تونس | الأربعاء الماضي كان موعد الظهور الأول لرئيس الحكومة التونسية السابق حمادي الجبالي منذ استقالته، حين ظهر في مباراة كرة قدم بين النادي الساحلي والنادي الأهلي في مدينة سوسة التابعة لمنطقة الساحل، حيث فاز فريق المنطقة الرياضي الساحلي وتسلم الكأس الأفريقية من الجبالي نفسه، وذلك في وقت من المرتقب فيه أن يصبح الرجل خارج صفوف حركة النهضة التي تشكل جزءاً أساسياً من الترويكا الحاكمة. وبدا أن أول ظهور للجبالي منذ شباط الماضي، ارتبط بفريق مدينته الأم التي يتهمه عدد من قيادات النهضة بالولاء لها، عوضاً عن الولاء للحركة التي ينحدر أغلب قياداتها من مناطق بعيدة عن الساحل ولها «حقد تاريخي» على هذه المنطقة التي ارتبطت بالحركة الدستورية والنظام السابق.
ولعل البعد الجغرافي للجبالي، هو ما جعل عدداً من قيادات حركة النهضة يتهم رئيس الحكومة المستقيل بـ«التنسيق مع أزلام النظام السابق»، عندما أعلن مبادرته بتشكيل حكومة تكنوقراط غير حزبية. المبادرة التي واجهتها الحركة بقسوة غير مسبوقة.
ولئن لم يعلن الجبالي إلى حد الآن وجهته السياسية الجديدة، في الوقت الذي أُجِّل فيه اجتماع مجلس شورى «النهضة» الذي سيحسم في كل الإشكاليات، تُرجّح غالبية القراءات السياسية مغادرة الجبالي للحركة التي يتولى فيها خطة الأمين العام (الرجل الثاني في الحركة).
ويؤكد عدد من المتابعين لتطورات الحركة المعروفة بالتكتم والسرية أن الجبالي فقد كل حظوظه في البقاء في الحركة التي ناضل فيها طوال سنوات ودفع الثمن غالياً، إذ يرى عدد كبير من إطاراتها أنه غير جدير بأن يكون أميناً عاماً عندما رضخ لضغوط المعارضة بتشكيل حكومة تكنوقراط، على أثر اغتيال الزعيم اليساري شكري بلعيد.
وعانى الجبالي من قواعد حركته ومن زعيمها راشد الغنوشي الى حد التظاهر ضده في الشارع واتهامه بالوقوف مع الثورة المضادة وأزلام النظام السابق.
الجبالي الذي زار الدوحة والسعودية في الأسابيع الأخيرة، نفى أكثر من مرة أي نية له مغادرة الحركة التي «تربى فيها وتعلم أساليب النضال». لكن مقربين من حركة النهضة أكدوا لـ«الأخبار» أن الجبالي لم يعد يملك أي رصيد بين القواعد، بعدما تسرّع في إعلان مبادرته حسب تقويمهم. ويعتقدون أن الرجل انتهى خارج الحركة، إذ إن الغنوشي هو من يملك كل الأوراق ولا أحد يمكن أن ينافسه في ذلك.
عودة الجبالي إلى الظهور العلني بعد أسابيع من الصمت وفي سوسة المدينة التي ينحدر منها الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، فسّرتها بعض الجهات التي تتابع بدقة تطورات المشهد السياسي التونسي، بأن الجبالي قد يكون بدأ الاستعداد لتأسيس حزب إسلامي بمرجعية إصلاحية تونسية لقطع الطريق أمام زعماء حركة النهضة الذين لا يخفون ولاءهم للحركة الوهابية في قطر والسعودية.
ويعتقد الكثيرون من النشطاء السياسيين والحقوقيين في تونس أن ولادة مثل هذا الحزب بهذه المرجعية اليوم في تونس ستنقذ البلاد مما يُدبَّر لها في الخليج. وتؤكد بعض المصادر لـ«الأخبار» أن إعلان الجبالي تأسيس حزب جديد ليس إلا مسألة وقت؛ إذ إن علاقته بحركة النهضة تعيش حالة طلاق عاطفي مؤكد.
وما يؤكد القطيعة بين الجبالي وحركته، غيابه عن كل الأنشطة الرسمية وغير الرسمية، وعدم مباشرته لمهماته كأمين عام للحركة، في الوقت الذي أكد فيه مقرّبون منه أنه لم يقدّم استقالته من الأمانة العامة فقط، بل من الحركة أساساً، في الوقت الذي تؤكد فيه استطلاعات الرأي صعود نجوميته.
وما يؤكد هذا التوجه للجبالي هو تأجيل مجلس شورى الحركة ثلاث مرات متتالية؛ لأول مرة منذ المؤتمر العلني الأول لحزب النهضة قبل عشرة أشهر. ورغم نفي رئيس مجلس الشورى فتحي العيادي علمه باستقالة الجبالي، فإن كل المؤشرات تؤكد أن الأمين العام بدأ يبتعد تدريجاً عن الحركة، إن لم يكن قد غادرها.
من جهة ثانية (أ ف ب)، رجح وزير الداخلية التونسي الجديد لطفي بن جدو هروب مشاركين في اغتيال المعارض اليساري شكري بلعيد، إلى خارج البلاد.
وقال في مقابلة مع جريدة «المغرب» التونسية أمس: «نحن لا نستبعد احتمال مغادرة بعض من شاركوا في جريمة الاغتيال لأرض الوطن ونحن نبحث عنهم في الداخل والخارج ونسقنا في هذا الصدد مع مع الليبيين والجزائريين».
وأضاف أن الشرطة اعتقلت حتى الآن ثلاثة من المشتبه في مشاركتهم في اغتيال بلعيد وانها تلاحق خمسة آخرين هاربين.