الخرطوم | بعد مرور أكثر من 48 ساعة على الهجوم المسلح الذي شنته قوات الجبهة الثورية على ولاية شمال كردفان، خرج وزير الدفاع السوداني، عبد الرحيم محمد حسين، ليعلن، أثناء تفقده مدينة «أم روابة» (غرب السودان)، تورط دولة جنوب السودان وأوغندا، بالإضافة الى دول أخرى من دون أن يسميها، في الهجوم، وذلك بتقديمها دعماً مباشراً للمتمردين. وتأتي تلك الاتهامات في وقت تشهد فيه العلاقة بين حكومتي السودان وجنوب السودان تطورات إيجابية على أثر تأكيدات جوبا عدم إيوائها العناصر المعارضة للخرطوم، بالإضافة الى المضي قدماً في تنفيذ الاتفاقات بين الدولتين، وفي مقدمها اتفاقية النفط. وأخذت تداعيات الهجوم على ولاية شمال كردفان منحى جديداً، حيث طالب نواب البرلمان السوداني وزير الدفاع بتقديم استقالته نتيجة الإخفاق المتواصل لوزارته. وكان وزير الدفاع قد اعتذر أمس عن عدم المثول أمام الهيئة التشريعية بداعي تفقده المناطق المتأثرة، الأمر الذي أثار غضب نواب البرلمان.
ورغم الحرص الذي أبدته الحكومة السودانية في عدم العودة إلى مربع عدم الثقة مع الجار الجنوبي، إلا أن مصادر موثوقة أكدت لـ«الأخبار» أن قوات الجبهة الثورية لا تزال تتمركز داخل أراضي دولة جنوب السودان. ووفق المصدر، فإن الهجوم الأخير نفذته قوات الجبهة الثورية من منطقة «تونجا» في ولاية أعالي النيل الجنوبية، وإن أرتالاً من السيارات ذات الدفع الرباعي شوهدت تسير باتجاه الشمال حتى ولاية شمال كردفان السودانية. ويعد الهجوم، الذي تبنته الجبهة الثورية، على مناطق «أم روابة، السميح، الله كريم، أبو كرشولا»، الأكثر جرأة منذ توقيع مجموعة من الحركات المتمردة على ميثاق الجبهة الثورية. وبدت لافتة حركة الاحتجاجات التي سادت أوساط مواطني ولاية شمال كردفان ضد حكومة الولاية، وطالب المواطنون الجيش السوداني والحكومة المركزية في الخرطوم بالإسراع في إنهاء المأساة الإنسانية التي يعانيها مواطنو منطقة أبو كرشولا (جنوب غرب أم روابة)، إذ شهدت المنطقة تصفيات جسدية لما يقارب الخمسين شخصاً منذ بداية الهجوم، أول من أمس، معظمهم من أعيان المنطقة، بالإضافة الى وجود الكثير من حالات الخطف وسط النساء والأطفال، فيما عجز الجيش السوداني عن دخول المنطقة.
وحسب أحد أبناء شمال كردفان، فإن نائب رئيس تجمع الجبهة الثورية، عبد العزيز الحلو، قاد بنفسه الهجوم على أبو كرشولا، وإن قوات الجبهة الثورية تستخدم المواطنين كدروع بشرية. وحسب الضو محمد، أحد أبناء مدينة أم روابة لـ«الأخبار»، فإن الجيش السوداني في حالة اشتباك مع قوات الجبهة الثورية في قرية أبو كرشولا، فيما أخلى معظم السكان المنطقة وهم يعانون من نقص حاد في الغذاء والماء.
ونتيجة حالات التذمر وسط مواطني الولاية من عدم قدرة الجيش السوداني على إعادة فرض سيطرته على تخوم الولاية، ووفق مصادر مطلعة، فإن السلطات سعت الى احتواء حالات التذمر وسط الشارع في عاصمة ولاية شمال كردفان، الأبيض، بإطلاقها تحذيرات تفيد بقرب وصول القوات المتمردة الى أطراف المدينة، وذلك حتى تتفادى خروج المواطنين في تظاهرات ضد الحكومة. وفي استجابة فورية لتلك التحذيرات، هرع المواطنون الى منازلهم، مخلين أسواق المدينة وشوارعها في وقت وجيز.
وأكد المحلل السياسي، علي دقاش، أن «أبو كرشولا محتلة بالكامل من قبل قوات عبد العزيز الحلو». وقال لـ«الأخبار» إن قوات الجبهة الثورية أنشأت في داخل القرية قيادة عسكرية وقيادة سياسية، حيث تم تعيين معتمد جديد عضو في الحركة الشعبية، قطاع الشمال، يدعى حسن آدم الشيخ. ولتقوية وجود تلك القوات على الأرض، أرسلت تعزيزات عسكرية عبارة عن سيارات متمركزة تحت الأشجار لتفادي إمكانية إصابتها بواسطة الطيران السوداني. وحسب دقاش «فإن عدد قوات الجبهة داخل المنطقة يبلغ نحو 500». وفسر تأخّر حسم الجيش السوداني لمعركة أبو كرشولا نتيجة استخدام القوات الغازية عدداً من المواطنين كدروع بشرية.
وتفيد المعلومات بأن خطة الجبهة الثورية في الهجوم على مناطق في شمال كردفان تعتمد بصورة أساسية على شن هجمات خاطفة على ثلاث مدن رئيسية، هي: «الأبيض، أم روابة وكوستي»، بهدف التزود بالمؤن ومن ثم التمركز في أبو كرشولا والبقاء فيها. وكان لافتاً وجود الجيش السوداني بكثافة حول مدينة الأبيض، عاصمة الولاية، لحمايتها من الهجوم المتوقع.
ويرى متابعون أن الجبهة الثورية، بقيادة الهجوم المسلح على مناطق جديدة في شمال كردفان، قد بدأت فعلياً بتنفيذ «منيفستو» الحركة، التي اتفقت عليه العام الماضي، وذلك بتبنيها العمل المسلح كوسيلة أحادية لتغيير نظام الحكم في الخرطوم. ويسود اعتقاد واسع بأن الجبهة الثورية تريد أن تبرهن عن أن قبولها التفاوض مع حكومة الخرطوم ليس من منطلق ضعف، بل من منطلق قوة وأن باستطاعتها أن تهدد العاصمة الخرطوم، حيث تبعد المناطق التي شهدت المعارك العسكرية فقط 500 كيلومتر من العاصمة.
ورغم تأكّد الحكومة السودانية من ضلوع الحركة الشعبية، قطاع الشمال، الشريك الأبرز في قوات الجبهة الثورية، في الهجوم على المدن السودانية، في الوقت الذي تتفاوض فيه مع قطاع الشمال في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، إلا أن الخرطوم لم تستجب لاستفزاز قطاع الشمال وأعلنت استعدادها للعودة الى منبر التفاوض متى ما تم إخطارها من قبل الآلية الأفريقية الرفيعة المستوى بتاريخ بدء جولة جديدة من المفاوضات. وحسب محللين، فإن الحكومة السودانية أرادت بتلك الخطوة قطع الطريق أمام مخطط قطاع الشمال الذي يريد إحراج الحكومة أمام المجتمع الدولي وإظهارها بمظهر المتعنت في المواقف التفاوضية والرافض للعودة الى طاولة المفاوضات.