دخلت الأزمة العراقية منعرجاً خطراً، أمس، مع اقتحام الجيش العراقي ساحة الاعتصام في الحويجة (غربي كركوك)، ما أدى إلى سقوط 27 قتيلاً على الأقل وإصابة نحو 70 آخرين بجروح، بينهم 7 جنود.
وبعد أنباء عن تهدئة الأمور في الساحة، جاءت عملية اقتحام الجيش للساحة بعد انتهاء المهلة التي حددتها وزارة الدفاع للمتظاهرين لتسليم المسؤولين عن مقتل جندي، يوم الجمعة الماضي، عند حاجز قريب من ساحة الاعتصام في الحويجة. وأكد ضابط برتبة عميد في الفرقة 12 في الجيش العراقي المنتشرة إلى الغرب من كركوك لوكالة «فرانس برس» أن العملية استهدفت جيش «الطريقة النقشبندية» وهي جماعة متمردة، موضحاً أن قوات الجيش لم تستعمل السلاح صوب المتظاهرين حتى قيامهم هم بذلك، فردت بدورها للدفاع عن نفسها.
من جهتها، اتهمت وزارة الدفاع مندسين من تنظيم القاعدة والبعث المنحل في الحويجة بإطلاق النار على قوات الجيش المتمركزة في المنطقة، ما دفع تلك القوات إلى الرد على مصادر النيران بالمثل. وذكر بيان للوزارة أن «مندسين من تنظيم القاعدة والبعث المنحل أطلقوا نيران أسلحتهم على قوات الجيش العراقي المتمركزة في المنطقة، ما دفع تلك القوات الى الدفاع عن نفسها والرد بالمثل على مصادر النيران».
وأعلنت الوزارة أن القوات المشتركة من الجيش والشرطة تمكنت من القبض على 75 مندساً وقتل عشرين آخرين. وأشارت إلى أنه «تم العثور على كميات كبيرة من الأسلحة تضمنت 40 بندقية و5 رشاشات متوسطة و16 رشاشاً بي كي سي ورمانة يدوية، فضلاً عن عدد كبير من الجرافات والسيوف والخناجر والسكاكين».
في المقابل، أكد المنسق العام لمعتصمي الحويجة، عبد الملك الجبوري، أن معتصمي الساحة لا يملكون إلا أربعة أسلحة رشاشة لحمايتها، ولا يوجد أي مطلوب للقوات الحكومية بينهم. ونفى الجبوري لوكالة «فرانس برس» أن يكون المعتصمون قد بادروا إلى إطلاق الرصاص، لافتاً إلى أن «القوات التي اقتحمتنا أحرقت الخيم وأطلقت النار بشكل عشوائي» على المتظاهرين الذين غادروا ساحة الاعتصام إثر الاشتباكات.
وفي سياق متصل، وجّه رئيس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة نوري المالكي، بتشكيل لجنة وزارية برئاسة نائب رئيس الوزراء صالح المطلك للتحقيق في أحداث الحويجة «ومحاسبة المقصرين». وذكر بيان صدر عن مكتب المالكي، أنه «تم التوجيه بشكل عاجل لتعويض عوائل الضحايا وعلاج الجرحى داخل العراق وخارجه إذا تطلب الأمر».
من جهته، دعا رئيس مجلس النواب أسامة النجيفي، القوات الأمنية والعشائر العراقية في كركوك إلى التحلي بالحكمة لنزع فتيل الأزمة، مطالباً قوات الجيش بعدم إطاعة أوامر إطلاق النار على المتظاهرين. وطالب النجيفي «بإجراء تحقيق جدي بأحداث الحويجة وإحالة كل من تورط بالدم العراقي خارج إطار القانون إلى المحاكم، سواء كان عسكرياً أو سياسياً»، مشيراً إلى أن «الكتل السياسية مطالبة بإبداء مواقف صريحة وواضحة بشأن ما يجري في الحويجة، وعدم السماح باستمرار نزف الدم»، محذراً من أن «انتقال نزف الدم إلى محافظات أخرى من شأنه إشعال نار لا يمكن إطفاؤها».
كذلك، شدد نائب رئيس الوزراء صالح المطلك على «أهمية محاسبة المقصرين في هذه الحادثة». وحذّر، في بيان عقب لقائه نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون العراق باربرا ليف وسفير الولايات المتحدة في بغداد جيمس جيفري، من «التمادي باستخدام القوة ضد المتظاهرين لأن ذلك سيدفع البلاد إلى هاوية خطيرة ويوفر أجواء مناسبة لإثارة الفتنة بين أبناء الشعب الواحد وسيدفع المواطن ثمنها».
بدوره، دعا زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، إلى استدعاء كل الأطراف المعنية بأحداث الحويجة إلى مجلس النواب للتحقيق بما حصل.
من جهة أخرى، طالب زعيم مؤتمر صحوة العراق أحمد أبو ريشة، أمس، الجيش العراقي بالانسحاب من المدن الثائرة فوراً وتسليم الملف الأمني للشرطة. وأكد أبو ريشة أنه «في حال رفض رئيس الحكومة نوري المالكي ذلك فعليه أن يعلم بأن القرار سيخرج من أيدي رجال التهدئة ورموزها الذين يحاولون إخماد الموقف». وحذر أبو ريشة من «عواقب لا تحمد عقباها عند عدم تنفيذ هذا المطلب»، لافتاً إلى أنه «هذه المرة ستكون الأمور أفعالاً لا أقوالاً فقط».
وفي أول ردود الفعل على ما ارتكبته قوات النظام العراقي، قدم وزير التربية محمد علي تميم استقالته من الحكومة احتجاجاً على أحداث ساحة الحويجة. وذكر مسؤول لوكالة «فرانس برس»، رافضاً الكشف عن اسمه، أن الوزير المنحدر من قضاء الحويجة «استقال من منصبه إثر اقتحام قوات الجيش ساحة الاعتصام»، مؤكداً أن «الاستقالة نهائية ولا رجعة عنها».
من جهته، أعلن رئيس مجلس النواب أسامة النجيفي استقالة وزير العلوم والتكنولوجيا عبد الكريم السامرائي الذي ينتمي إلى كتلته النيابية، علماً بأن السامرائي يقاطع منذ فترة جلسات الحكومة، وقد عيّن وزير مكانه مؤقتاً، ليرتفع بذلك عدد الوزراء المستقيلين من الحكومة منذ بدء التظاهرات المناهضة لها إلى 4 وزراء، بعد استقالة وزير المالية رافع العيساوي ووزير الزراعة عز الدين الدولة.
في إطار آخر، كشف مصدر حكومي، رفض الكشف عن اسمه لوكالة «فرانس برس»، أن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي كلف نائبه لشؤون الطاقة حسين الشهرستاني بتولي وزارة الخارجية مؤقتاً بدلاً من هوشيار زيباري الذي منحه إجازة إجبارية. كما قرر المالكي، بحسب المصدر ذاته، تكليف وزير العدل حسن الشمري بتولي وزارة التجارة بالوكالة بدلاً من الوزير خير الله حسن بابكر الذي منح بدوره «إجازة إجبارية».
(الأخبار،أ ف ب، رويترز)