيوني، الذي ظهر فيه السبسي، أنه يتعمّد استدراج خصومه الى معركة سياسية، في الوقت الذي تفاقم فيه الاحتقان في كل الجهات ضد الحكام الجدد.
كذلك أراد السبسي أن يبعث برسائل في أكثر من اتجاه؛ ففي الداخل أراد أن يؤكد للتونسيين أنه لا يزال قادراً على قيادة البلاد في مرحلة عصيبة تراجعت فيها هيبة الدولة وانهار الاقتصاد وضاع الأمن وتعقدت المشاكل الاجتماعية، الى الحد الذي دفع البلاد الى أزمة عميقة في كل المستويات، كما بعث برسالة الى الترويكا الحاكمة بأنه لا يزال رقماً صعباً ومزعجاً رغم تقدمه في السن. والرسالة الثالثة الى قواعد وقيادات حزبه وحلفائه في جبهة الاتحاد من أجل تونس بأنه لا يزال الرجل القوي الذي يحدد كل التوازنات وكل المعارك. والرسالة الأخيرة لشركاء في الاتحاد الأوروبي والجارة الجزائر والولايات المتحدة بأنه البديل الإيجابي عن الحكام الجدد الذين أثبتوا فشلهم في قيادة البلاد، ما دفع السبسي إلى تصدر استطلاعات الرأي.
ويستمد السبسي أهميته من نجاحه في إدارة المرحلة الانتقالية الأولى، إذ تولى رئاسة الحكومة في ظروف صعبة وقاسية في ٢٧ شباط ٢٠١١ الى حدود شهر كانون الأول ٢٠١١. وقد نجح في تأمين انتخابات حرة وشفافة قادت الإسلاميين الى الحكم، وفي المحافظة على هيبة الدولة واستمرارها في لحظة فارقة من تاريخ تونس بعد سقوط نظام بن علي وحل مؤسساته الدستورية وحل الحزب الحاكم.
وقد نجح السبسي، بما يملكه من خبرة طويلة في إدارة الدولة، في أن يكون رجل وفاق في غياب شرعية الانتخابات. ولم يكن أحد يتصور أن الباجي قائد السبسي سيعود الى السياسة بعد مغادرته قصر الحكومة في القصبة وتسليمه الحكم، لكنه لم ينتظر أكثر من شهر ليعود الى الواجهة، بعدما أصدر بيانه الشهير في ٢٦ يناير/كانون الثاني ٢٠١٢، دعا فيه الى دعم شرعية الانتخابات بشرعية الوفاق حتى تمر المرحلة الانتقالية بسلام. ومنذ صدور بيانه أصبح الباجي قائد السبسي مرمى هجومات الترويكا الحاكمة، وخصوصاً بعدما سارع أنصاره الى تطوير خطابه وتحويل بيانه الى مبادرة سياسية ترتّب عليها ولادة حزب «نداء تونس».
إعلان الباجي قائد السبسي ترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية في الوقت الذي لم يحسم فيه النظام السياسي ولا القانون الانتخابي، كما لم يحدد تاريخ الانتخابات ولا هيئة تنظيمها، واضح أنه مقصود وليس عفوياً؟ فزعيم المعارضة التونسية الذي ذكّر التونسيين بالزعيم بورقيبة، أراد أن يضع خصومه أمام الأمر الواقع، وأن يدفع بالخلاف بينهم عوض أن يكون في حزبه، فإذا تم إقرار قانون انتخابي يمنعه من الترشح بسبب العمر أو إذا تم التصديق على قانون العزل السياسي، فسيظهر الباجي في صورة المظلوم والمقصى، وهو ما سيمنح مرشحه ــ يتوقع أن يكون الأمين العام للحزب الطيب البكوش الزعيم النقابي البارز ــ حظوظاً أكبر في السباق الرئاسي. أما إذا فشلت الترويكا في إقصائه، فإن الباجي سيكون الزعيم الذي يذكّر التونسيين ببورقيبة، باني دولة الاستقلال، لكن سيكون ديموقراطياً هذه المرة، كما يقول.