أفضى مؤتمر إسطنبول لأصدقاء سوريا إلى إعلان «الائتلاف» المعارض موافقته على التفاوض مع النظام السوري على أساس بنود بيان جنيف. وقال بيان الدول المشاركة في المؤتمر، إنّ هذا الموقف للائتلاف يعتبر فرصة للنظام، وفي حال لم يستجب لها فإنها ستزيد من مساعداتها العسكرية للمعارضة.
مصدر دبلوماسي مطّلع كشف لـ«الأخبار» المسار غير المرئي الذي تبلور في رحمه إعلان «الائتلاف» رسمياً التفاوض مع النظام. وبحسب المصدر، فإنّ هذا القرار هو سر فكرة عقد مؤتمر إسطنبول، وكان قد جرى اتخاذه من قبل الجانب الأميركي خلال جلسة مجلس الأمن المغلقة التي جرت يوم ٣ نيسان، بحضور الأخضر الإبراهيمي.
ويضيف المصدر أنّ هذا الاجتماع الذي خصّص لبحث إيجاد مقاربة مشتركة للأزمة السورية من قبل الدول الخمس الكبرى، يعتبر الأهم من بين كل جلساته السابقة، نظراً إلى أنّه تطرق إلى طرح اقتراحات حول أفكار عملية لكسر الستاتيكو السائد حالياً في سوريا. وحصلت «الأخبار» على محضر هذه الجلسة المغلقة لمجلس الأمن، التي تقدم وقائعها أجوبة عن أسئلة أساسية منها: حقيقة مصير استمرار الإبراهيمي في مهمته، وأيضاً خلفيات إعلان «الائتلاف» في مؤتمر إسطنبول قرار التفاوض مع النظام، إضافة إلى آخر الاقتراحات الدولية للأزمة السورية، كما تقدمت بها كل من فرنسا وبريطانيا وأميركا وروسيا في الجلسة المغلقة الأخيرة لمجلس الأمن.

مصير الإبراهيمي

اتفق جميع ممثلي «الخمسة الكبار» على الاستمرار بدعم مهمة الإبراهيمي، وشددوا على ضرورة عدم استقالته واستمراره بمهمته. ولكن الدبلوماسي الجزائري، الذي ألقى مداخلة داخل الجلسة حول مسعاه، امتنع عن التعليق على دعوته بالاستمرار، مفضّلاً الاستماع قبلاً إلى وقائع النقاش بين مندوبي الدول الدائمة العضوية، ليستنتج بعد ذلك ما إذا كان عليه الاستمرار من عدمه. وبعد استماعه إلى مداولات الخمسة الكبار، ومجمل الأفكار التي تقدموا بها، ومن بينها الطرح الأميركي حول حوار المعارضة مع النظام وشروطه، تجنّب الإبراهيمي الرد بشكل مباشر على مطالبة المجلس له بالاستمرار في مهمته، قائلاً: «ما أريده من مجلس الأمن الآن هو أن يقوم بتحمّل مسؤولياته واعتماد قرار يصدره يتضمن خطة عمل لتنفيذ بيان جنيف».
وبدا هذا الطلب، بحسب المصدر الدبلوماسي عينه، بمثابة «شرط غير مباشر وضعه الإبراهيمي لقبوله الاستمرار بمهمته على المدى المنظور». ولكن الإبراهيمي لاحظ خلال مداولات الجلسة أنّ مواقف الدوليين الكبار لا تزال بحاجة إلى جهد جدي من أجل بلورتها وتجسيدها في خطة عمل مشتركة، وذلك مع تسجيله أن هذه الجلسة اختلفت عن سابقاتها لجهة أمر أساسي وجوهري واحد، وهو أنّ أيّاً من دول القرار العالمي الخمس، لم تعد تتحدث عن إسقاط النظام السوري، كمدخل للحل، بل جميعها باتت تسير وراء واشنطن في الدعوة إلى بلوغ عتبة حل الأزمة السورية سياسياً، عبر مدخل الحوار بين المعارضة والنظام.
والجديد أيضاً الذي أظهرته وقائع هذه الجلسة هو أن واشنطن بات لديها اقتراح عملي للحل، وأنها قررت احتكار العلاقة مع المعارضة السورية بشأن إدارة حوارها مع النظام.


