دمشق | «مرحلة الخطر الاستراتيجي انتهت». بهذا الوضوح قالها الرئيس بشار الأسد في مقابلته الأخيرة مع «الإخبارية السورية». قد تكون القيادة السورية في أكثر أوقاتها راحة منذ بداية الأزمة حتى الآن، رغم الخوف الأساسي النابع من تدخل عسكري خارجي، بحسب أحد المصادر السياسية في دمشق. ويشير المصدر إلى أنّ عوامل عدّة تبلورت في الأشهر الأخيرة، أسهمت في الوصول إلى نقطة متقدّمة من الاطمئنان.
أوّلاً، يلمس السوريون تحوّلاً كبيراً في الموقف الأوروبي، إذ يقتنع هؤلاء خلافاً للتصريحات العلنية، بأن بريطانيا وفرنسا لن تسلّحا المعارضة السورية بأسلحة فعّالة، لعدّة اعتبارات، أهمّها التخوف من وصول الأسلحة إلى المجموعات المرتبطة بتنظيم «القاعدة»، إضافةً إلى انتقال الملفّ السوري أوروبيّاً، بحسب المصدر، إلى ألمانيا وكفّ يد فرنسا عنه، وقد توّج هذا التحوّل بزيارة لمسؤول أمني ألماني رفيع المستوى إلى العاصمة السورية قبل أسابيع، فضلاً عن نشاط كبير للاستخبارات الألمانية في كلّ من سوريا ولبنان.
ويؤكّد المصدر أن عدداً من الدول الأوروبية طلب قبل مدّة قصيرة من الأجهزة السورية لوائح بأسماء جهاديين أوروبيين وعرب يزورون أوروبا بهدف اعتقالهم أو وضعهم تحت المراقبة تحسّباً من تنفيذهم أعمالاً عدائية تجاه مصالح أوروبية خارج وداخل القارة.
وبحسب المصدر، من يطّلع على ملفّ التعاون الأمني السوري ـــ الأوروبي يدرك أن المعارضة السورية تعيش في عالم آخر.
وفي السياق نفسه فإنّ من سمع موقف وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل غارسيا مارغيلو، الذي قال في بيروت منذ أيام إنّ «نظام الرئيس بشار الأسد يحظى بنوع من التأييد المتفاوت الحجم لدى الشعب السوري، والروس والإيرانيين، (ويمكنه الاعتماد) على جيش ذي فاعلية»، يدرك تماماً سبب الارتياح الذي تعبّر عنه القيادة السورية.
ثانياً، يراقب السوريون التضارب الكبير الحاصل في الأجندتين القطرية والسعودية الداعمتين لميليشيات المعارضة السورية المسلحة. التضارب القطري ـــ السعودي بدأ يؤتي ثماره على الأرض السورية، بمعارك فرض السيطرة بين «جبهة النصرة» المدعومة سعودياً و«الجيش السوري الحر» المدعوم قطرياً، على أنّ في سوريا من ينتظر أن يستعر الصراع المسلّح أكثر فأكثر، وخصوصاً في مناطق الشمال وريف دمشق، حيث الغلبة للمجموعات الإسلامية المرتبطة بقطر على حساب الدور السعودي، وفي الشمال الشرقي أي محافظات الرّقة، دير الزور والحسكة حيث الغلبة للمجموعات المرتبطة بالرياض.
أمّا محافظة درعا، فتبدو السعودية أكثر إصراراً على فرض مجموعاتها فيها قبضةً حديدية على كلّ المجموعات المقاتلة التابعة للمعارضة المسلّحة.
ويتعدّى الاشتباك القطري ــ السعودي سوريا، بحسب المصدر، ليصل إلى مصر، إذ يمارس السعوديون ضغوطاً قاسية على الرئيس المصري محمد مرسي لابعاده عن الفلك القطري، ومثله تماماً الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي الذي يقضي أوقاتاً طويلة في الدوحة بدل
القاهرة.
ثالثاً، اعتماد الجيش السوري تكتيكات قتالية جديدة، طوّرها بالتعاون مع روسيا وطهران على نحو كبير، كما استفاد من التجارب على مدى عامين ونصف عام من القتال الضاري، سمحت له بالسيطرة على نقاط استراتيجية مهمّة في الجغرافيا السورية، وعنوان المرحلة في الميدان اليوم هو الحفاظ على الطرقات الدولية لربط المدن والبقع الاستراتيجية.
النقطة الرابعة في المعطيات السورية، هي النقاش الروسي الأميركي، الذي يواكبه بالتوازي تواصل سعودي ــ إيراني، إذ ينتظر العالم المفاوضات الروسية ـــ الأميركية التي بات من الواضح قبلها أن الأميركي سلّم بدور روسي كبير في المنطقة، عبّر عنه أحد المسؤولين الأمنيين الروس في دمشق قبل فترة بالقول «لن نقول إن دورنا هو الأقوى، لكننا على الأقل50% +1»، من دون الالتفات إلى التواصل بين السعودية وإيران، الذي بلغ مرحلة متقدّمة، وعلى رأس المفاوضين السعوديين الأمير مقرن بن عبد العزيز.
وتبدو روسيا مرتاحة جدّاً للوضع السياسي على صعيد الشرق الأوسط، بحسب المصدر السوري، وهي حصلت على أكثر من قاعدة على البحر المتوسّط، وستحكم المتوسّط بأكمله في المرحلة المقبلة، مع تفرّغ الدور الأميركي لمواجهة الصين في شرق آسيا.