القاهرة | يعتقد المراقبون في القاهرة أنّ مصر وإيران تسعيان إلى تدشين تحوّلات تاريخية في الشرق الأوسط عبر البوابة السورية. والمحقّق وفق هؤلاء، أنّ تقديم تنازلات من الجانب المصري في موقفه المتشدّد تجاه نظام دمشق، وكذلك تنازلات من جانب طهران في الدعم الكامل لسوريا، قد تتحقّق معهما خطة للتوازن، وللحسم في هذا البلد.
ربما دفع إلى ذلك المعلومات التي توافرت للقاهرة عن بدء استعدادات فعلية لضربة عسكرية ضد سوريا من جانب الولايات المتحدة الأميركية، مدعومة بحلف «الأطلسي»، ومساندة عسكرية من بعض الدول الأوروبية في مقدمتها فرنسا.
مصدر مصري دبلوماسي رفيع المستوى قال لـ«الأخبار» إنّ «هناك تحركات جادة من الولايات المتحدة الأميركية لتوجيه ضربة عسكرية إلى دمشق، وهذه التحركات تثير قلق القاهرة، كما تفتح الباب لتدخلات دولية في الإقليم لن تحقق سوى مزيد من الاضطراب، والتدخل في شؤون المنطقة».
ويضيف المصدر، الذي رفض ذكر اسمه، أنّ «ما يجري الآن محاولة لتجنب صيف ساخن قد ينهي حتى آمال الربيع العربي»، وأشار إلى أنّ «إسرائيل ستكون طرفاً أصيلاً في أيّ عمليات عسكرية ضد سوريا»، موضحاً أنّ «هذا السياق ضد الأمن القومي المصري، وذلك رغم موقف مصر المعلن ضد النظام السوري، والداعم للمعارضة السورية على كافة الصعد».
وأشار المصدر إلى أنّ «التحركات المصرية الحالية على صعيد الملف السوري تهدف إلى عدد من الأمور، في مقدمتها وقف سريع لإطلاق النار بين النظام والمعارضة السورية». وقال «إنّ هذا التحرك يجري بالتنسيق المباشر مع كل من طهران، وموسكو»، مشيراً إلى «تفاهمات مهمة جرت خلال لقاء الرئيس المصري محمد مرسي أخيراً مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، وقد تفضي هذه التفاهمات، بالتعاون مع طهران، إلى أن تجمع المعارضة والنظام السوري مائدة تفاوضات واحدة».
وتواصل القاهرة تحركاتها، محاولةً تفعيل مبادرة القاهرة لحلّ الأزمة السورية. وأثارت زيارة وفد مصري لطهران تكهنات المراقبين حول تغيّر مسار تعامل مصر مع الملف السوري، الذي يبدو أنه اختلف جذرياً عن أول كلمة ألقاها الرئيس محمد مرسي أمام اجتماعات وزراء الخارجية العرب، ودعا فيها الرئيس بشار الأسد إلى التنحي فوراً، ولا سيّما أنّ زيارة مرسي أخيراً لروسيا ألقت مزيداً من الغموض على المعادلة المصرية بشأن سوريا.
وزار وفد مصري أول من أمس طهران، واستهدفت الزيارة التباحث في تفعيل مبادرة مصر بشأن الأزمة السورية.
وترأس الوفد مساعد رئيس الجمهورية المصري للعلاقات الخارجية والتعاون الدولي عصام الحداد ورئيس ديوان رئيس الجمهورية السفير محمد رفاعة الطهطاوي. وقال الحداد، في تصريحات عقب عودته إلى القاهرة، إن «مصر تدير ملف الأزمة السورية بدقة وحكمة عالية، وكذلك في الحوار مع إيران بشأن الوضع في سوريا»، مشدداً على أن «قرار العلاقات بين مصر وإيران سيادي دون أي تأثير من الخارج». ورأى أنّ «هناك اتفاقاً مع طهران على ضرورة وضع خطة عمل لخلق حل سياسي سلمي يساعد على وضع حد للعنف المندلع في سوريا، وتحقيق المصالحة الوطنية بمشاركة الشعب السوري».
ورغم أن الرئاسة المصرية أكدت أنّ موقفها من الأزمة السورية ثابت ولم يتغير، إلا أن زيارة الرئيس المصري محمد مرسي أخيراً لروسيا طرحت المزيد من علامات الاستفهام حول الموقف المصري من الأزمة السورية، الذي يبدو أنه دخل في نفق التقارب مع حليفي الأسد «روسيا وإيران».
في السياق، أشار المتحدث الرسمي لرئاسة الجمهورية، عمر عامر، إلى أنّ «موقف مصر لم يتبدل، والرئيس محمد مرسي ركّز خلال زيارته لروسيا على إيجاد السبل لتغليب الحل السياسي لمعالجة الأزمة السورية، وذلك عبر رفض التدخل الأجنبي والإسراع بوقف نزف الدم».
لكن المؤثر، والذي يدعم التصريحات المعلنة من الجانب المصري قول الرئيس محمود أحمدي نجاد، إن «رؤى إيران ومصر تجاه القضية السورية تأتي في مسار واحد، ولقد جرى التوصل في اجتماع القاهرة إلى اتفاقات ممتازة بشأن حل القضية وتسويتها».
ويبقى السؤال المعلّق: هل تتمكن مصر، التي تحوّل موقفها تجاه الأزمة السورية، من استباق أيّ تدخل أجنبي في سوريا بوقف لإطلاق النار بين المعارضة والنظام السوري، وبدء مفاوضات جادة بين الجانبين؟