منذ مدة، تثير السعودية الجدل داخل العراق بسبب مواقف سياسية وأخرى تتعلق بالحرب على "داعش"، فيما سجل معنيون، أخيراً، تحركاً سعودياً واضحاً تجاه إقليم كردستان (شمال)، الذي يتمتع بحكم ذاتي، ما أثار مخاوف من أن يعزز هذا التحرك خلافات داخلية عراقية، لا سيما بين الإقليم والعاصمة بغداد، في ملفات كثيرة سياسية واقتصادية.وبعد أيام على معلومات تداولتها مواقع إخبارية محلية عن رغبة سعودية في تقديم مساعدات مالية إلى الإقليم الذي يعيش أزمة اقتصادية، في مقابل مواقف سياسية تتصل بالوضع العراقي وقضايا إقليمية، جاءت تصريحات أدلى بها القنصل السعودي في أربيل (عاصمة الإقليم) عبد المنعم عبد الرحمن صالح، قال فيها إن بلاده لن تتخلى عن إقليم كردستان، لتزيد من الشكوك بشأن نيات الرياض إزاء العراق.
وقال عضو لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي رزاق الحيدري إن "التحرك السعودي باتجاه إقليم كردستان هو جزء من مخطط أميركي تمثل الرياض طرفاً أساسياً فيه، والعراق أبرز محطاته". وأضاف لـ"الأخبار" أن "السعودية تتحرك لمواجهة ما تقول عنه المدّ الشيعي، وأميركا تعتبره المدّ الإيراني، وهما بذلك يتفقان على مخطط له أكثر من طريق وأكثر من أداة".
«الديموقراطي الكردستاني»: افتتاح القنصلية السعودية في أربيل تعبير عن تطور العلاقة

وأوضح أن "هناك خريطة طريق رسمتها الولايات المتحدة، وتشكل الرياض ركناً أساسياً فيها، لإضعاف العراق وإبقائه مشتتاً بالقرار السياسي وضعيفاً على المستوى العسكري". كذلك رأى أن "التوجه نحو إقليم كردستان، الهدف منه إيجاد انقسام قومي بعد مساع سعودية لإيجاد انقسام طائفي في العراق"، مشيراً إلى أن ملف "داعش" والأزمة الاقتصادية "كلها خطوات يراد منها السيطرة على العراق، حيث إن السعودية وراء تخفيض أسعار النفط ليتضرر العراق، ومعه إيران وروسيا، وهو أمر نابع من فكرة المحاور التي تقف فيها السعودية إلى جانب أميركا". وتوقع أن "تستجيب القيادة السياسية في إقليم كردستان للرغبة السعودية، وتقبل بمساعدات مالية ستكون لها ضرائب على الوضع العراقي".
في المقابل، يرفض سياسيون أكراد الحديث بريبة عن العلاقات السعودية وإقليم كردستان، التي اتخذت منحى واضحاً في الآونة الأخيرة. وفي تصريح إلى "الأخبار"، قال محسن السعدون، القيادي في "الحزب الديموقراطي الكردستاني"، بزعامة مسعود البرزاني، إن "افتتاح القنصلية السعودية في أربيل، الأسبوع الماضي، ما هو إلا تعبير عن تطور هذه العلاقة في كل المجالات، لا سيما السياسية والاقتصادية، واستمرار التشاور والتفاهم بشأن قضايا المنطقة". ورأى أنه "عندما تشكّك الأطراف الأخرى في العلاقة بين أربيل والرياض، فهذا لأنها تمتلك علاقات متوترة مع السعودية ودول الخليج عموماً". كذلك أشار إلى أن "القنصل السعودي يؤكد عدم تخلي بلاده عن إقليم كردستان في الحرب مع تنظيم داعش، فهو يعلم أن قوات البشمركة هي الوحيدة التي تقاتل هذا التنظيم بثبات، من سنجار حتى خانقين، ويحتاج إلى دعم وتأييد كل دول العالم في حربه على الإرهاب".
وتواجه السياسة التي تنتهجها المملكة في المنطقة اعتراضاً واسعاً داخل العراق تحديداً. ورغم تعيين سفير للرياض في بغداد بعد انقطاع دبلوماسي دام لأكثر من 25 عاماً، فإن أطرافاً عراقية كثيرة لا تزال تعترض على إقامة علاقات مع السعودية، حيث تتهم بإذكاء انقسامات سياسية داخل العراق والوقوف وراء جماعات متطرفة".
وكانت زيارة السفير السعودي ثامر السبهان لأربيل قد أثارت جدلاً، خصوصاً أنها جاءت بعد أيام على تصريحات هاجم فيها "الحشد الشعبي" التابع للحكومة في بغداد، ويضم فصائل إسلامية تعارض معظمها سياسات السعودية، وترفض مساعي انفصال إقليم كردستان. وبعد تلك الزيارة، تداولت أوساط سياسية حديثاً عن صفقة إقليمية، برعاية أميركية، يتم فيها دعم انفصال إقليم كردستان مقابل أن تحظى الرياض بفرصة لإقامة إقليم يضم المحافظات السنية شمالي وغربي العراق (الموصل، صلاح الدين، الأنبار).
وفي السياق، يقول الباحث في الشأن السياسي، ماجد الحسني، إن "السعودية أخذت تزيد من ضغطها على أطراف عراقية، بمساعدة أميركية، بسبب الخسائر التي تلقتها في اليمن وسوريا وأيضاً في لبنان". ورأى الحسني، في حديث إلى "الأخبار"، أن "الاعتراض على السياسية السعودية لم يكن نابعاً من دوافع طائفية، كما يريد أن يصوّر البعض، بل يستند إلى جملة حقائق، منها موقف السعودية من الإرهاب في العراق، وتردّدها لأكثر من عقد في الانفتاح على العراق والتجربة السياسية فيه".
وربط المحلل السياسي التوجه نحو إقليم كردستان بسببين: الأول وجود بيئة مناسبة اقتصادية تدفع بالإقليم إلى قبول ضغوط سعودية، والآخر اعتقاد الرياض بأن الطرف السياسي في إقليم كردستان يستطيع أن ينسجم بسهولة مع رغباتها، كونه يتمتع باستقلال جغرافي نسبي واستقلال تام على مستوى القرار السياسي.