عمان ـ الأخبار مواجهة حامية ومناقشات صاخبة دارت في مجلس الامة الاردني بين أعضاء المجلس ورئيس الحكومة الاردني عبد الله النسور. خطاب الثقة للنسور، واجهه النواب بالتعليقات الحادة والفوضى والانسحابات وإسقاط النصاب، فيما واصل النسور إلقاء خطابه الطويل الذي لم يتضمن جديداً في السياسات الاقتصادية والاجتماعية للدولة، سوى الوعد بمحاربة الفساد.
النسور لم يقدم جديداً في خطابه سوى التبريرات الفصيحة؛ فحكومته التي تنتظر دفعة جديدة (385 مليون دولار) من قرض صندوق النقد الدولي، للوفاء بالتزاماتها حيال الرواتب ومستحقات المقاولين والتجار وشركات الأدوية الخ، ليس لديها بديل عن الخضوع للصندوق في ما يطلبه من «إصلاحات» اقتصادية، أهمها الآن، إزالة الدعم عن الكهرباء من بين حزمة من الإجراءات التقشفية. خطة تثير حنق النوّاب الذين يستشعرون الضغط الشعبي المتصاعد للتصدي للقرارات الحكومية في المجال الاقتصادي ــ الاجتماعي. وبما أنهم يعرفون مسبقا أن الحكومة الأردنية قد وقّعت فعلاً على اتفاقية القرض مع «الصندوق»، ووافقت على كافة شروطه، وأنه لم يعد بإمكانها التراجع، فإن النواب حاولوا مواجهة المأزق القائم بافتعال العنف اللفظي ضد النسور، بينما يبقى السؤال مطروحاً حول امكانية أن يتجسّد ذلك العنف اللفظي في حجب الثقة عن حكومته.
وكانت الغالبية البرلمانية التي سمت النسور رئيساً للوزراء، قد بدأت هجمات على شخص الرئيس المكلف وسياساته، بسبب تجاهله توصياتها في التأليف، واستبعاده النواب والأسماء المطروحة من قبلهم في تشكيلة حكومته. وأشار مراقبون إلى إن إسقاط حكومة النسور في البرلمان، هو الخيار الأفضل لتلافي إسقاطها في الميادين لاحقاً، وفي الوقت نفسه، إظهار صورة جديدة للبرلمان الأردني، تتفق مع مرحلة التحوّل الديموقراطي، وتظهر بأن الإصلاحات السياسية الجزئية التي تم انجازها في البلاد، هي انجازات جدية. لكن رأياً آخر يؤكد إن إطاحة حكومة النسور، لن تبدل شيئاً في الالتزامات الاردنية نحو «الصندوق»، ما يجعل من حجب الثقة عن النسور سبباً في تفاعلات سياسية لا تحتملها المملكة حالياً. التطورات المتوقعة تتطلب قيام الديوان الملكي والجهات الاستخبارية والعشائرية، بالتدخل، والتأثير على النواب، لإنقاذ حكومة النسور الذي قرر خوض معركة «لصندوق» ضد الرأي العام، بلا نصير؛ فتشكيلة حكومته المختصرة والهشة سياسياً، لا تستقطب أياً من القوى الاجتماعية أو التيارات أو العشائر للدفاع عنها.
وتهون معركة «الصندوق»، إذا ما قارنّاها بمعارك تعديل قانون الهجرة وتجنيس أعضاء الجالية الفلسطينية في الأردن وسوى ذلك من الشروط التي وضعتها الولايات المتحدة للموافقة على المنحة المالية الاميركية للمملكة، والبالغة 200 مليون دولار، وضمانات قروض بسقف أربعة مليارات دولار. وتحاول عمان التملّص من هذه الشروط، لكن حينما تضطر حكومة النسور إلى القبول بها، فهي ستواجه عاصفة في البرلمان والشارع معاً.
شرط آخر لمساعدات بقيمة مليار دولار، وضعته المملكة العربية السعودية، من شأنه أن يفجر صراعات داخلية، ويهدد الأمن الوطني للبلاد. وهو المتعلق بفتح الحدود الاردنية ــ السورية، امام تهريب السلاح لجماعات المعارضة السورية.
الحلول المؤقتة ــ بالقروض والمساعدات ــ لمعالجة أزمة المالية العامة في البلاد، تضعها أمام استحقاقات صعبة للغاية، وتحول بينها وبين ضمان الاجماع الوطني والتحوّل الديموقراطي. وهو مأزق يتعدى اللعبة البرلمانية، ويطرح ضرورة التغيير الجذري للسياسات الاقتصادية والاجتماعية.
وبالنظر إلى دهاء رئيس الحكومة المعروف وخطاباته العاطفية واتصالاته الفردية مع البرلمانيين، فإن أوساط النسور تتحدث عن ثقة من دون تدخلات ملكية أو أمنية، بينما ينبئ الغليان النيابي المتصاعد، بما في ذلك الهجمات الصريحة على النسور، بأنه سيكون مضطراً إلى «الاستعانة بصديق».
إذا انجلى المشهد عن خطابات وتهديدات نيابية تنتهي بمنح الثقة لحكومة تتبنى برنامج صندوق النقد الدولي ــ بقسوته على الطبقة الوسطى والفقراء وتسهيلاته للمستثمرين الأجانب وتفويته فرص التنمية المحلية في المحافظات ــ فسيكون البرلمان قد خسر ثقة الناخبين والرأي العام، وانتهى كوسيط سياسي مؤمّل للتغيير، مما يستعيد شرعية وزخم الحراك الشعبي.
في الحالة الثانية، أي إذا تُرك لغضب البرلمان أن يتحوّل حدثاً سياسياً بإسقاط الحكومة، فسيكون التحوّل الديموقراطي في الأردن، قد اكتسب شيئاً من الصدقية، حتى لو كانت النتيجة، أزمة حكومية مديدة.