لم تكن كثافة التحركات الأميركية في المنطقة في الاشهر الاخيرة سوى خطة تهدف الى «بلورة حلف غير رسمي بين أربع دول في المنطقة اضافة الى اسرائيل»، في مواجهة ايران وسوريا، حسبما يرى معلق الشؤون الأمنية في صحيفة «يديعوت احرونوت»، اليكس فيشمان.
وفي رأي فيشمان أن هذا الحلف يحمل اسماً مشفراً، في وزارة الخارجية الاميركية، بعنوان دول «4 +1»، لافتاً الى أن وراء هذا العنوان تختفي ثلاث دول عربية وكيان سياسي ليس بدولة، هي السعودية والأردن والامارات العربية المتحدة والسلطة الفلسطينية، إضافة الى تركيا.
أما الترجمة العملية لهذا الحلف، فتتمثل، من ضمن أمور أخرى، في إطار عمل أمني بلا معاهدات او توقيعات او تصريحات معلنة، على ان يجري كل ذلك سراً، والسبب ان لهذه الرزمة «رِجلاً أخرى» تتمثل في إسرائيل، يسود بينها تعاون وثيق في مواجهة الجمهورية الاسلامية والنظام السوري.
رغم ذلك، لاحظ فيشمان أن الطموح الأميركي في هذا المجال، متواضع، لكونه لا يتحدث عن حلف دفاعي اقليمي في الشرق الأوسط مشابه للحلف الاطلسي، وبناءً عليه، فإن الهدف، في المرحلة الأولى على الأقل، هو انشاء تعاون بين هذه الدول في مجال تبادل المعلومات الأمنية والتقديرات واللقاءات.
وفي ما يتعلق بالمسار السعودي الاسرائيلي، يؤكد فيشمان أن الإدارة الأميركية تواجه صعوبات على هذا المسار، لكن يلفت في الوقت نفسه الى وجود مؤشرات على «أشياء عميقة تجري وراء الستار» بين الدولتين، وقد تنتقل الى العلن.
وضمن هذا السياق تأتي، كما يقول فيشمان، المصافحة الحارة في شباط الماضي بين ولي العهد السعودي سلمان بن عبد العزيز، ووزير الدفاع ايهود باراك، خلال مؤتمر وزراء الدفاع في برلين.
ولحساسية التعاون السعودي الاسرائيلي، يرى فيشمان أن الادارة الاميركية تدرك أن امكانية الحوار بين الطرفين «تسحر» رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، وخاصة أنّ أي اطار عمل مع مجموعة عربية، ترتكز على السعودية، ينطوي على أهمية أمنية لاسرائيل.
في ما يتعلق بالأردن، يذكر فيشمان أن التعاون معها، والعلاقات المتبادلة مع الامارات العربية سيمنحان اسرائيل أيضاً العمق الاستراتيجي الذي لا تملكه، ويمكِّنانها من المخاطرة الأمنية.
ويأمل وزير الخارجية الأميركي جون كيري، إقناع نتنياهو بالمخاطرة على المسار الاسرائيلي الفلسطيني، كما يلفت معلق الشؤون الأمنية في صحيفة «يديعوت احرونوت» الى أن الأردنيين غيّروا في الشهور الأخيرة سياستهم تجاه سوريا، وتمثل ذلك في تدريب المتمردين على اراضيهم وتعزيز علاقاتهم بهم في مثلث الحدود الاسرائيلي الاردني السوري، وعلى طول الحدود بين الاردن وسوريا.
هذا الى جانب العمل على اقامة مخيمات للاجئين داخل الأراضي السورية تحت مسؤولية المعارضة المسلحة، لكن من أجل بناء «شريط أمني» يسيطر عليه المعارضون في هذا المثلث الحدودي، يؤكد فيشمان أن من المنطقي جداً أن تحتاج الأردن الى موافقة اسرائيل الصامتة، كما أن تل أبيب معنية بأن تعلم من هم اللاجئون والمتمردون الذين سيستقرون قرب حدودها.
هذا الى جانب ان المثلث الحدودي، السوري الأردني الاسرائيلي، تحول الى الطريق المركزي لانتقال المتمردين الى سوريا، بعدما كانوا يدخلون على نحو أساسي من تركيا، وفي ضوء ذلك هناك حاجة الى تنسيق أمني سياسي بين اسرائيل والاردن، وهو ما يفسر ايضاً الزيارات التي قام بها نتنياهو أخيراً للملك عبد الله في عمان. وخلص فيشمان الى ان الحدود بين سوريا والأردن باتت تنطوي على احتمال عال جداً لنشوب مواجهة عسكرية، الأمر الذي دفع الأميركيين في الفترة الأخيرة الى ارسال قوة تنتمي الى الفرقة المؤللة الرقم 1.