وقائع الجلسة: الموقف الأميركي

حمل طرح مندوبة الولايات المتحدة الأميركية في الجلسة مفاجآت عدة لمندوب فرنسا على وجه الخصوص. فلأول مرة، تضمن الطرح الأميركي بوضوح كلاماً حاسماً يعطي أولوية للحوار بين المعارضة والنظام كمدخل إجباري للحل. استهلت المندوبة الأميركية مداخلتها بالقول: «من المهم بدء الحوار بين الحكومة والمعارضة على أساس بيان جنيف». ثم جاءت المفاجأة الثانية في طرحها عندما جزمت بأن المعارضة السورية «ستقبل بالتفاوض مع النظام في حال وافق الأخير على الالتزام بكل بنود بيان جنيف». ويلاحظ أنه لم ترد كلمة إعلان موافقة النظام المسبقة والعلنية على الالتزام بتنفيذ كل بنود بيان جنيف. ويعبّر طرح المندوبة الأميركية في مجلس الأمن_بحسب الاستنتاج الذي توصل إليه مراقبون في دوائر المجلس_عن أن واشنطن قطعت شوطاً بالتواصل سراً مع «الائتلاف» السوري، وأنها حصلت منه على تعهّد بأن يعلن في مؤتمر إسطنبول موافقته على التفاوض مع النظام، مقابل أن تتعهد واشنطن له بأنها ستدعم عبر القناة الروسية مطلبه بموافقة الأسد على تنفيذ ورقة جنيف كاملة.
وكشفت بوضوح في كلامها أيضاً أن «بلادها تعمل مع المعارضة السورية على تنظيم صفوفها»، مؤكدة على «ضرورة الفصل بين الجيش السوري الحر والقاعدة»، وأوضحت أن «واشنطن اتفقت مع المعارضة على تزويدها بأسلحة فتاكة»، وشددت في نهاية مطالعتها «على أهمية التحقيق في استعمال الأسلحة الكيميائية، واتهمت السلطات السورية بعرقلة ذلك». وبحسب المصدر، عينه، فإن اقتراح المندوبة الأميركية ترك ثلاثة استنتاجات لدى مندوبي لندن وباريس، أوّلها: اتجاه واشنطن للتفرد بترتيب الحل السياسي في سوريا مع روسيا. وأكثر من ذلك، فإنّ المندوبة الأميركية قصدت الإعلان أمام دول مجلس الأمن أنها متفاهمة مع المعارضة على أجندة عمل سياسية ولوجستية، وكأنها بذلك تريد إبلاغها بالبيان الأميركي رقم واحد، وهو أن إمرة المعارضة «أصبح لي وحدي».


اقتراحات فرنسا

ركّز مندوب فرنسا في مطالعته على النقاط الآتية: التحذير من أن استمرار الازمة السورية لن يفضي فقط إلى «صوملتها»، بل إلى تطرف المعارضة. ورأى أن الأزمة في العراق باتت تشكل أرضاً خصبة لتدفق الأسلحة والمقاتلين إلى سوريا. واتهم إيران بأنها تسلح النظام. أما عن رؤية باريس للحل، فاتسمت بأنها ليس لها نفس أولويات رؤية واشنطن. ففيما الأخيرة تركز على أهمية الحوار، فإنّ فرنسا أعلنت أن «الحل الوحيد لوقف أعمال العنف يتحقق بتنظيم المعارضة وتوفير الدعم لها وتشجيعها لتصبح شريكاً فعالاً في المحادثات مع الأسرة الدولية، ولا سيما أن «الائتلاف» قدّم ضمانات بشأن الأقليات.
وفي هذا السياق، طرح ممثل فرنسا فكرة بدا أنّ الغاية منها كسر توجّه واشنطن لاحتكار الحوار مع المعارضة بشأن التسوية مع النظام، ومفادها حرفياً: «أن يصار إلى عقد اجتماع خاص غير رسمي لمجلس الأمن مع ممثلي المعارضة السورية للاستماع إلى مطالبهم وللتأكيد لهم أن الحل الوحيد للأزمة يبقى سياسياً، ومن ثم العمل الدولي المشترك معهم لتحقيق ذلك».


الموقف البريطاني

رأى المندوب البريطاني أن الأزمة السورية تهدد الأمن والسلم العالميين. وسار خلف واشنطن في تشديده على ضرورة البدء بالحوار وإيجاد حل سياسي لها. ولكنه عرض وجهة نظر بلده للأسباب التي تعرقل تنفيذ قراري مجلس الأمن ذوي الصلة بالأزمة السورية (٢٠٤٣ و٢٠٤٢) وإعلان جنيف، والتي يجب تذليلها، وهي: ١_ استمرار الحكومة السورية في حالة إنكار الواقع، عبر نفيها وجود حرب أهلية في سوريا، ووصفها ما يجري بأنه حرب ضد الإرهاب. ٢_ المعارضة غير منظمة ولا تملك تصوراً مشتركاً للمستقبل. ٣_ عدم تبلور إدارة دولية لمعالجة الازمة حتى الآن. وأكد أن تذليل هذه العقبات يفرض على مجلس الأمن العمل لإخراج الحكومة السورية من حالة إنكار الواقع، والعمل من جهة ثانية على توحيد المعارضة السورية وتقديم الدعم لها لتصبح أكثر استعداداً للعمل من أجل إيجاد الحل السياسي، وختم مشدداً على أهمية إجراء التحقيق في استعمال الأسلحة الكيميائية في كافة المناطق السورية.
الموقفان الروسي والصيني كانا متطابقين تقريباً لجهة مطالبة كل الأفرقاء السوريين بوقف العنف وبدء الحوار، «لأن النصر العسكري ليس ممكناً». ودان مندوب روسيا المبادرات التي لا تساعد على الحل، مثل مشروع القرار القطري واجتماعات أصدقاء الشعب السوري. ودعم مهمة الإبراهيمي مطالباً باستمراره لدفع كل الأطراف السورية للتوصل الى اتفاق على أساس بيان جنيف.