بعدما أعلنت كل من حركة «الإخوان المسلمين» الحاكمة في مصر والتنظيمات المناهضة لها تنظيم تظاهرات أمام دار القضاء العالي في القاهرة اليوم، لرفع مطالب متناقضة بين الطرفين تتعلق بالقضاء وتطهيره وتحقيق مطالب الثورة، وفق مفهوم كل طرف من الطرفين، دخلت وزارة العدل على الخط ببيان شديد اللهجة، ليصبح الصراع موزعاً على كافة الجبهات الرسمية وغير الرسمية.
فجماعة الإخوان أعلنت، في بيان لها، أن تظاهراتها تأتي لمطالبة مجلس الشورى، الذي تسيطر عليه غالبية من ذراعها السياسية (حزب الحرية والعدالة)، بإقرار قانون السلطة القضائية لتحقيق استقلالها، فضلاً عن تطهير كافة مؤسسات الدولة من الفاسدين واتخاذ الإجراءات الثورية المناسبة لذلك. هذا مع محاكمة ومحاسبة كل من تسبب في قتل الثوار، ورموز النظام السابق ممن أفسدوا الحياة السياسية، ومع العمل على استرداد الأموال المنهوبة.
لكن دعوة حزب «الوسط» أتت للتظاهر من أجل الوقوف أمام الثورة المضادة بعد موجة البراءات التي نالها رموز من النظام السابق خلال الفترات الماضية، وهو ما تضامن معه حزب الأصالة السلفي. في المقابل، رفضت أحزاب «الوطن» و«النور» و«الإصلاح» و«النهضة الإسلامية» المشاركة في هذه التظاهرات لأسباب متعددة. فالمتحدث باسم الدعوة السلفية، عبد المنعم الشحات، اعتبر تظاهرات اليوم «تعطي صورة سلبية للعالم»، فيما أكدت «الدعوة السلفية» أن «اعتماد أسلوب الضغط في ظل وجود سلطة تشريعية وتنفيذية غير مفهوم مع وجود آليات أخرى»، داعياً الى الحوار لإحداث توافق شعبي على إصلاح المنظومة القضائية. وهو الأمر الذي جاء متقارباً مع الحزبين الآخرين، اللذين وجدا أن المطلب في ذاته مهم، لكن من دون تصعيد بمليونيات، ومراعاة حساسية المؤسسة القضائية والتعامل معها بصورة تحقق التطهير من دون المساس بهيبتها أو تسييسها، مع احترام أحكامها.
على جانب القوى السياسية الأخرى، أعلن عدد من القوى الثورية مشاركته في تظاهرة تطالب بإقالة النائب العام الحالي، وتطيير القضاء «لا أخونته»، وهو ما قد يؤدي إلى حدوث عنف لتقارب القوى بعضها من بعض في ظل موجة البلطجة التي ظهرت في الفترات الماضية مع كل تظاهرة.
الباحث في الشؤون الأمنية، أحمد مولانا، رأى أن من يردد أن الإخوان يتظاهرون ضد أنفسهم غير مصيب، موضحاً أن القضاء إحدى أدوات الثورة المضادة، والجميع يرى أحكام البراءة لرموز النظام السابق، ومن ثم فإنه فقط السند الشعبي هو الذي سيمنع ردات الفعل المضادة على تطهير القضاء.
لذا تكتسب الفعاليات المرتقبة أهمية كبيرة، لكن لا بد لها من ضمانات تكفل عدم انسحاب البعض عند مرحلة معينة. ولا بد أن يكون مطلب حل الأمن الوطني حاضراً ضمن المطالب الأخرى، فضلاً عن قرارات رئاسية يشعر بها المواطنون البسطاء.
ومن جهته، الصحافي محمد بصل، المتخصص في الشؤون القضائية، أبدى، في حديث لـ «الأخبار»، رفضه الحجج الإخوانية في مسألة تطهير القضاء، معدّداً مواقف كثيرة للقضاء أنصف فيها الإخوان وغيرهم. وأكد بصل، في الوقت نفسه، أن القضاء بالفعل يحتاج إلى تطهير وأسلوب جديد في التعيين والتخلص من الشللية، مبيناً أنه «ليس هو المسؤول الأول عما أصاب الثورة من تعثر».
أما على مستوى المواطنين العاديين غير المحسوبين على حزب بعينه، فجاء الموقف في منطقة وسط، وهو ما عبرت عنه المهندسة، خلود الطنبولي، لـ «الأخبار» بقولها إن الإخوان «لهم مواقف كثيرة متخاذلة مع الثوار، وانشغالهم بأنفسهم فقط وعدم اهتمامهم بمطالب الشعب الحقيقية، وفي كثير من الأحيان لا يتحركون إلا عندما يزداد الوضع سوءاً ويكاد ينقلب عليهم هم كفيصل حاكم. إلا أنني لن أمانع المشاركة في النزول بسببهم، لأن مطلب تطهير القضاء مهم للدولة ولا يجوز أن نترك ساحة المعركة الآن لاختلافنا عن فصيل ما في بعض المواقف السياسية وعلينا أن نركز على المشترك بيننا».
وزارة العدل، أيضاً، دخلت على الخط معلنة بوضوح رفضها مليونية «تطهير القضاء»، مشيرة إلى أن التظاهر أمام المحاكم «محاولة للإخلال بسير العدالة واستقلال القضاء»، رافضة خفض سن القضاء إلا بالرجوع إلى القضاة أنفسهم ومن داخلهم. وشددت على أن أي تعديل لقانون السلطة القضائية ينبغي أن يكون بالتشاور مع القضاة أنفسهم وأخذ رأيهم إعمالاً للدستور. وذلك في ظل مشهد قابل للانفجار على أكثر من مستوى.