في موازاة ذلك، يتحدث فيشمان عن مخاوف لدى الأردن من ان يستخدم الإيرانيون العراق «للتآمر» على السلطة في الأردن، هذا الى جانب القلق الاسرائيلي من الاقتراب الايراني من حدود الأردن الشرقية، فيما تعاني أيضاً (تل أبيب) مشاكل جسيمة مع الشيعة في لبنان.
لكن الجديد في هذا المسار، كما شخصته الإدارة الأميركية، ان التقدم وعدم التقدم في المحادثات مع الفلسطينيين لم يعودا يؤثران تأثيراً كبيراً حاداً، كما كانت الحال في الماضي، في العلاقات بين الاردن واسرائيل، وهو ما يسمح بنظر الأميركيين بتعاون عسكري أردني اسرائيلي أقوى.
أما بخصوص المشاكل المرتبطة بتركيا، فترى الإدارة الأميركية أن حلها أسهل، على خلفية العلاقات الأمنية والاقتصادية والدبلوماسية بين اسرائيل وتركيا، كما كانت في الماضي القريب جداً. هذا الى جانب أن المصلحة الاقتصادية للدولتين دفعتهما للحفاظ على العلاقات الاقتصادية بينهما وتطويرها، كما أن التهديدات المشتركة المتعلقة بسوريا وإيران، تؤدي الى تبادل للآراء بين الطرفين من غير وسيط.
وشدد على عدم أهمية ما يقوله رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان، أو وزير خارجيته في العلن.
ويرى فيشمان أن التقارب بين البلدين ينسحب أيضاً باتجاه الجهات الاستخبارية التي سبق ان عملت في تقارب شديد في الماضي غير البعيد، مشيراً إلى أن ما نشرته صحيفة «صاندي تايمز» عن عزم اسرائيل على الطلب من الاتراك السماح لسلاح جوها بالتحليق في الاجواء التركية، وفي المقابل تحصل تركيا من اسرائيل على وسائل قتالية حديثة، ليس سوى عنصر واضح في الاتفاقات الأمنية المختلفة.
ما موقع مصر من هذا الحلف؟
يرى فيشمان، انه بالرغم من ان النواة الصلبة لهذا الحلف غير المكتوب مؤلفة من دول الـ «أربع + واحدة + اسرائيل»، إلا ان من الممكن بحسب الخطة الأميركية، ضم مصر اليها، لكن يضيف أيضاً، أن الأميركيين ينظرون الى مصر – حتى الان – على أنها نصف دولة. وفي مجال التعاون الامني يتجاهلون ببساطة الرئيس محمد مرسي والاخوان المسلمين، اذ يوجد للجيش بحسب الدستور المصري استقلال في مجال الاتفاقات الامنية الاقليمية.
ويحاول الأميركيون أن يُجنّدوا ايضاً البحرين وقطر للاطار الامني المتكوّن لمواجهة التهديد الايراني في الأساس.
في سياق متصل، دخل الاميركيون ملعب «اربع + واحد»، بعدما رسموا بحذر خارطة مصالح كل واحدة من هذه الدول واهتماماتها، تبين خلالها ان لها الكثير من الاهتمامات المشتركة، منها منع «تهريب الوسائل القتالية من ايران الى سوريا، ومن سوريا الى الاردن، ومن ليبيا الى مصر وسيناء، ومن السودان الى سيناء (فغزة) ومن ايران الى اليمن، والى سيناء وغزة».
ويؤكد فيشمان أن ايران تمثل مصدر اهتمام مشترك بين جميع هذه الدول، الى جانب تعاظم قدرات الجهاد العالمي والقاعدة في سيناء واليمن والعراق والصومال والسودان وسوريا، وانتشار السلاح غير التقليدي، فضلاً عن استقرار النظام في الاردن. ويضيف الاميركيون أن مزايا هذا الحلف الامني غير الرسمي، أنها ستشمل تبادل المعلومات والحصول على انذار مبكر في الوقت الملائم، على ان يجري في المرحلة التالية التعاون من أجل احباط الارهاب. وفي هذا المجال بلغ الامر بوزير الدفاع الاسرائيلي ايهود باراك ان تحدث ايضا عن «غرف حرب مشتركة لممثلي هذه الدول».
في كل الاحوال، فإن فكرة انشاء حلف دفاعي اقليمي ليست غريبة على اسرائيل، إذ حاول وزير الدفاع، ان يروج لها، امام الادارة الاميركية وامام نتنياهو. على أن تتضمن تعاوناً في مجال واحد فقط «الانذار المبكر واعتراض الصواريخ الباليستية».